الشيخ محمد الربيعي ||
ان من المفيد طرح مسألة المساواة بين الجنسين من زاوية العناصر الإنسانيّة المشتركة والعناصر التي تتَّصل بالاختلاف بين المرأة والرّجل، من خلال طبيعة الدّور الموكل إلى كلٍّ منهما، من دون الدخول في تفاصيل الإجابة عن السّؤال بالطريقة الحادّة التي قد تبتعد بالمسألة عن واقعيَّتها.
أمّا فيما يخصّ العناصر الإنسانيّة، فنحن نؤمن بأنّ المرأة إنسانٌ كامل الإنسانيَّة كما الرّجل كامل الإنسانيَّة، وليس هناك من خصوصيّة لأحدهما على الآخر في هذا المجال، بل إنَّ الخصوصيّة الإنسانيّة تتبع ما يحقّقه الإنسان، سواء أكان رجلاً أم امرأةً، من معنى إنسانيّته، سواء في العقل والفكر، أو في الممارسة والإنتاج.
ونحن نعتقد أنَّ الإسلام أكّد هذا الجانب عندما ساوى بين الذَّكر والأنثى في العقل والمسؤوليَّة والنّتائج، كما في قوله تعالى: {أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} [آل عمران: 195]، وكما قال أيضاً: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}[التّوبة:71]، وما إلى ذلك.
وقد حدَّثنا القرآن الكريم عن نماذج من النّساء تمثّل قدوةً للإنسان كلّه، رجلاً كان أو امرأةً، كما في حديث القرآن عن السيّدة مريم الّتي عاشت الطّهارة كلّها، فضربها الله لذلك مثلاً للّذين آمنوا من الرّجال والنساء، أو كما في حديثه عن امرأة فرعون التي تبرّأت إلى الله من ظُلم زوجها وطغيانه، وكذلك نموذج المرأة الّتي أظهرت من الحكمة ما تفوَّقت به على الرّجال، وهي ملكة سبأ.
ولذلك، نحن نجد أنّ القاعدة العامّة التي بيّنها القرآن الكريم في عالم الحقوق الزوجيّة، هي التساوي في الحقوق والواجبات بين الزوجين، قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}. نعم، تحدَّث القرآن الكريم عن تفضيل الرّجل الزّوج درجةً على المرأة الزوجة، فقال: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}[البقرة: 228]، وهي ليست لبيان التّفضيل الذّاتيّ للرّجل من حيث كونه رجلاً، بل لأنَّ طبيعة تكوين الرّجل تسمح له بحرّية الحركة أكثر مما هو متوافر من حيث التّكوين للمرأة، فالرّجل لا يكون مثقلاًَ بأعباء الحمل والإرضاع وغيرهما.
إضافةً إلى أنَّ الرّجل يُفرَض عليه أن يتحمّل المسؤوليّة الاقتصاديّة للأسرة، وهذا ما يقتضي منه أن يتحمّل مسؤوليّة إدارة الحياة الزوجيّة، تماماً كأيّ كيانٍ تُفرض فيه الإدارة لمن يملك القدرة على القيام بأعبائها أكثر من الأطراف الآخرين.
على أنّ الزوجيَّة لا تقوم على المواّ القانونيّة، وإنّما تشكّل هذه الموادّ الحكم في حال الاختلاف والجور؛ وقد تحدَّث الله عن عنصرين أساسيّين من أسس الحياة الزوجيّة، وهما "المودّة" التي يندمج فيها الإنسان عاطفيّاً مع الطرف الآخر، بما يجعله لا يقف عند حدود القانون، بل ينطلق بعفويّة الحبّ الذي يفيض بالعطاء للإنسان الآخر إلى حدِّ الإيثار، و"الرّحمة"، وهي الّتي يستشعر فيها كلّ طرفٍ نقاط ضعف الآخر، فيتحمَّل منه ما قد يصدر عنه في الحالات الضّاغطة.
نعم، تبقى مسألة الإرث، أو بعض الجوانب الماليَّة التي تخضع في الإسلام لطبيعة الأدوار المفروضة على كلّ طرف في إدارة شؤون الحياة؛ فطالما أنَّ التّشريع يحمّل الرّجل مسؤوليّات ماليّة أكثر ممّا يحمِّله للمرأة، كان من الطبيعيّ أن يلحظ تشريع الإرث هذا الجانب، فيُعطي الرّجل حصّةً مضاعفةً عن حصّة المرأة، إذا كان الورثة ذكوراً وإناثاً. فالمسألة تنطلق بحسب طبيعة الأعباء التي يتحمَّلها كلٌّ منهما، لا من قبيل تفضيل الذّات.
والرأي الذي يذهب إليه الشّيعة الإماميّة، أنّ البنت إذا كانت وحدها دون ذكور، أو الأخت كذلك، فإنَّها ترث التّركة كلّها؛ النّصف بالفرض، والنّصف الآخر بالقرابة؛ فلا خصوصيّة للذّكر عليها من هذه الجهة أيضاً.
اللهم احفظ الاسلام و اهله
اللهم احفظ العراق وشعبه