سعد صاحب الوائلي ||
أول دعائي في صباحي (الربيعي!): " اللهم جنبنا البلوى.. اللهم إدفع عن المكاره.. لاسيما مكاره الشوارع ".
وبالطبع.. هذه أكبر طموحاتي وآمالي حين أتولى القيادة في سيارتي المفعمة بـ(الطخات والخسفات من آخرين)، وهو أن لا يوقفني شرطي المرور ويسألني بشزرٍ ملحوظٍ ، ونظرةِ إستعلاءٍ مُسبقةٍ ، وحركاتِ جسدٍ مُستفزةٍ ، وهو ما حدث:
= الإجازة والسنوية!.
ــ أني لابس إحزام (سيدي!).
= أدري لابس احزام، الاجازة والسنوية!.
ـ أي نعم (سيدي!) ، اتفضل.
= هاي شنو، الاجازة ساقطة ، والسنوية هماتين ساقطة من زمان.
- والله (سيدي)، اني اسف جداً.. أني موظف، وامشي بهدوء، وناسيهن ما اطلعهن ابداً، لانه اني اكثر واحد ملتزم بالسياقة، والبس الحزام الأمان گبل ما اسوي (نگره سلف)، وهماتين اني رجال اجبير، من الدائرة للبيت ما اطلع ، والكورونا أثرت عليه وگمت آنسه، ما منتبه إلهن (سيدي).. وهسه راح اجددهن.
= (بصوتٍ عالٍ وزاجر): انت راح تحچيلي قصة حياتك!.. شنو إتجددهن، شنو كورونا... اطبگ ليغاد.. أطبگ.. حجز ست ایام.
وهنا تبدأ مرحلة (التواسيل) و(الاستعطاف)، والشرطي بدأ يُظهر(أعلى) مراحل الاستعلاء ، و(أكبر!) مظاهر التكبر والشنف والصلف، وتسفر المفاوضات أخيراً:
= هاي لانه انت رجال الجبير ولخاطر (شيباتك) راح أگصلك وصل بخمسين ، وهسه اتروح تدفعهن، (تفضَضضل!).. قالها بنزعة آمرة، وإستصغار ملحوظ (ماداً ذراعه بحركة استصغار كي أنصرف).
- شكراً (سيدي!) ، قلتها قبل الانصراف، وأنا بحالة إستخذاءٍ ملحوظٍ يفرم القلب.
ابتعدت بالعجلة، واحدث نفسي.. هكذا يبدأ يومُ (المبدعين) و(الاكاديميين) في أزقة وميادين العاصمة ، في أحيان ليست بالقليلة.
وعلى حين غرة.. وما هي إلا بضعة أمتار، حتى يُسَابِقـُـكَ صبيٌ متهورٌ بعجلة الـ(تكتك)، ليظهر امامك بلمحة بصر وصوت أغاني مسجلة الصوت تصدحُ بانغام مُستفزّة: (طيط.. طيط.. طيط). بضعة امتار ويفرملُ الصبي واقفاً فجأةً وبإصرار لحمل احد الركاب.. ووسط حالةٍ من الذهول وبقايا حالةِ الاذلال والانحطاط التي وضعني فيها شرطي المرور، تأخرت عن دواسة المكابح لثانية ، لترتطم مقدمة سيارتي بمؤخرة (تكتك) الصبي وسط ردح (طيط .. طيك)..
=- سائق التكسي المجاور: ياللاه أبو الشباب.. ما كو شي.. سلامات.. طخه بسيطة.
= صبي التكتك (متوجهاً نحوي): اشبيك حجي، أعمَهَ.. متشوف، ومناظرك جعب بطل چماله..
ــ أبني انته اللي هجمت گدامي بلمح البصر، و ما لحگت ادوس على السطاب، يعني فوكاهه هاي.
= اذا شايب وترعش ومتگدر اتسوق.. ليش تنزل بالشارع.. اگعد ابيتكم. حجي زوع 50 مال تصليح هسه..لا اتصير موزينه!.
ــ ابني شنو (شايب ترعش)!.. شنو (زوع)!.. احترم نفسك.
= شوف تره لوما شيباتك هاي المتطايره.. جان هسه دستك دوس بالشارع، واشوف منو يطلعلك..
ـ بابا .. الزم حدودك.. واحترم الناس.. الشارع مو فالتوه وبس الك.
= شنو (احترم نفسك!).. شنو (إحترم الناس!).. شنو اني (مو محترم) (ابن شوارع) يعني!.. شاهدين يا ناس.. شاهدين يا خَلق إتجاوز عليه هذا أبو شيبات.. شوف خالي .. تره انت مصختهه.. انت تعرف اني منو ، إبن منو ؟.. بس الظاهر انت متفيد وياك.. إسمع أگلك من الأخر.. إتحضر عمامك.. واذا ما (تجووون) تاخذون (عطوه).. اني أشوفَكَ أني منو ، وابن منو..
ومع اشتداد الازدحام على واقعة (التكتك) وصبيهِ المستهتر والمتهور.. وتوسط شهود في الجوار، وتدخل شرطي المرور، ينصرفُ صبيُّ(التكتك) بعد ان (زعت) 25 الف دينار، و(أني الممنون).
ـ : " يا ربي، شارع طسات، ومايات ، ونفايات، و(مجاديه)، وماسحي الزجاج (يدقون) زجاج السيارة ان لم تناولهم (ربع او خمسمئة دينار) لمسحهم زجاجتك الامامية بالاجبار، وهم يدعون عليك صباحاً وظهراً إن لم تدفع.. حالة اشمئزازٍ كُبرى تُحِيقُ بتفكيري. تذكّرتُ مديرَ الدائرة : " أريد ، إبتكارات!، وإبداعات!، مبادرات!، إقتراحات!، تطبيق التنمية المستدامة للقضية الفلانية، تجويد الأداء للمسألة العلانية).
أنتبه لنفسي وأنا أردد مع نفسي : أيّة ابداعات!، وأيّة اقتراحات بناءة!! ، مع أجواء تُعربدُ في ذهن المبدعِ العراقي، وهو يجوبُ شوارع العاصمة بمثل هذه النفسية والروحية المهزوة!، لربما أكثر الايام، والأجواء من حولك مَزكُومَة، ومتشنجة، متحفزة، مثيرة للقلق، محبطة للإذهان، تمنع الإبداع والإتقان، تُلبِسُك - في أحيانٍ ليست بالقليلة - بلباس الهلع ورداء الفزع، لتجد نفسك في أحيان، علاوةً على (تضييق حِزام الأمان)، والإختناق من التلوث، مختنقاً ومصدوعاً من إيقاعاتٍ شتى تقرعُ أسماعك بمكبرات الصوت، وأنت خَلفَ مقودك، يَلُفــُّـكَ ضَجَرَ انتظار الزحامات المتتالية المتطاولة، مُهتَزَّاً صفيحُ سيارتكَ ، ويرتَجُّ تحت إيقاعٍ مدوٍ يَعلو في الارجاء : (طيط.. طيط.. طيط..)..
صباحكم مُدَوٍّ.
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha