منهل عبد الأمير المرشدي ||
إصبع على الجرح
ليس هناك حديث اوسع او اكبر او أكثر شمولية وإحاطة من حديث المرء مع نفسه حين يحتدم صراع الذات في ثنايا الوجدان ما بين المحظور والمرفوض والمكروه في مقاسات التصادم مع ما نحيا ونعيش مأسورين شئنا أم ابينا بين المفاهيم الراسخة والقناعات المتجذرة والرؤى الموروثة .
كم هي حالات من الأسى والألم تنتاب من يعاني من لوعة الغربة ولظى الإشتياق الى وطن حيث يعود له من ديار الغربة فيلوذ بين جدران بيته العامر الموجود لكنه لا يجد الوطن !! فلم يعد الوطن ذاك الوطن الذي ولدنا فيه وترعرعنا ودرسنا وكنّا وكانت ملفات الذكريات وخزائن الأسرار ملاذ الروح وطمأنينة النفس وترانيم ألأمس وأحلام الغد . نعم حيث يكون بإمكانك أن تشتري منزلا ولكن لا تستطيع ان تشتري وطن .
حتى الطعام فبإمكانك ان تشتري ما تشاء من الطعام ولكن لا يمكنك أن تشتري الشهية والرغبة لتتناول الطعام وتأكل . ليس كل شيء يشترى .
فهل يدرك الكل ذلك ؟ بإمكانك ان تشتري طبيبا او بطاقة علاج او موعد الدخول الى افضل طبيب ولكن ليس بإمكانك ان تشتري الصحة والعافية.
نعم فدخولك على الطبيب مضمون ما دمت تمتلك المال لكن شفاؤك وعافيتك ليس بالأمر المضمون قد تكون اضغاث سراب فكم من ميسور وغني مات سقيما بعد إن عجز الأطباء عن علاجه ومداواته .
بإمكانك ان تشتري ضمانة التامين ولكن ليس الأمان فضمانة التأمين بالدينار او الدولار لكن الأمان بأسبابه ومسبباته مرهونة في طبيعة البيئة والمجتمع ومزاج السلطان واشياء بلا عنوان . هي ليست بالمشكلة الطارئة او الحالة العابرة انما هي الحقيقة التي يجهلها البعض فيما يتجاهلها البعض الآخر .
بإمكانك ان تشتري الساعة فتضعها في معصمك او تعلقها على الجدار لتعرف الوقت لكنك لا تستطيع أن تملك الوقت او تشتريه وكما قيل عند ذوي العقل والبصيرة فإن الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك وقد غدت أوصال قومي مقطعّة أشلاء متناثرة بسيف الوقت من دون أمل قريب بصحوة عقل او رجاء بتزكية نفس او نهوض بأس او عزيمة .
بإمكانك ان تشتري افضل سرير للنوم لكنك لا تستطيع أن تشتري ساعة نوم هانئ بعمق وهدوء من دون ان تحظى براحة البال وطمأنينة النفس ورضى الضمير .
ليس كل شيء يشترى بالمال كما هي الكرامة والكبرياء والشرف والناموس والنقاء والضمير . انها كينونة الذات ومصداق الحقيقة وحيثيات الوجود بدواعي الحياة . لمن لا يعرف مديات الروح وميزان قداستها وما بعد الغد فيما نعلم وندري ويعلم الجميع اننا لا نملك من اليوم سوى ما عشناه وليس لنا ما يضمن إن كنّا سنكمله أم لا .
ليس اوهام او أضغات سراب في متاهات اللغة بين فنطزة المفردات المجتزأة من قواميس المعاني لكنها ترانيم صدى الحقيقة الساطعة بوجه من يأباها او لا يريد ان يراها بين هواجس الذات التي ترسم حروفنا من دون قصد كما تشاء وتكتب ومن غير ان تمنحنا فرصة التأني للإختيار او المراجعة عسى ان يقرأها من يجيد قراءة الجمل الكاملة فيفهم المعنى والدلالة والسلام .
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha