حمزة مصطفى ||
النغمة التي كانت "نشازا" في المعزوفة السودانية منذ الإنقلاب على البشير (الجنرال عمر) عام 2019 تتجسد في رجلين, الأول جنرال إسمه عبد الرحمن سوار الذهب والثاني أكاديمي وأسمه الدكتور عبد الله حمدوك. الأول حاول إنقاذ ماتبقى من الدولة والثاني أراد بنائها بعد خراب ... أم درمان. كلاهما فشلا لأن بارود السلطة يطغى على صوت العقل والحكمة ومحاولات التأسيس. ولأن السودان أدمن على ضياع "صول جعابه" شأنه في ذلك شأن دول كثيرة عربية ونامية فإن الإصطدام بين نجوم الجنرالات على الأكتاف ونياشينهم على الصدور التي إستحصولها في سلسلة حروب خاسرة أدت واحدة منها فقط الى إنفصال الدولة الى دولتين .. السودان الدولة وجنوبه الذي تسودن كدولة فاشلة هي الأخرى كانت أبرز فعالية وضعتها على خريطة التندر العالمي هي رؤية رئيسها .. يبول وافقا.
الإنقلاب الذي قاده الفريق أول الركن عبد الفتاح البرهان بمساعدة الفريق أول الركن محمد حمدان دقلو (حميدتي) عام 2019 كان ضد الفريق أول الركن عمر البشير الذي قاد إنقلابا ضد الفريق أول الركن جعفر نميري الذي تفرقن وتاول وتتركن أثناء السلطة التي قطفها من الحكم المدني آواخر ستينات القرن الماضي وهو برتبة ملازم أول مثل زميله الليبي وعدوه اللاحق معمر القذافي الملازم الأول هو الآخر. الفارق بين النميري والقذافي أن الأخير إكتفى برتبة العقيد كأعلى رتبة في الجيش الليبي وهو قرار إتخذه مجلس قيادة الثورة قبل أن يتفرقوا أيدي سبأ, بينما بقيت شهية النميري للرتب العسكرية مفتوحة حتى أوقفها الجنرال الحقيقي عبد الرحمن سوار الذهب الذي تسلم السلطة بدون دماء عام 1985 وسلمها الى المدنيين (الصادق المهدي) بعد سنة ليقطفها منه البشير ونسيب المهدي الدكتور حسن الترابي عام 1989.
بالعودة الى الثنائي سوار الذهب وحمدوك مقارنة بالثنائي البرهان وحميدتي ليس بوسع المرء أن يعرف من اين يمكن أن يقارن. فمن جهة ليس كل العسكر غير قادرين على المحافظة على السلم الأهلي والمجتمعي حين يضطرون للتغيير بسبب الطغيان والفساد, كما إنه ليس كل المدنيين يمكن أن يكونوا بناة دولة. لكن في حالتي الجنرال الحقيقي سوار الذهب والمدني الحقيقي عبد الله حمدوك الأمر يختلف تماما. عراقيا لا أستطيع مقارنة سوارالذهب السوداني بأي جنرال عراقي ممن أدمنوا الإنقلابات منذ الجنرال بكر صدقي عام 1936 الى سلسلة الإنقلابات مابعد نهاية الخمسينات الى نهاية الستينات لأنه لم تتوفر عراقيا نسخة من سوار الذهب السوداني لكن مدنيا أستطيع أن أقارن بنموذج عراقي واحد هو الدكتور عبد الرحمن البزاز نظير السوداني الدكتور عبد الله حمدوك. البزاز الذي تولى رئاسة الحكومة العراقية منتصف ستينات القرن الماضي لم يمنحه العسكر الفرصة لكي يبني دولة, وكاد أن يصبح رئيسا للجمهورية عام 1966 بعد وفاة عبد السلام عارف الجنرال هو الآخر بحادث طائرة لكن هيمنة العسكر على القرار السياسي أجبرته على التنحي لصالح الفريق عبد الرحمن عارف أخو المشير عبد السلام عارف.
فقد العراق فرصة البزاز وفقد السودان فرصة حمدوك الذي ظهر مؤخرا مناديا العقلاء من الجنرالات في حال بقي بينهم عقلاء الى حقن الدماء. فالحرب الدائرة بين جناحين من جيش واحد أمر ليس غريب فقط بل معيب وغريب. لكن يبدو أن النجوم التي على الأكتاف والنياشين التي على الصدور تجبر حاملها على إدمان إختراع السلطة من داخل نفس السلطة لأنه لا يستطيع العيش دون سلطة الوهم فيعيش وهم السلطة حتى لو كان الثمن قتل الناس الأبرياء. والإ كيف يمكن تصور حرب يذهب ضحيتها أبرياء لأن كل من الجنرالين الفريقين الاولين الركنين يريد أن يكون هو الرقم واحد بينما بلادهما التي يتقاتلان لإنتزاع لقب تسيدها خرجت من معادلة كل الأرقام من زمان.. صح يازول؟
ــــــــ
https://telegram.me/buratha