إنتصار حميد ||
في النظرة التقليدية للسياسي إلى وسيلة الإعلام فإن هذه الوسيلة يجب أن تكون تابعة له، ناقلة ما يريد أن يوصله هو إلى الجمهور، وهذه النزعة لدى السياسي ظلت قائمة حتى في الدول التي توصف بأنها متقدمة. ويمكن الاستدارك بأن المسؤولين السياسيين في الدول الغربية مثلا يقبلون بمساحة أكبر من استقلالية الصحافة في الشأن الدخلي، منها حين يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية.
وفي مقابل نظرة السياسي تقف رغبة الإعلاميين في الاستقلال التام عن السياسيين، والتي ترى أن الإعلامي يجب أن يتعاطى مع الشأن العام بعيدا عن أي تأثير من أي نوع، إلا من معايير المهنة التي تقدس الاستقلالية باعتبارها منبع القيم الصحفية.
والحقيقة أنه لا التبعية المطلقة نافعة للسياسي، ولا الاستقلالية المطلقة مفيدة، أو ممكنة في الواقع، وذلك لمجموعة من الأسباب:
1. إن الإعلام عندما يتبع بالكامل للسياسي يفقد أهم أهدافه، وهو التأثير، لأن طبيعة السياسي أنه يخطئ ويصيب، ويرغب عادة في تقديم نفسه دائما في صورة ناصعة، نظرا لحساسيته تجاه نظرة الجمهور إليه.
2. إن فقد التأثير ناتج بشكل مباشر عن فقدان المصداقية التي يصعب الحفاظ عليها، في ظل التبعية للسياسي.
3. أن الاستقلالية المطلقة عن كل طرح سياسي أو فكري، تضر وسيلة الإعلام لأنها تفقدها الزاوية الثابتة التي يمكن أن تنظر منها إلى الأشياء والأشخاص، فلا بد من قيم حاكمة في التعاطي مع الأحداث، تعطي للمارسة الإعلامية دورا في المشروع الوطني الجامع.
4. أن هذه الاستقلالية المطلقة ليست في طوق البشر، فوعينا يتشكل نتيجة لمجموعة من التراكمات المعرفية، والخبرات الحياتية التي لا يمكن أن ننعزل عنها عند نشاطنا اليومي الذي منه العمل الصحفي. واقصى ما يمكن للصحفي، أو المؤسسة الصحفية، هو السعي لتحقيق قيمة العدل، والتزام صفة الصدق، فلا تكذب لتلميع من تقف في صفهم، ولا تكذب لتدنيس صورة من يقفون في الصف المقابل.
ــــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha