قاسم سلمان العبودي ||
في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم الى مانهاتن حيث يحاكم الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب، يعلق البيت الأبيض متمثلا برئيسه الحالي جو بايدن بكلمات مقتضبة جدا مفادها : أن محاكمة ترامب ليس أولوية لجوبايدن !! حيث وجهت المحكمة الفدرالية 34 تهمة نسبت للرئيس السابق منها أخلاقية وأخرى اقتصادية. فما حقيقة ما يجري هناك؟
من زاوية التحليل السياسي نقول، أن ما يجري في مانهاتن هو تصفية حساب سياسي بامتياز. حيث أن جهاز المخابرات الأمريكي ألزم القضاة بعد البوح بالحقيقة أمام الرأي العام الأمريكي حتى لا تتأكد التهم الحقيقة وأعطاء روسيا أفضلية مخابراتية . بالعودة الى عام 2017 وهو عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي فاز فيها دونالد ترامب بالرئاسة، رافق ذلك الفوز لغط كبير بأن هناك دعم شرقي أوصل ترامب الى رئاسة الولايات المتحدة وتحديدا من موسكو، الغريم التقليدي لواشنطن. وقد أُتهم جهاز المخابرات الروسي بالوقوف خلف فوز ترامب، وقد تأكد لديهم الدليل على ذلك لكنهم لم يصرحوا علانية لأسباب تتعلق بالأمن القومي الأمريكي. فلماذا تدعم روسيا فوز رئيس لأمريكا؟
قامت المخابرات الروسية بدراسات عميقة لشخص ترامب وتبين لها ان الرجل ليس لديه مهارات قيادية، وماهوا سوى تاجر عقارات وأبنية ليس ألا. لذلك توسمت فيه القدرة على تقهقر الولايات المتحدة وفقدانها قيادة العالم لعدم تمكنه من أدارة السياسة الخارجية للولايات المتحدة أدارة جيدة، بالرغم من وجود المعارضين الديمقراطيين في أروقة الكونغرس الأمريكي. لذلك دعمت روسيا وصول ترامب الى الرئاسة كي تضمحل الهيمنة الأمريكية بواسطة هذا العجوز الغُر في السياسة الأمريكية، وفعلا أوصل الولايات المتحدة الى مطبات كثيرة أبان حكمه الذي دام أربع سنين. لذلك ذهب بعض المحللين السياسيين الى أن دعم الغرب وأمريكا لحكومة فولوديمير زيلينسكي الأوكراني بحربه مع روسيا جاءت من هذه الجزئية المحتملة. المشهور عن الرجل ميله الكبير الى الجناح المتطرف الإسرائيلي متمثلا بنتنياهو زعيم حزب الليكود، الذي يتمنى الحرب مع الجمهورية الاسلامية الإيرانية للقضاء على برنامجها النووي وقد رغب ترامب بالتورط في هذه الحرب ودعم نتنياهو كثيرا في مسعاه ألا أن بعض المستشارين المتنفذين وبعض قيادات الجيش الأمريكي لم تنصح بذلك. ونتذكر جيدا عند وصوله الى الرئاسة أول ما قام به هو الانسحاب المدوي من الاتفاق النووي بين الغرب وأيران، أكراما لليهود المتطرفين الذين أغدقوا عليه الأموال في فترة الترويج الانتخابي، الى جنب روسيا الداعم الكبير.
لذلك اليوم علت كثير من الأصوات ومن داخل الحزب الجمهوري بأن ما يحدث مع ترامب هو محكمة سياسية وليس جنائية بالمعنى الدقيق. هناك تعاطف كبير من تل أبيب مع شخص ترامب باعتباره كان أحد الداعمين للهوس الصهيوني في محاولاته بأشعال فتيل بعض الأزمات وخصوصا تلك التي لازالت تجري على الساحة السورية ومنطقة الشرق الأوسط. نتذكر جيدا تلك العملية الغادرة التي قام بها ترامب بقتل الشهيدين الكبيرين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في بغداد والتي كانت عبارة عن هدية كبيرة من ترامب الى حكومة تل أبيب التي طالما حلمت بقتل هذين الشهيدين لما لهم من دور كبير بتعطيل كثير من المخططات الصهيونية لاستهداف دول الممانعة ومحاولة تسويق منطق التطبيع الذي ترفضه شعوب تلك البلدان.
كثير من التسريبات المخابراتية تشير الى أن ترامب ربما قد فاز في الانتخابات الأخير بفارق ضئيل عن منافسه جو بايدن، ألا أنه كانت هناك رؤيا أمريكية استشرفت بأن وصول ترامب مره أخرى للبيت الأبيض معناه تحطيم كبير للولايات المتحدة، لذلك عمدت الى تزوير بعض المحطات الانتخابية لرفع أصوات جو بايدن قبال دونالد ترامب الذي أقتحم مناصروه بعض المقار الحكومية رفضا (لتزوير) الانتخابات الأمريكية. الآن جاء يوم الحساب، وجاءت معه الانقسامات في واشنطن بين مؤيد ورافض. توقيت المحاكمة بهذه الفترة تحديدا جاء لتسقيط ترامب نهائيا كونه عازم على خوض الانتخابات مره أخرى في قادم الأيام أولا. وثانيا بعث رسالة واضحة للقادة الصهاينة وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو حتى لا يسبق الأحداث ويوجه ضربة عسكرية لأيران والتي من الممكن أن تقوض جهود الولايات المتحدة بالهيمنة المطلقة على غرب آسيا، كون البنتاغون وجه بعدم (التحرش) بأيران في هذه المرحلة كون الأخيرة تمتلك إستراتيجية ردع ، وقوة عسكرية قادرة على أشغال الولايات المتحدة عن مخططاتها الإستراتيجية لسنوات طويلة. لذلك نقول إن يوم الحساب الأمريكي قد بدأ ولا أحد يمكنه التكهن بما سيحصل كون المحكمة ليست جزائية بل سياسية واضحة .
الواح طينية، إستراتيجية الردع ، قاسم سلمان العبودي
ــــــ
https://telegram.me/buratha