كوثر العزاوي ||
إنّ الصبرَ منهاجٌ تربويّ وأخلاقيّ
وإيمانيّ، يكلّلُ مَن مشى في مساره بالظفر والفلاح، ويمنحهُ القوة والتفائل مع كلّ إشراقة صباح ،
وغالبًا ماتجد الصابر منظومة من الأمل، يمتاز بقوة الشخصية المتّزنة وصلابة الموقف باتجاه الخير، مطمئنًا عند ارتباك الحال، هشٌّ بشٌّ بين الناس، مجسِّدًا أبعاد الصبر في حركته كونه عملٌ يُلزِم فيه صدق العبد مع ربّه، فيما يعطي للإنسان زخمًا معنويًا من التحدّي في الحياة ومقاومة العواصف، وكأنه على الدوام في حلَبة سباق يتنافسُ من أجل الفوز ومواصلة طريق الخير والصلاح! وخير مصداقٍ للصبر في الوجود هم محور الوجود محمد وآله"عليهم السلام"
ومِثلُ هذا التميّز لايتحقق إلّا حينما يكون الباعث عظيمًا، وليس هناك أجدر من وجه الله "عزوجل" ليصير باعثًا على الصبر المتميز سيما الذي يقترن بنيّة التقرّب إليه ورجاءًا لثوابه "عزوجل" فقط، وليس لغير ذلك من المقاصد الدنيوية والأغراض المادية، ولا لأجل المكاسب الفاسدة، إنما لهدفٍ سامٍ يعدّهُ العامل بالصبر، ولعاقبةٍ منشودة تستحقّ الثبات ولو كلّفهُ الباهظ والنفيس فيهون عنده كلّ عسير!
{وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ..} الرعد ٢٢
وهو ذات ماصبر عليه الأنبياء والاولياء، وحسبنا قول الباري "سبحانه" آمرًا مثبِّتًا قلب نبيّهُ محمد"صلى الله عليه وآله وسلم" بالصبر قائلًا:
{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف٣٥.
وأوضح دليل على أنّ أولو العزم من الرسل قد صبروا على مشاقِّ الدعوة إلى الله وتقوية الاعتقاد بالمبدأ والمعاد، ونشر الفضيلة، وقمع الرذيلة، كما صبروا على أذى المعارضين وبَغيهِم، فأبلَوا بلاءً حسنا، فكان صبر النبيّ محمد "صلى الله عليه وآله" أعظم، حتى بلغ الأمر ليعلن بقوله ؛{ ماأوذيَ نبيًّا مثل ماأوذيت}! ومالحِقَ بأهل بيتهِ "عليهم السلام"وشيعتهم ومحبّيهم من أذى، يؤكد مصداق جميل الصبر، لما لاقوهُ من العذاب صالح بعد صالح وصادق بعد صادق!
ومن فَرْط البطش والتنكيل، جاء قرار السماء قاطِعًا بتغييب آخرهم من نسل رسول الله "صلى الله عليه وآله" كي لايناله الموت، بل يُدَّخَرُ بقيّة لله في أرضه حيًّا مغيَّبًا بأمرهِ سبحانه إلى يومٍ يبلغ السيل الزبى من الظلم والجور ثم يُحيِ به الأرض بعد موتها بعد أنواع من الفتن والبلاء وغربلة ثم بعد ذلك يعود دين الله على يديهِ غضًّا جديدا "ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله"
لنعلمَ انّ الحياة لا تدوم لأحدٍ ولا يبقى الحال كما هو طوال الحياة، ومن هذا المنطلق، منحَ الله المؤمنين الشكر في حالة السراء والصبر في حالة الضراء، وأوعدَهم بثمار الصبر الظفر ولاريب أنها طَيّبة لايَستلذّ بها إلّا مَن امتحن الله قلبه للإيمان دون أن يبدي اعتراضًا ولاتذمّرًا وذلك هو الفوز العظيم.
٥-شعبان١٤٤٤هج
٢٦-شباط٢٠٢٣م
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha