إيمان عبد الرحمن الدشتي ||
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) سورة الجمعة الآية ٢.
حين يكون الضلال مبيناً متسيداً على خصال الإنسان الرحمانية، وفاضحاَ لسلوكه وعلاقاته المجتمعية، تتجلى رحمة الباري عز وجل ولطفه بعباده ليستنقذهم من الجهالة وحيرة الضلالة، فالله تعالى قد خص الإنسان الذي إجتباه على سائر مخلوقاته بإعمار الأرض حيث قال (وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ) هود الآية ٦١، فبعث الرسل والأنبياء بالرسالات السماوية هادين مصلحين في إممهم، يدعون لتوحيد خالقهم والإلتزام بأوامره ونواهيه، وتبيان ماهية استقامة سلوك الإنسان وتأثيرها في إصلاح الأمم، واعمار الأرض بما سخره الله للإنسان من إمكانيات عقلية وجسمانية وثروات مادية على وجه الأرض وفي باطنها، وحين وصل الحال بالمجتمعات الإنسانية قاطبة بل وحتى معاشر الجن إلى حاجتها لرسالة شاملة متكاملة يضطلع بأعبائها رسول متكامل الخصال والصفات الحميدة، جامعا لفواضل الأخلاق وأعاظمها ليكون قدوة وأسوة حسنة، فكان المكان والمكين مهيأين للإنطلاق في تحقيق ذلك.
"مكة" التي كُرمت ببيت الله العتيق كانت المكان الأول لإنطلاق الدعوة الإسلامية، وقد حوت أقواماً غالبيتهم كانت تسودهم الشحناء والبغضاء، وإستعلاء القوي على الضعيف، والغني على الفقير، والأبيض على الأسود، وإحتقار للمرأة، وإستشراء الرذائل والموبقات وغيرها من الصفات الذميمة، وأما المكين فهو الصادق الأمين إبن مكة ووليدها، المبارك الذي أينما حل حلت الكرامات والمعاجز على يديه، فكان بحق "الرسول المصطفى" من الله ليكون للعالمين بشيراً ونذيراً، وهو نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم الخاتم لكافة الرسل والأنبياء، فكانت بداية بعثته في صبيحة اليوم السابع والعشرين من شهر رجب الأصب.
عانى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله كثيراً في نشر الدعوة الإسلامية في مجتمع جاهلي، فقد أتُّهِم بالكذب والسحر وتعرض للقتل وعاش التهجير ولاقى من صنوف الإعتداء ما لاقى، متحملاً كل ذلك طاعة لربه وشفقة على أمته كي يثبّت فيها أصول الدين القويم والهداية المحمدية الأصيلة.
قال تعالى (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) سورة الرعد الآية ٧، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يرحل عن هذه الدنيا إلا بعد أن أوصى الأمة بأمر من الله تعالى بإتباع مولانا أمير المؤمنين علي وأولاده من بعده عليهم جميعا سلام الله، فقال (اني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي ابدا) فأثبتت كلماته الشريفة هذه صدقها كما في كل أحاديثه الشريفة، اذ لم تراعى الوصية ولم يمتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله في الهادين بعد الهادين، والأمة مصرة على مقته مجتمعة على قطيعة رحمه وإقصاء ولده إلا القليل ممن وفى لرعاية الحق فيهم، فقتل من قتل وسبي من سبي وأقصي من أقصي، إلى أن وصل الأمر إلى خاتم الحجج مولانا المهدي عليه السلام، فغيبه الله تعالى ليدخره لنصرة دينه وإعزازه، حين يمكن شيعته ومحبيه للنهوض معه بإحياء الدين، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وإمتلاء الأرض ظلماً وجوراً، وما نعيشه الآن هو مصداق لذلك، والقادم أشد وأمر، وها نحن نقترب من ظهوره الشريف بشكل ملفت، بعد أن بانت بشائر رحمة الله للمؤمنين بتمكنهم وإقتدارهم، وبإنشغال الظالمين بالظالمين، وقرب إنهيار دول الاستكبار التي عاثت في الأرض فساداً، وتحقق بعض علامات الظهور الشريف، وستتحقق قريباً العلامات المشابهة لنظام الخرز الذي يتبع بعضه بعضا كما عبر عنها أئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم.
ستشرق شمس المصلح والمخلص الموعود الذي بشرت به كل الرسالات السماوية، وهو قائم آل محمد عليه وعليهم صلوات الله وسلامه؛ فتتحقق إرادة الله عز وجل (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) سورة القصص الآية ٥، وسيعود دين الإسلام رغم أنف المنافقين والظالمين الذين لم ينصفوا الرسول الخاتم وعترته الطاهرة، على يدي الوصي الخاتم غضاً طرياً.
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha