قاسم سلمان العبودي ||
قيل في الأثر ، أن الدنيا جنة الكافر ، وسجن المؤمن . لذالك نرى إن الانطلاقة الحقيقية للأنسان المؤمن تكمن بمغادرة تلك الظلمة الموحشة التي رُسمت لدُنيا لم ينل منها الكثير من الناس سوى ما أُستعمل مجازاً لإبقائهم أحياء .
أن تقاطع الثوابت العقائدية بين الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ، وبين ساسة بني العباس المستكبرين ، أضفت لمسة قاتمة على حياة الإمام الكاظم ، وعلى الأمة المتمسكة بنهج الإمام . فكان السجن الطريقة المثلى لحكام الجور ، بمنع التواصل بين الإمام والأمة الاسلامية .
أن معالجة الأنحراف السلطوي ، كانت من أولويات النضال الأسلامي للإمام الكاظم عليه السلام ، بإعادة الأمور الى نصابها الشرعي الذي تأثر كثيرًا بمتبنيات الدولة العباسية التي حرفت بوصلة الأمة بأتجاه غير أتجاهها الصحيح . لذا نرى نهضة الأئمة عليهم السلام جميعهم كانت تَصب في تلك الامور الشرعية التي أُنيطت لآل البيت عليهم السلام من قبل الله تعالى .
مقارعة الأستكبار العباسي تجسد جلياً واضحاً في سير وسلوك الإمام الكاظم ضد حكام بني العباس الذين أُسقطوا الحكومة الأموية بشعار المطالبة بحق بني هاشم في أدارة الأمة الاسلامية . لكن ذلك الشعار الزائف لم ينطلي على أهل البيت ، لعلمهم بان النوايا غير صادقة ، وأن الشعارات التي أُطلقت مجرد كذب وأفتراء .
أن قيادة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام لخواص الأمة الاسلامية ، رغم محدودية المكان وضيق الزمان وقُصرهْ ، أغاضت حكام الجور ، وأستشعرت الخطر الداهم عليهم . لقد كان جُل مبتغى الإمام هو الأستقامة للأمة الاسلامية ، بعد أن أُذهب المستكبرون تلك الاستقامة وأستبدلوها بأنحراف عظيم . أي أن السلطة العباسية بمغرياتها ، وبأبواقها الأعلامية وبكل ما تملك من أموال وأدوات ، وقفت عاجزة أمام البناء الذي أرسى قواعده موسى بن جعفر عليه السلام في الأمة التي كانت تعاني الضعف والهوان .
فضلاً عن ذلك ، كان الأمام يرسم خارطة طريق للأمة حتى تلتف حول المعصوم الذي يليه ، ليكمل المسيرة الإلهية التي خُطت من قِبل الله تعالى وعلى لسانِ ووصايا نبيهِ الأكرم . أذاً الأمر ليس خروج مظلوم على ظالمه فحسب ، وليس كما يروج الأعلام المضلل للناس بخروج الإمام ضد الحاكم لطلب الدنيا وزخرفها أطلاقاً . بكل كانت مسيرة تكاملية تُعهد من إمام لآخر في سبيل تحقيق هدف واحد ، هو العودة بالأمة الى الدائرة الألهية .
من يتصور أن الأستكبار الاموي والعباسي وما تلاه قد ذهب وولى فهو واهم جداً . ومن يتصور أن الأئمة عليهم السلام أنتهى أمرهم بأستشهادهم جميعاً ، وأن الأمر لصاحب الأمر ، واهم أيضاً . فخط المستكبرين لا زال قائماً ، والأمة تُحرَّف يومياً عن مسارها الصحيح بأتجاه بوصلة الأستكبار . ولازال نهج الأئمة قائماً عليهم السلام أجمعين بهَدي الناس صوب الحق ومحورية القداسة الإلهية وذلك عبر المتبنيات العقائدية التي يتشرف فيها مراجع الأمة الاسلامية بقيادة محورها المقاوم ضد الأستكبار العالمي وأدواته البغيضة .
ونحن على أعتاب هذه الذكرى الأليمة ، يجب على الأمة أن تقرأ التأريخ الاسلامي وحياة الأئمة قراءة أخرى . يجب علينا أن نغادر الظلامة ، الى المنجز الأمامي الذي غاب عن الكثير منا ، وأهمه بل أقواه أن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام لم يكن يشعر بالأنكسار النفسي ، كما يقال في مقالات المغرضون ، بل كان يتحرك في دائرة العصمة الأمامية التي شرعها الله له كبقية الأئمة سلام الله عليهم أجمعين ، حتى يرث الله الأرض ومن عليها بأذنه تعالى .
25 رجب 1444 هجري
https://telegram.me/buratha