نصير مزهر الحميداوي ||
من جملة الاختبارات والامتحانات التي اختبر الله تعالى عباده بها، هي صغر سن الأنبياء في الأمم الماضية، مثل النبي يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم عليهم السلام وعلى نبينا وآله الكرام ثم صغر سن الأئمة في هذه الامة، فقد كان أكثر الأئمة عليهم السلام، يقومون بأعباء الإمامة، وتنتقل إليهم مسؤولية الإمامة وهم في أعمار مألوفة عند الناس.
قام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، بأمور الخلافة والإمامة بعد استشهاد رسول الله صلوات الله عليه وآله، وعمره ثلاث وثلاثون سنة، والإمام الحسن المجتبى عليه السلام، قام بالأمر وعمره سبع وثلاثون سنة تقريبا، وهكذا بقية الأئمة عليهم السلام، الى الإمام الرضا سلام الله عليهم.
لما وصل الأمر للإمام محمد الجواد عليه السلام، قام بالأمر وعمره تسع سنوات، وكان هذا اختبار من الله لعباده، وإظهاراً لقدرته في أن يجمع مؤهلات الإمامة في صبي، له من العمر تسع سنوات، وكانت إمامته في تلك السن مفاجأة للشيعة، إذ لم يعهد في إئمة الشيعة من يقوم بالأمر وهو في هذه السن، ولهذا كان هناك بعض التساؤلات من الشيعة حول إمامة الإمام الجواد عليه السلام، حتى انكشف لهم الامر، وظهرت لهم الحقيقة فاعترفوا بإمامته، واشتدت عملية الاختبار، أو أظهرت القدرة الالهية بصورة أجلى في الامام الهادي عليه السلام، لأنه قام بأعباء الإمامة وعمره سبع سنوات، فكانت المفاجأة قليلة لأن الفرق سنتان في العمر.
عاد الوضع الى الحالة المتعارفة عليها من حيث السن، وذلك لما وصل الأمر للإمام الحسن العسكري عليه السلام إذ انه قام بالإمامة وعمره ثلاث وعشرون سنة، وهذا العمرلا يقتضي التساؤل والتعجب، وكانت هذه الامور مقدمة تمهيدية لامامة الإمام المهدي عليه السلام الذي قام بالأمر وعمره خمس سنوات.
عاش الإمام الهادي عليه السلام في ظل والده العظيم سبع سنوات تقريبا، ولسنا بحاجة الى التحدث عن الفترة التي قضاها الإمام الهادي في جوار والده الامام الجواد عليهم السلام البار العطوف، مغمورا بعواطفه مشمولا بعنايته، وهكذا لا داعي للتحدث عن ذلك الجو النوراني المشرق، الذي اكتنف الإمام الهادي عليه السلام فهذه أمور لا توصف بل لا تدرك، ويكفي أن نعلم أنه فتح عينيه وترعرع ونما في بيت من بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ويسبح له فيها بالغدو والآصال، في بيت محاط بالقداسة والنزاهة، وقد أسس على التقوى والفضيلة من أول يوم، في بيت لا طريق للمنكرات إليه ولا موضع للمعاصي فيه، ولا مجال للباطل من لعب ولهو هناك.
عندما خرج الإمام الجواد عليه السلام، نحو بغداد وذلك بطلب من المعتصم العباسي بقي الإمام الهادي عليه السلام وأخيه موسى الملقب بالمبرقع في المدينة المنورة، فلما قضى الإمام الجواد عليه السلام نحبه مسموماً في بغداد حضر الإمام الهادي عليه السلام عنده، وقام بتغسيل والده والصلاة عليه، وعاصر الإمام الهادي عليه السلام بقية أيام المعتصم ثم الواثق، ثم المنتصر، ثم المستعين، ثم المعتز لعنهم الله، ولا يطاوعني القلم أن اُسود المقال بتراجم هؤلاء المجرمين الجناة، الذين سودوا وجه التاريخ بعد ان سودوا وجوههم في الدنيا والآخرة.
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha