جـواد السَّـــعَيــّْد العبـــادي ||
jw.alsaaid@gmail.com
اذا كان السهل الرسوبي في جنوب العراق قد تكون بفضل الترسبات الغرينية والطمى الذي نقله دجلة والفرات عبر آلاف السنين...
فلماذا لم يطمر المساحة التي تقع ضمن مساحة السهل الرسوبي وتقدر مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة لبنان والتي تسمى (الأهوار) ؟ وهذا سؤال مهم...!
وجوابه العلمي هو: أن الطبقات الأرضية لهذا المنخفض الهائل في حركة تكتونية هابطة ومستمرة فمهما ألقت فيها دجلة والفرات من ترسبات غرينية لا تمتلأ... ولهذا نجد قاع الأهوار عبارة عن تربة غدقة غير متماسكة وغير مستقرة...! فتبقى هذه المنطقة منخفضة بل تستمر بالهبوط حتى وإن قطعت عنها المياه...!
كانت مساحة الأهوار تتراوح مابين ٣٥ الف إلى ٤٠ الف كيلومتر مربع.. أما اليوم فقد انحسرت مساحتها إلى ٢٠ ألف كيلومتر مربع بعد أن تعرضت إلى عمليات التجفيف والتخريب المتعمد...!
تنحصر هذه المساحة بالمثلث المحدد من محافظة ميسان وذي قار شمالا إلى البصرة جنوبا وهي مسطحات مائية عذبة تعتبر مكانا لتصفية مياه الرافدين من الشوائب والغرين لتخرج منها ثانية صافية نقية وكانت تعج بالحياة والنشاط البشري بكل أنواعه من تربية الحيوانات والصيد والزراعة وأنواع النبات الطبيعي..
أكاد أجزم أن كل حكومات العراق المتعاقبة على حكمه تعمدت تخريب هذه البيئة الجميلة الخلابة منذ العهد الملكي ولحد الآن وكانت حقبة الحكم العفلقي الصدامي الأسوء بين كل الحقب حيث كانت تمارس عملية التخريب علنا جهارا نهارا و أصبحت عمليات التجفيف تجري بشكل رسمي وتحت ذرائع شتى...
أغلق كل منافذ الأنهار المتفرعة نهري دجلة والفرات والتي تصب في الأهوار وحول مجاريها بإتجاهات مختلفة...
أقام سدا مابين الطريق الممتد من القرنة - الچبايش وقلعة صالح في ميسان بطول يتراوح ٦٠ كيلو متر ودمر هور زچري وما فيه من حياة وتحولت المنطقة جنوب السد من قلعة صالح شمالا إلى القرنة وناحية عز الدين سليم إلى صحراء قاحلة... حول مياه الفرات من جنوب سوق الشيوخ بإتجاه الصحراء تحت اسم المصب العام وجفف هور السناف الممتد من جنوب الچبايش وغرب قضاء المْدَيّنَه وحتى گرمة علي لتتحول هذه المساحة إلى أرض يباب فهجر سكانها ودمر قراهم ومحاصيلهم الزراعية وثروتهم الحيوانية...
هذه أمثلة على جرائم الحكم العفلقي الصدامي ودوره في تخريب الأهوار وهناك المزيد وهذا معلوم للجميع بما فيها منظمة اليونسكو وغيرها من المنظمات الدولية...!
الجريمة الكبرى هي:
تواطئ كل الحكومات العراقية مع الحكومات التركية خلال هذه الحقب التاريخية وسكوتهم على إقامة السدود في منابع دجلة والفرات العليا ومنع المياه من دخول الأراضي العراقية....
وهناك معلومة خطيرة لا تفصح عنها الحكومات العراقية ولا يتناولها الاعلام وهي: ( ان كل الحكومات العراقية متفقة مسبقا مع الشركات النفطية العالمية الكبرى ان تعمل على تجفيف الأهوار لكي تمارس هذه الشركات نشاطها بشكل مريح وسهل ومرن عمليات التنقيب واستخراج النفط في هذه المساحة...)
أهوار الجنوب تتربع على كنز ضخم وكبير من البترول يفوق كنز (إحفيظ) الإسطوري...!
كما يمتاز بترول هذه المنطقة بجودته إضافة إلى قربه من سطح الأرض فلا يحتاج إلى حفر آبار عميقة بل تجده أحيانا يتدفق فوق سطح المياه لغزارته ولقربه من سطح الأرض ولهذا تسعى الشركات النفطية ليل نهار للسيطرة على حقول النفط في هذه المنطقة كما يحصل الآن في حقل ما يسمى (بحقل غرب القرنة) وهو المساحة بين - قضاء القرنة وناحية عز الدين سليم وقضاء المْدَيّنَه وقضاء الإمام الصادق - إضافة إلى (حقل اليمامة) الذي يقع غرب قضاء المْدَيّنَه وهو جزء من هور السناف سابقا.
ولانريد الإطالة لنتحدث عن أهوار ميسان وذي قار التي لازالت لم تجري فيها عمليات الاستخراج.
* نقل أحد المهندسين المشرف على خرائط تصميم المدن وفي إجتماع عام بعد أن شرح التصميم الحديث لقضاء المْدَيّنَة ان الحكومة العراقية عند توقيعها لعقود التراخيص النفطية مع الشركات العالمية سلمت مناطق قضاء المْدَيّنَة وناحية عز الدين سليم والإمام الصادق كلها إلى شركات النفط العالمية على إنها أراض غير مأهولة بالسكان وهذا يعني ان الشركات النفطية لها الحق في التنقيب والاستخراج في أي مكان ولا يحق لسكان هذه المناطق الاعتراض اطلاقا...
هذا يفسر لنا بالدقة سبب سكوت الحكومات العراقية وغض النظر عن تصرفات الحكومة التركية وإقامتها السدود في أعالي دجلة والفرات ومنع تدفق المياه إلى الجنوب ناهيك عن سدود داخل العراق مثل سامراء وسد الموصل وسد حديثة وغيرها التي تمنع وصول المياه إلى الجنوب...!
لا نريد أن نسهب في الحديث عن منافع الأهوار وثرواتها ودورها في تحسين المناخ لان هذه المعلومات أصبحت معروفة لدى الجميع، لكن نريد أن نشير إلى الأضرار التي سببتها الحكومات العراقية بممارستها قطع المياه وتجفيف الأهوار مثل التلوث البيئي بسبب عمليات استخراج النفط وحرق الغاز المستصحب وانتشار الامراض بين سكان مثل السرطان والفشل الكلوي بسبب نشاط الشركات النفطية دون مراعاة للبيئة وللا ضاع الصحية لسكان المنطقة..
ولو كانت الحكومة العراقية صادقة حقا في حل هذه المشكلة لاستعملت كل أوراق الضغط على تركيا لفتح السدود سيما وان منظمة اليونسكو اتخذت قرارا في عام ٢٠١٦ بجعل أهوار العراق ضمن قائمة مناطق التراث العالمي.
وبإمكان الحكومة العمل على جعل المساحة المتبقية من الأهوار أكبر خزان للمياه في الجنوب واعادة الحياة للمنطقة بدلا من التفكير بإنشاء سد على شط العرب بلا جدوى...!
الأجدى والأنفع ان تعتمد الحكومة خطة لخزن المياه في الأهوار وبناء سدود تحيط هذه المنطقة وخزن المياه فيها والتحكم بكميات المياه المنصرفة إلى الفرات ودجلة وشط العرب كي تستمر عملية جريان المياه بشكل طبيعي دون إسراف، ومن ثم بناء قنوات إروائية توزع المياه على الأراضي الزراعية واستصلاحها و تضع خططا لتتحول الأهوار الى محمية طبيعية فتكون منتجعا سياحيا شتويا يأمه السياح من كل دول العالم.
كنز الجنوب ( إحفيظ) الاسطوري العظيم منتهك منهوب تآمرت عليه حكومات العراق منذ أن تأسست دولة العراق، لأنهم لا يعرفون ثمنه ولا يقدرون قيمته...
-—------—---—-----------—--
*(إحفيظ) مكان اسطوري لا أحد يعلم موقعه بالضبط في عمق الأهوار ويذكر الذي عثر عليه بالصدفة بعد أن أضل طريقه في الأهوار رأى فيه من الخيرات والأموال من الذهب والمجوهرات ما لا يعد ولا يحصى وعندما عاد ثانية للموقع فلم يجده.
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha