عبدالزهرة محمد الهنداوي ||
مازلت اتذكر ذلك المشهد في ثمانينيات القرن الماضي، عندما كنا ننحشر حشرا في (التاتا الهندية) للوصول الى الجامعة.. هذه "التاتا" تبقى فارغة، بنظر "السِكِن" وهو ينادي معنفا "العبرية" اخوان طبّوا جوة السيارة فارغة!! حتى يصعد المزيد والمزيد من الناس!! في حين ان الركاب يعيشون حالة "انجعاص" غير مسبوق، في بطن التاتا!!.
تذكرت مشهد التاتا، وانا اتابع مايشهده كوكب الارض من انفجار سكاني مخيف.
فهذه الزيادات، باتت تشكل عبئا بل خطرا على وجود الاجيال المقبلة، لانهم ربما لن يجدوا ما يأكلونه عندما تسقط رؤوسهم فوق سطح الكوكب، ومن المؤكد ان مانشهده اليوم من حروب ما هي الا وجه من اوجه الصراع من اجل البقاء، كما ان مايحدث من تغييرات مناخية مرعبة، هي الاخرى نتاج التزايد الكبير للسكان، وما يقوم به الانسان من سلوكيات جائرة بحق البيئة، وكل ذلك من اجل البقاء..
وفي العراق، بوصفه جزءً من هذا الكوكب، فالمعطيات تشير الى ان عددنا بعد ٧ سنوات من الان سيتخطى الـ(٥٠) مليون انسان، وبعد (٥٧) سنة سنتجاوز حاجز الـ(٨٠) مليون نسمة!!
فماذا نحن فاعلون؟.. هل سنبقى نعيش حالة الحشر التاتوي، وحالة "انجعاص" دائم؟!! ونترك للقدر اللعب بمقاديرنا، ومقدراتنا حتى يرث الله الارض ومن عليها؟!!
اعتقد، والحال هذه، وفي ضوء شبابية المجتمع العراقي (٥٧٪) شباب و(٤٠٪) دون سن الـ(١٥)، اذ اصبح لدينا رصيدا كافيا من السكان المنتجين، فقد آن الاوان اكثر من اي وقت مضى، للشروع بتطبيق سياسات سكانية، يمكن من خلالها تحقيق حالة من الاستقرار والتوازن السكاني، من اجل ضمان حق الاجيال القادمة في العيش، وفقا لنظرية (زرعوا فاكلنا، ونزرع ليأكلون)، وبعيدا عن سياسة "تحديد النسل" التي بدأت الكثير من المنظمات تطالب بها، فأن الامر يتطلب العمل على وضع سياسة لتنظيم الاسرة، كالذي قامت به احدى منظمات المجتمع المدني الفاعلة، باطلاق حملة توعوية للاسرة، تحت عنوان (قلّل ودلّل) بمعنى التقليل في الانجاب، والمباعدة بين ولادة واخرى، ليكون رب الاسرة قادرا على تلبية متطلبات الاطفال المعنوية والمادية، وفي مصر اطلقوا قبل عامين حملة توعوية حملت عنوان (اثنين كفاية) بهدف زيادة الوعي باستراتيجيات تنظيم الأسرة بشكل أفضل، وبالتالي الحد من الزيادات السكانية.
ولكن السؤال هنا ماهي التدابير التي يمكن العمل عليها لمواجهة (مشهد التاتا) في العراق؟
ابتداء نحتاج الى حملات توعوية واسعة، تشترك فيها الجهات الحكومية كافة، ومنظمات المجتمع المدني، والاعلام، ورجال الدين والقطاع الخاص، والفعاليات الاجتماعية، تركز على الجوانب الايجابية وتوعية الاسرة بضرورة تقليل الانجاب، وهذه الحملات ينبغي ان تتصف بالديمومة، وعدم التوقف، يرافقها اجراءات وسياسات تشجيعية من قبل الجهات المعنية، من قبيل منح الموظف الذي لديه طفلان ، مخصصات مغرية، وحجبها عن مازاد على ذلك، وكذلك شمول الاسرة ذات الطفلين، بالضمان الصحي والتعليم والغذاء بنحو مجاني، وعدم تحمل مازاد عن الاثنين، فضلا عن ضمان توفير فرص عمل لائقة لهؤلاء الاثنين.
ومن هنا اتوقع ان سياسات مثل هذه سيكون لها اثرا ايجابيا في رسم مسارات جديدة للواقع السكاني في العراق، وخلاف ذلك سيكون (مشهد التاتا)، هو المشهد الاكثر مشاهدةً في العراق.
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha