كوثر العزاوي ||
لعلّي لستُ ممّن يتجرَّأ في خوض غمار المعصوم لأكتب فيه! وأنَّ قلمي ليتصاغر أمام من كتَبوا ودوَّنوا عن حياة آل محمد "عليهم السلام" وسيرتهم، ولكن وجدتُ إحساسًا خاصًا نابضًا يدفعني ويلحّ عليّ وأنا أنعى مولاي وأتذكر سجنهِ لأرمي قطرة سجني في زمن طاغيةٍ هو امتداد لطواغيت زمان آل محمد "عليهم السلام" علَّها تمتزج في بحر معاناة سجنكَ سيدي"ياموسى بن جعفر"، عسايَ أحضى بنفحةٍ قدسية من جميل صبرك وكظمهِ المُعجِز!
وطالما أخذتني ذاكرة التاريخ حيث مطامير اللارشيد التي أُعِدَّت لقَمعِ العصمة واضطهاد المعصوم في عصر جبابرة بني العباس، فاجرٍ بعد فاجرٍ ليرتبط غَيّهم بأشباههم من جبابرة بني أمية ومافعلوا، ليتّصلَ يومهم بيوم أحفادهم وماعملوا بشيعة آل محمد إلى يومنا هذا!!
وفي ذكرى استشهاده" عليه السلام" والروح مابين الهمّة والهيام، مضت تسعى لتشارك جموع الزاحفين صوب كعبة الصبر ومنارة الكاظمِ من آل محمد، تلك التي أحالَت الظلمات إلى روضة من رياض اللطف الإلهي، وهاهي شاخصة وستبقى على مرّ الدهور مابقي الليل والنهار، مشكاةُ نورٍ للضالين، وموئِلًا للقانطين، ومحطة رعبٍ للظالمين!
وحريّ بنا أن نطيلَ المكوثُ عند أعتاب باب الحوائج كاظم الغيظ، ونُطلِق العنان لآهاتٍ تتكسّر بين أضلعنا في كلّ عام لتنفثَ الأنفاس صادقة والأقلام حرّة، وتُلثِمُ أبوابَ اللهِ التي منه يُؤتى، فهي محالّ الرحمة وفيض الشفاعة وهيام الأرواح، إذ ترتشف من ينبوع الحكمة لتجري في القلوب على الألسن، وتُنير طريقها في شتى ميادين الحياة، تخيّل وأنت تقف على عتبة باب الحوائج، ستجد الفسحة في استلهام الدرس والعبرة من جميل السّمات التي تميّزت بها شخصيّته "عليه السلام" كما تلمَس السكينة وانت تحدّق في وهَجِ القباب تُبهركَ معاني الشموخ وكيف اسْتُلَّتِ العزّة من قعر السجون وحَلَقِ القيود، عندئذٍ يدرك العقل، أنّ ثمة حقيقة جوهرية ناصعة في حياة كلّ معصومٍ سيما إمامنا الكاظم "عليه السلام" على أنه المظهر الحقيقي لتجلّي العبودية لله "عزوجل" والارتباط المطلق، ومطلق الثقة به
"سبحانه"، وأنّ التعاملَ مع هذه الحياة على أنها دار ممرّ لاراحة فيها ولاقرار وأن الدار الآخرة هي دار القرار، وإن الفناء في سبيل الحق والدفاع عنه وتَحَمُّلِ المشاق لأجله، لهي السعادة والإرتقاء!! ومن هنا، ينبغي لكل موالٍ أن يَستلهمَ الدرس الأهم والأسمى من سيرة المعصوم
"عليه السلام" ليصل الى تسنّمِ الولاء الحقيقي الذي يقود حتمًا إلى ذروة السعادة التي تجلّت ساطعة في ماوراء ضريح الإمام المعصوم "عليه السلام" فتُبصر معاني الصبر، وأبعاد الصلابة في الحقّ، والصمود أمام الأحداث، لتعرفَ فناء العبد بالمعبود! وإلّا..أنّى للسجين أن يصنع سراجًا يُضيءُ دهاليز الظلام! وكيف للمقيَّدِ بالحديد أن يحوّلَ قيودَهُ عُكّازًا يهُشُّ بها العَتمة في غياهب السجون ومن قبوٍ إلى قبو!!، حتى أصبحت أنصع سِماته وضوحًا "كظم الغيظ" والصبر على الأحداث الجسام، والمحن الشاقّة التي لاقاها من طواغيت عصرهِ إذ تمادَوا في تعذيبه وتفنَّنوا في محاولة طمس آثار الإمامة ولم يرعَوا لرسول الله حرمة، وهو من العترة الطاهرة ومن الشجرة النبوية الباسقة، والدوحة العلوية اليانعة، ومحطّ علم الرسول "صلى الله عليه وآله"وأحد أبواب الوحي والايمان ومعادن الرحمة، ولهذا نجد الامام الكاظم "عليه السلام" يضرب للناس أروع مثل في تحقيق السعادة والتعالي بالنفس عن كل مافي هذه الحياة الفانية بارتباطه بالمطلق"عزوجل" ليجعل من السجن نعمة كبيرة يَشكر الله عليها فيقول مخاطبا ربّه عند دخوله السجن كما جاء في الروايات
{اللهم أنك تعلم..،طالما سألتك أن تفرّغني لعبادتك، اللهم وقد فعلتَ، فلك الحمد}.
فسلامٌ عليك أيها الآية العظمى، سلام عليك ياراهب آل محمد "عليهم السلام" ورحمة الله وبركاته.
٢٤-رجب الأصب١٤٤٤هج
١٦-شباط ٢٠٢٣م
ـــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha