المقالات

وقفة مع دعاء الرسول(صلی الله عليه وآله):اللهم، متعني بسمعي وبصري واجعلهما الوارث مني

1403 2023-03-05

د.أمل الأسدي ||

 

وددت أن أدعوكم إلی سياحةٍ روحية نبوية، لكنها ليست سياحة عامة؛ وإنما سياحة مرتبطة بالواقع الذي نعيشه، والأمراض التي يعاني منها الكثير من الناس؛ لذا سأنطلق من الواقع كمقدمات تؤدي إلی ضرورة العودة  إلی الحديث الشريف ودعاء الرسول الأعظم وأهل بيته(صلوات الله عليهم)، إذ لم نكن ـ سابقاـ نسمع  بالزهايمر وضمور خلايا الدماغ كثيرا ؛ لأن هذا المرض وغيره من الأمراض المشابهة، كانت حالات  ولم تكن ظواهر منتشرة، ولكننا الآن نسمع ونری  معاناة كبار السن، بل وحتی الشباب ولاسيما بعد جائحة كورونا!!  إذ يفقدون ذاكرتهم ويعودون إلی الماضي، وينسون كل الأفعال التي تمكنهم من العيش والحياة الفاعلة بما في  ذلك المشي والأكل والشرب!!

فيصبح الإنسان ثقيلا، محمولا علی أكتاف الآخرين، محتاجا إلی رعاية خاصة وتكاليف علاجية باهظة!!

ويبدو أن هناك علاقة طردية بين هذه الأمراض والوحدة والعزلة والتفكك الأسري وانشغال الناس بوسائل التواصل الاجتماعي، فكلما ازدادت وحدة الإنسان ولاسيما الوالدان، ازداد خطر تعرضهم لهذه الأمراض، وكلما تفككت الأسرة وابتعد الأبناء والأحفاد عن البيت الكبير وعن أجدادهم، ازداد خطر الإصابة بهذه الأمراض، وعلی هذا فإن مجتمعنا الآن يسير نحو التفكك وعزلة الأفراد بشكل مخيف، فوسائل التواصل الافتراضية غير المقننة تسرق جُلَّ الوقت، وتعزل الأبناء عن أهليهم، والمناهج التربوية التي تغيرت وأصبحت حملا ثقيلا ؛ باتت تعزل الأبناء عن أسرهم وتبعدهم عن العلاقات الأسرية والتواصل مع  الأجداد والأقارب، ثم انتشار التيارات الفكرية المنحرفة التي تسير  بالمجتمع نحو المادية الجامدة  كالإلحاد والعدمية وغيرها، كل ذلك أدی إلی جفافٍ روحي، وجمودٍ في العواطف، وعزلة قاتلة، وصار معظم  الناس ـ الآن ـ في دائرة الخطر، خطر الإصابة بهذه الأمراض، فتخيل أنك لا تتذكر ابنك ولا تتذكر اسمك ولاتتذكر منزلك، ولاتتذكر كيف تمشي وتتحرك، وتتحول إلی حجر ثقيل ملقی علی الأرض!!

وبناءً علی ذلك، عدت إلی  المنابع الجارية، منابع الروح والرحمة، عدت إلی رسول الله وأهل بيته وأحاديثهم ودعواتهم؛ لأقف عند رؤية الرسول أو تناوله لموضوع التحكم بالحواس وقدرة الإنسان علی ذلك، فوجدت أحاديث مدهشةً وعميقةً من ذلك قول الرسول(صلی الله عليه وآله):((اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِسَمْعِي، وَبَصَرِي، وَاجْعَلْهُمَا الْوَارِثَ مِنِّي، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ يَظْلِمُنِي، وَخُذْ مِنْهُ بِثَأْرِي))(١)

فنلاحظ دعاء الرسول وسؤاله الله بدوام التمتع بالسمع والبصر، ونلاحظ عبارة" واجعلهما الوارث مني"  فهي عبارة مدهشة، واستعارة فريدة، فالرسول يريد أن يحل  سمعه وبصره محل الوارث، وينزلا منزل الوارث لجميع قواه، يريد لهما البقاء علی قيد الحياة حتی  مجيء الموت الحتمي!!  وهذا عينه مانحتاجه لمواجهة الأمراض التي  باتت تنتشر بشكل مخيف كما بيّنا في المقدمة!!

وقد ورد عنه أيضا (صلی الله عليه وآله)  أنه كان يردد هذا الدعاء دوما: ((اللَّهُمَّ، اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ مَعَاصِيكَ ، وَ مِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ ، وَ مِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا ، وَ مَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَ أَبْصَارِنَا وَ قُوَانَا مَا أَحْيَيْتَنَا ، وَ اجْعَلْهُ الْوَارِثَ منّا..))(٢) وهنا أيضا يدعو الرسول بالحياة المقترنة بالطاعة والخشية والثبات، حياة العافية والتمتع بالقوة  والتحكم بالسمع والبصر حتی الموت وتحول الإنسان ليكون موروثا، ويكون الوارث  منه هو  فاعلية  السمع والبصر  والتمتع بهما!!

أيها المسلمون، عليكم العودة إلی حديث الرسول، العودة إلی قلبه الرؤوف المشفق، يجب أن تحفظوا هذا الدعاء، ويجب أن يردده الكبار والصغار، ويجب أن يُكتب ويعلق في كل منزل، كي يكون أمامنا دوما، فلا يوجد ألذ من التمتع بالسمع والبصر، فهما  الإدراك، وهما الدليل علی العافية، تلك العافية التي من دونها يفقد الإنسان قيمته ومكانته وهيبته!!

ومثل دعاء الرسول(صلی الله عليه وآله) ما ورد  عن الإمام الحسين(ع) في دعاء "عرفة" :((اللَّهُمَّ اجْعَلْ غِنَايَ فِي نَفْسِي ، وَ الْيَقِينَ فِي قَلْبِي ، وَ الْإِخْلَاصَ فِي عَمَلِي ، وَ النُّورَ فِي بَصَرِي ، وَ الْبَصِيرَةَ فِي دِينِي ، وَ مَتِّعْنِي بِجَوَارِحِي ، وَ اجْعَلْ سَمْعِي وَ بَصَرِي الْوَارِثَيْنِ مِنِّي ...))(٣) والجوارح هي  الأعضاء الكاسبة، الفاعلة في جسد الإنسان، وهي سبعة: العين والأذن والفم واللسان واليد والرجل والفرج(٤).

فالإمام (ع) يسأل الله من بعد الطاعة واليقين والإخلاص في  العبادة والثبات، يسأله التمتع بالجوارح، أي أنه يطلب فاعليتها التي تشكل مجتمعةً عافية الإنسان التامة المبنية علی سلامة القلب وخلوص النية، ثم يخص السمع والبصر بالبقاء والوراثة لسائر القوی والجوارح، وهذا يتناسب مع حال الموت وتوقف أعضاء الجسد مع بقاء بابي الإدراك والوعي(السمع والبصر).

ومن ذلك أيضا ما كان يدعو به الإمام الصادق(ع):

(( اللهم، اجعلني أخشاك كأني أراك، وأسعدني بتقواك، ولا تشقني، بنشطي لمعاصيك، وخر لي في قضائك. وبارك لي في قدرك؛ حتى لا أحب تأخير ما عجلت ولا تعجيل ما أخرت، واجعل غناي في نفسي، ومَتِّعْنِي بِسَمْعِي وَ بَصَرِي وَ اجْعَلْهُمَا الْوَارِثَيْنِ... ))(٥)

  وبعد ذلك يا أحبة،  علينا أن نعود إلی منابع الرحمة الخالدة(محمد وآل محمد) ونعتاد علی سبلهم ودعواتهم، ونردد كلماتهم، فهي تخرج بقصدية وهدف معين، فرسائلهم ليست كرسائل عامة البشر، فالرسول الأعظم (صلی الله عليه وآله):((وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ۞

إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ))(٦).

 

ــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك