قاسم الغراوي ||
الانحطاط الذي يشهده الوطن العربي اليوم غير مسبوق في التاريخ ، خاصة وأنه يحدث في عصر تحرز فيه الشعوب مزيداً من التقدم والارتقاء في الوقت الذي تموت فيه الشعوب العربية بفعل فاعل وتدمر بناها التحتية وتسرق مواردها ، أنه مخطط عالمي لاستهدافنا والرجوع بنا لعصر التخلف مثلما مر بأوربا في الوقت الذي كان فيه العرب يعيشون عصرهم الزاهر.
الكارثة التي حلت بالعالم العربي خلال الاعوام الماضية ، ابتداءً من عدوان أميركا وبريطانيا على العراق واحتلاله في عام 2003 ولحد الان ، ذلك العدوان والاحتلال الأميركي لم يدمر نظام البعث العراقي فقط ، بل دمر الدولة العراقية ، وخلق الظروف الملائمة لولادة داعش وأمثالها من المنظمات الإرهابية ، وقضى على العالم العربي وحوّله إلى منطقة ملتهبة ، ومصدر لأزمة لاجئين عالمية ، كما أعطى إشارة الانطلاق لعصر الإرهاب الذي يضرب العالم اليوم ويقض مضاجع البشرية.
يقدم موقع عالمي محترم حصيلة بالأرقام الموثقة للخسائر البشرية والمالية التي سببها العدوان الأميركي على العراق بحجة كاذبة ، فقد قتل من العراقيين مليون و455 ألفاً و590 شخصاً، ومن العسكريين الأميركيين 4801 جندي وضابط ، ومن حلفاء العدوان الآخرين 3487 عسكرياً ، ويضيف الموقع إن الكلفة المالية للحرب على الغالب والمغلوب بلغت تريليون و705 مليارات و856 مليون دولار.
الربيع العربي واحد من النتائج الثانوية والهزات الارتدادية للكارثة ، وتقدر مصادر دولية أن خسائر الوطن العربي بلغت 830 مليار دولار ، هذا فضلاً عن الدمار الحاصل في تونس وليبيا ومصر واليمن والعراق وسوريا.
ونجحت الخطة العالمية المرسومة في ان يتقاتل العرب فيما بينهم .العرب يحاربون العرب في اليمن ويدمرون البلاد ، والعرب يحاربون العرب في سوريا ويدمرون سوريا ، والعرب يحاربون العرب في ليبيا ويدمرون ليبيا ، والعرب يحاربون العرب في العراق ويدمرون العراق. ومع أن الإرهابيين يشنون حربهم على الإنسانية باسم الإسلام فإن 70% من ضحاياهم مسلمون.
لا توجد أية مؤشرات على أن هناك مستقبلاً عربياً أفضل ، فمعظم الجروح العربية نازفة وملتهبة وتستعصي على الشفاء ، وأي مستقبل لمجتمعات لم تعد تعتبر نفسها مجتمعات وطنية بل مكونات اجتماعية ، تنقسم على أساس الدين أو المذهب أو الطائفة أو العرق.
هذه الأسباب مهدت للانقسام المجتمعي والسياسي في البلاد العربية واصبح من الصعب جدا أن يعاد ترميمها والعودة بها إلى قيمها وقوتها والحفاظ على سيادتها وتخليصها من تبعيتها للأجنبي ،بل أصبح من السهل تأليب الاوضاع وخلق الأزمات فيها من قبل أطراف دولية خارجية لتتدخل بحجة معالجة الأزمات وهي في حقيقة الأمر تخدم مصالحهم الدولية.
إسرائيل ليست مسؤولة عما يفعله العرب بأنفسهم ومن حقها أن تشعر بالراحة والأمان طالما أن العرب تكفلوا بتدمير بلادهم ، بل إن العرب سعوا بأنفسهم لمذلة أنفسهم وتذليل العقبات واختصار الزمن للوصول لأعداء العرب والمسلمين ورسم معالم علاقات جديدة معهم في الوقت الذي يواصلون العداء فيه لاخوتهم المسلمين واشقائهم العرب.
فعل سينهض العرب مرة أخرى بعد هذه الهزيمة ؟ ومن يلملم شتاتهم ويقود هذه الصحوة بعد هذا الانحدار والاستسلام ؟
الأعوام القادمة كفيلة بكشف الاحداث عن أمة منكوبة وحاضر مهزوم ومستقبل مجهول.
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha