علي عنبر السعدي ||
عن التبعية وشاي ابو غريب ، وعصا المصلحين .
1- أيام المرحلة الإعدادية ، كنا منتفخين بإصلاح العالم .وقطرات أحلامنا تتحول فينا الى طوفان ، تغذيه المقولات الجيفاروية ،وجرأة التوباماوروس ،وكيف تمكنوا من توجيه ضربات قوية للمخابرات الأمريكية والمتعاونين معها في بلدانهم ، وبهذا كله ،استطاع بعض شبابنا ، اقناع صاحب سينما النصر، بعرض فيلم مصري عنوانه (جريمة في الحي الهادئ ) يتحدث عن مجموعة (ثورية) تقوم بعملية اغتيال جريئة لرئيس طاغية .
ماعلينا ، أراد الاتحاد الوطني لطلبة العراق – التابع للبعث - فرك اذاننا ، لأننا لم نأخذ الأذن منه ،فكرفنا الأمن ،وهوب تحولت فركة الأذن ، الى سجن ابي غريب .
وطبعا عملنا من السجن ،ساحة ثقافة ،أقمنا الندوات الشعرية والمسابقات الثقافية - وعلى اسمع هانوي شكَالت - .
في ساعات الصباح الأولى ،يفتحون باب العنبر ( القاووش ) لنكمل تجوالنا وجلوسنا في الساحة الخارجية ..
كان هناك شاب ودود ولطيف ،يقوم بصنع الشاي – ليس من مجموعتنا طبعا – ويبيع الاستكان بخمسة فلوس ، ولأننا كشخة ، طلبنا منه ان يعمل لنا شاياً خصوصيأ ، و(بكيتلي) أصغر ،مو مثل هذا الحبّانة ، ونعطيه عشرة فلوس للاستكان .
الولد ماكذب خبر ،سوى شاي ولا احسن ،يلمع مثل عين الديك .
مضى اليومين الأول والثاني بسلام ، وفي اليوم الثالث ، نعق فينا غراب البين ، فقد جاءنا والعياذ بالله رجل مدحدح ، وخلفه اثنان ليسا مدحدحين ، وكانت عينا المدحدح الكبير ، تطلقان غضباً وحقداً، يكاد ينبز من تلاليف جهرته ، وسار نحو ابو الشاي ،فأمسكه من ياخته صائحاً : ولك بيش تبيع الجاي ؟؟ فرد متعلثماً : بخمس فلوس سيدي ، بس الشباب طلبوا جاي خاص ، ودفعولي عشر فلوس .
فقال له المدحدح : أنت شنو تهمتك ؟؟ فكاد الشاب يفرط وهو يتلعثم : تبعية * سيدي .
فناوله صفعة ،جعلت الدموع تطفر من عينيه ، ثم ركلة أطاحت به على الارض ، ثم اشار لمن معه : خذوه .
2- بعد ان انتهت فركة اذاننا – على مايبدو – أبلغونا ان نجمع اغراضنا ، وأخذونا نحو سيارة سجن متوقفة في الباحة ، وقد اصعدوا معنا ثلاثة شبّان ، وانطلقوا بنا نحو الشواكة في بغداد ،وهناك انزلونا في مايشبه القاعة خالية من الاثاث .
- اوقفونا الى جانب الحائط ، ثم امروا الشبان الثلاثة ان يقفوا (بالنص ) اي منتصف القاعة وينزعوا ثيابهم واحذيتهم ، وهات ياعصي وصوندات وصراخ وتوسل يقطع نياط القلب وكل النياط ،ونحن ننظر بين الرعب والدهشة ،لأننا اعتقدنا بـأن دورنا قادم .
لكن – وشوف هاي اللكن شحلاتها – دخل القاعة واحد مشورب وجهه يشبه ركَية – من جوه - وخاطب الجلادين :حيل حيل اكتلوهم خل ينصلحوا وبعد مايعيدوها .
ثم التفت نحونا وسأل : وذول شنو ؟؟
فأجاب رئيس الجلادين : سيدي ذول الطلاب ،مال الفلم .
فرد غاضباً : وشكو جايبينهم لهناه ؟؟ ثم خاطبنا ، يللا روحوا لاهلكم - عدكم كروة ؟؟
فاجبنا بصوت متزامن بين همهمة وهمهمة ، أي عدنا .
فأجاب : ياللا درملوا ،بسرعة .
درملنا طبعا ، ونحن غير مصدقين بأننا نجونا من صوندات وعصي المصلحين ، لكني من يومها ،وأنا اتقزز من هاتين المفردتين : التبعية والاصلاح .
(*)كانت الدولة العثمانية تخوض حروب القرم ، وكانت تسوق شباب البلدان الخاضة لهم ، للتجنيد الالزامي ومن ثم سوقه لتلك الحروب ، وغالبا ما انقطعت اثارهم في (سفر برلك )، لذا اختارت بعض العوائل العراقية ، التجنس بالجنسية الايرانية ، تهرباً من التجنيد ، وعند اعلان القانون الاساسي عام 25 19 ، اعتبر العراقي هو من يحمل التابعية العثمانية ، فيما اطلق على من لايحمل العثمانية ، (تبعية ) وقد اصبحت زمن البعث ،تهمة هجّر على اثرها مئات الالاف من العراقيين ، ومنهم من سجن 3 سنوات ، بتهمة تجاوز الحدود ، يتعرض خلالها الى شتى أنوع الاضطهاد والتعذيب
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha