الشيخ محمد الربيعي ||
كان الإمام زين العابدين (سلام الله عليه) أوّل من كتب وتحدَّث عن حقوق الإنسان، سواء مع نفسه، ومع ربِّه، ومع كلِّ الناس من حوله، بحيث إنّ رسالة الحقوق الّتي أملاها الإمام أو كتبها، هي الرّسالة التي تجمع كلّ ما شرَّعه الإسلام وخطّط له من الحقوق التي يتحسّسها الإنسان في كلّ انتماءاته وارتباطاته وعلاقاته وواقعه، قبل أن تكون هناك وثيقة لحقوق الإنسان، وهي التي أكّدت أنّ لنفسك عليك حقّاً، ولربّك عليك حقّاً، ولأهلك عليك حقّاً، ولمجتمعك عليك حقّاً، وللناس من غير أهل ملّتك حقّاً، وللمعلّم حقّاً، وللمتعلّم حقّاً، بما ينبغي للمسلمين أن يملكوا ثقافة هذه الرّسالة.
ومن المؤسف أنّ تراث أهل البيت (ع) لم يدخل حتى الآن في الثّقافة الجامعيّة، مع أنّ هذا التّراث يمثِّل أكثر ما جاءت به الإنسانيَّة من تراث إنسانيّ.
عندما ندرس الإمام زين العابدين (ع) في أدعيته، سواء في الصحيفة السجادية، أو في غيرها مما روي عنه، نجد أنّه (ع) جعل الدّعاء عنصر ثقافة، يتحدّث في داخله وهو بين يدي الله عن كلّ جوانب العقيدة. فأنت عندما تقرأ دعاءه بين يدي الله، فإنّك تقرأ كلّ عناصر التَّوحيد.. وهكذا، عندما تقرأ دعاءه عندما يذكر الملائكة، فإنَّه يصبح عندك ثقافة عن كلّ عالم الملائكة وليس مجرّد دعاء... وهكذا، عندما يدعو لوالديه ولجيرانه ولأهل الثّغور وللمرضى...
ومن هنا، كانت أدعية الإمام زين العابدين (ع) أدعية ثقافيّة، بحيث لا ينفتح فيها الإنسان على مجرّد ابتهالات روحيّة بين يدي الله، بل يأخذ المفاهيم الإسلاميّة في كلّ جوانب حياة الإنسان.
ومن المؤسف أنَّ هذه الأدعية الثّقافية الإنسانيّة الاجتماعيّة الإسلاميّة، لم تأخذ امتدادها الفكريّ في عقول النّاس، حتى الذين يتبعون الأئمّة من أهل البيت (ع) بشكل عام، ولم تدخل أيضاً في الثّقافة الجامعيّة، أو في المواقع الثقافية التي تتحدّث عن الجانب الروحي في الإسلام، مع أنّ هذه الأدعية هي الأدعية التي يمتزج فيها الجانب الرّوحي بالجانب الاجتماعي، وربما الجانب السياسي، وحتى بعض الجوانب التي تتّصل بالسلوك الاقتصادي للانسان
وهكذا، نجد أنَّ الإمام زين العابدين (سلام الله عليه) كان العابد الذي استحقّ لقب زين العابدين، من خلال إلحاحه على العبادة بين يدي الله، حتّى سمِّي السجّاد وذا الثّفنات، لأنّه كان في كلّ سنة، ولكثرة سجوده، تسقط من جبهته أو ركبتيه ثفنات... هذه العبادة الرائعة والعظيمة التي عاش معها محبّته لله وإخلاصه له حتى لم يجد أمام الله أحداً. ويمكنكم أن تقرأوا في الصحيفة السجادية هذا الدّعاء: "اللَّهُمَّ إنِّي أَخْلَصْتُ بِانْقِطَاعِي إلَيْكَ، وَأَقْبَلْتُ بِكُلّي عَلَيْـكَ، وَصَـرَفْتُ وَجْهِي عَمَّنْ يَحْتَاجُ إلَى رِفْدِكَ، وَقَلَبْتُ مَسْأَلَتِي عَمَّنْ لَمْ يستغنِ عن فضلِك، ورأيت أنَّ طلب المحتاج إلى المحتاج سفه من رأيه، وضلّة من عقله. فكم قد رأيت - يا إلهي - من أناس طلبوا العزّ بغيرك فذلّوا، وراموا الثّروة من سواك فافتقروا، وحاولوا الارتفاع فاتّضعوا، فصحّ بمعاينة أمثالهم حازم وفّقه اعتباره، وأرشده إلى طريق صوابه اختياره. فأنت، يا مولاي، دون كلّ مسؤول موضع مسألتي، ودون كلّ مطلوب إليه وليَّ حاجتي.
فيقولون: إلى الجنّة. قالوا: قبل الحساب؟! قالوا: نعم. قالوا: ومن أنتم؟ قالوا: أهل الفضل. قالوا: وما كان فضلكم؟ قالوا: كنّا إذا جُهِل علينا حلمنا، وإذا ظُلِمنا صبرنا، وإذا أسيء إلينا غفرنا. قالوا: ادخلوا الجنّة فنعم أجر العاملين.
ثم ينادي منادٍ: ليقم أهل الصّبر، فيقوم ناس من الناس، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة بغير حساب، فتتلقّاهم الملائكة، فيقال لهم مثل ذلك، فيقولون: نحن أهل الصّبر، قالوا: ما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا أنفسنا على طاعة الله، وصبرناها عن معصية الله عزّ وجلّ، قالوا: ادخلوا الجنّة، فنعم أجر العاملين.
وختام المسألة في دعاء المؤمن للمؤمن بظهر الغيب. يقول الإمام زين العابدين (سلام الله عليه): "إنّالملائكة إذا سمعوا المؤمن يدعو لأخيه المؤمن بظهر الغيب، أو يذكره بخير، قالوا: نعم الأخ أنت لأخيك، تدعو له بالخير وهو غائب عنك، وتذكره بخير، قد أعطاك الله عزّ وجلّ مثلَي ما سألت له، وأثنى عليك مثلَي ما أثنيت عليه، ولك الفضل عليه. وإذا سمعوه يذكر أخاه بسوء ويدعو عليه، قالوا له: بئس الأخ أنت لأخيك، كفّ أيّها المستر على ذنوبه وعورته، واربع على نفسك، واحمد الله الذي ستر عليك، واعلم أنَّ الله عزّ وجلّ أعلم بعبده منك".
هذه هي تعاليم الإمام زين العابدين (ع)، وهذا هو منهجه. وعلى ضوء هذا، فإن اتّباعنا لأهل البيت (ع)، هو الأخذ بكلّ هذه التعاليم، والسّير على كلّ هذا النّهج، وقد ورد عن الإمام زين العابدين أنّه قال: "أحبّونا حبّ الإسلام".
أن تكون العلاقة بيننا وبين أهل البيت (ع) علاقة إسلاميّة، من خلال ما يمثّلونه من الخطّ الإسلاميّ الأصيل، وليس علاقة شخصيّة.
نسأل الله أن يجعلنا من الذين يوالونهم في الفكر وفي العمل، وأن يرزقنا شفاعتهم في الآخرة، إنَّه أرحم الراحمين.
اللهم احفظ الاسلام و اهله
اللهم احفظ العراق و شعبه
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha