د.محمد العبادي ||
كانت ولادة الإمام علي عليه السلام فيها عناية إلهية ودلالات معنوية ؛ فولادته عليه السلام كانت وتراً،ولم تقع لأحد غيره ،حيث أتت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه السلام تمشي وئيداً، وجاءها المخاض في أقدس بقعة مباركة يتوجه الناس شطرها بوجوههم، وقد روي عن يزيد بن قعنب أنه قال : ( كنت جالساً مع العباس بن عبد المطلب وفريق من بني عبدالعزى بإزاء بيت الله الحرام إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين (عليه السلام )،وكانت حاملاً به لتسعة أشهر وقد أخذها الطلق ،فقالت : يارب إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب ،وإنّي مصدّقة بكلام جدي إبراهيم الخليل عليه السلام وإنّه بنى البيت العتيق ،فبحق الذي بنى هذا البيت،وبحقّ المولود الذي في بطني إلا مايسرت عليَّ ولادتي .
قال يزيد فرأيت البيت قد إنشق عن ظهره ،ودخلت فاطمة فيه ،وغابت عن أبصارنا وعاد إلى حاله والتزق الحائط،فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح ،فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر الله عزّ وجل ،ثم خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام )(١).
نعم ولد الإمام علي ( عليه السلام ) بمكة المكرمة التي كانت أول بيت وضع للناس ،وأقام قواعده إبراهيم الخليل عليه السلام ،ثم رممه نبينا الكريم ( صلى الله عليه وآله)بعد أن أنهى جدل القبائل وشقاقها في رفع سقوف الكعبة وأشار إليهم بجميل قوله، حيث أخذت كل قبيلة بناحية من الثوب ورفعوا الأحجار.
لقد ولد الإمام ( عليه السلام )بمكة داخل البيت الحرام وفي جوف الكعبة في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب سنة ثلاثين من عام الفيل قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة(٢).
وقال الحاكم النيسابوري : ( وقد تواترت الأخبار انّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين كرم الله وجهه في جوف الكعبة )(٣).
وقال ابن شهر آشوب في مناقبه: ( أجمعت الشيعة على أنّه ولد في الكعبة)(٤).
وقال ابن عنبة: (ولد بمكة في بيت الله الحرام يوم الجمعة الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل ،ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله الحرام سواه إكراماً له وتعظيماً من الله تعالى واجلالاً لمحله في التعظيم)(٥).
إنّها لكرامة كبرى تتضمنها تلك الولادة الفريدة،وصدق الشاعر عبدالباقي الأفندي العمري عندما مدح أمير المؤمنين عليه السلام في قصيدته العينية التي استهلها بقوله:
أنت العلي الذي فوق العلى رفعا*** ببطن مكة عند البيت إذ وضعا(٦).
لقد تم تسميته ( علي )من قبل والده أو والدته أو نبينا على اختلاف الروايات ،لكن في كل الأحوال فإنّ علي هو علي ،وقد تحقق في شخصيته كل صفات العلو والكمال ؛ وأتمثل قول الصاحب بن عباد وهو يقول :
وقالوا عليٌّ علا قلت لا***فإنّ العُلى بعليٍ قد عَلا (٧).
لقد كانت تلك الولادة مباركة ( وكان رسول الله صلى الله عليه و آله يتيمن بتلك السنة وبولادة علي عليه السلام فيها ،ويسميها سنة الخير وسنة البركة)(٨).
إنّ هذا الفضل الإلهي قد مُنح لعلي عليه السلام ليشير ذلك إلى انّه فاتحة تفاءل وخير ورحمة وأن الأولياء يصنعون تحت عين الله ورعايته( ولتصنع على عيني)(٩).
وبالفعل تهيأت له الأسباب فصنع صناعة إلهية على يد النبي الأعظم ،وصبغه بصبغة الله ( وقد علمتم موضعي من رسول صلى الله عليه و آله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة .وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره ،ويكنفني إلى فراشه ،ويمسني جسده ويشمني عرفه وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه،وماوجد لي كذبة في قول ،ولاخطلة في فعل .ولقد قرن الله به صلى الله عليه و آله من لدن ان كان فطيماّ أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ،ومحاسن اخلاق العالم ليله ونهاره .ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالإقتداء به ....)(١٠).
إنّ علي عليه السلام هو زبدة التربية المحمدية التي قدمها للأمة الإسلامية في صناعة الإنسان الكامل ،وعلي عليه السلام من ميلاده إلى إستشهاده يمثل مجمعاً للكمالات والفضائل الإنسانية.
وسلام عليه يوم ولد ،ويوم عاش زاهداً ومتواضعاً ومضحياً ،ويوم استشهد ،ويوم يبعث حياً.
--------------------
١-الأمالي،الصدوق،ص١٩٤-١٩٥،حديث رقم ٢٠٦؛ الأمالي، الطوسي،ص٧٠٦،حديث رقم ١٥١١؛ روضة الواعظين ،النيسابوري،ص٧٦.
٢-المناقب ،ابن شهر آشوب،ج٣ص٣٥٣؛ روضة الواعظين، النيسابوري، ص٧٦.
٣- المستدرك على الصحيحين،الحاكم النيسابوري،ج٣ص٥٥٠،حديث رقم ٦٠٤٤.
٤- المناقب،ابن شهر آشوب،ج٢ص١٧٥.
٥- عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، ابن عنبة،ص٥٧.
٦-مفتاح السعادة ،محمد تقي النقوي،ج٣ص١٣.
٧- المناقب، ابن شهر آشوب، ج٢ص٢٣٠.
٨- شرح نهج البلاغة ،ابن أبي الحديد،ج٤ص١١٤.
٩- سورة طه، الآية ٣٩.
١٠- نهج البلاغة،الإمام علي عليه السلام، الخطبة ١٩٢
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha