رياض سعد
(6)
الشيخ عبد الله السويدي
ينتمي الشيخ عبد الله ن حسين بن مرعي بن ناصر الدين السويدي الى الزمرة العثمانية في بغداد , ومن خلال ما كتبه الشيخ عبدالله بيده وما خطه يراعه وما سطره المؤرخون عنه ؛ نعرف انه كان من المقربين الى احمد باشا ومن حاشيته كما ذهب الى ذلك الوردي في كتابه لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث – ( ج 1/ ص 133) - و قد ولد في بغداد عام 1692 م وتوفي عام 1761 م , وكان الوالي احمد باشا يرعاه ويتعهده , وقد شارك عبد الله السويدي في القتال مع العثمانيين كباقي المرتزقة ضد الملك نادر شاه الذي اراد فتح بغداد وتخليص اهلها من براثن الاحتلال التركي الطائفي الجائر, و في سنة 1746 م أهدى والي بغداد احمد باشا لعبد الله السويدي فرساً ، فتعاون ولداه عبد الرحمن ومحمد سعيد على نظم قصيدة في شكره ومدحه ؛ وقد تولى عبد الله السويدي انشاء الرسائل التي بعث بها احمد باشا الى خصمه نادر شاه وربما كان له دور في صياغة افكارها ايضاً ، وكافأ احمد باشا الشيخ عبد الله بتعينه مفتياً في قصبتي النجف وكربلاء ، وخصص له راتباً سنوياً من مزروعات كربلاء - يكره اسم كربلاء ويبغض اهلها كأبناء جلدته الغرباء و مع ذلك يأكل من خيراتها وينهب ثرواتها ؛ ستتكرر هذه الحالة الشاذة في تاريخ العراق الحديث !!!- ومن المعروف عن بعض رجال الدين المسلمين الالتزام بمبدأ رفض قبول الهدايا من السلاطين على أي وجه جاءت ورفض العمل معهم ، بل إن هذا كان مذهب جمهور العلماء ؛ فقد كانوا يرون ذلك كفيلاً بتحرير العالم المفتي من أيّة قيود تمنعه من صناعة الفتوى باستقلالية ، نظرا لعدم تطلعه إلى ما في يد السلطة من مالٍ أو جاه ؛ وعلى رأس هؤلاء الفقيه العراقي الشهير والمفكر القدير الإمام أبو حنيفة (ت 150هـ) الذي رفض تولي القضاء للخليفة العباسي المنصور (ت 158هـ) لأنه كان ( هاربا من مال السلطان ) ، وكان يتاجر في الحرير ليضمن لنفسه الاستقلالية العلمية في الرأي والموقف ؛ وكذلك كان الفقيه العراقي سفيان الثوري الذي كان يبيع الزيت ، مستثمرا حصته من ميراث عمّ له ... ؛ كما يخبرنا الخطيب البغدادي (ت 463هـ) في كتابه تاريخ بغداد .
ومن المعلوم ان أول من أتى بالمماليك إلى العراق هو الوالي العثماني حسن باشا والد الوالي احمد باشا ؛ فقد أراد هذا الوالي بعد أن فسد نظام الانكشارية أن يجعل لنفسه جندا مختصين به يستعين بهم ويتعصبون له فأرسل إلى بلاد القفقاس من يأتي إليه بالصبيان ؛ وكانت أسواق مدينة تفليس الجورجية آنذاك زاخرة بالصبيان المعروضين للبيع ، فأسس حسن باشا في بغداد دائرة خاصة اسمها : ( إيج دائرة سي - أي دائرة الداخل - ) ومهمتها هي الإشراف على شراء المماليك من تلك البلاد وتدريبهم ، وعندما تولى الحكم من بعده ابنه أحمد باشا أكثر من شراء اللقطاء المماليك وأعتنى بهم ودربهم على فنون القتال ، حتى أصبحوا قوة لا يستهان بها ؛ وقد تسبب مجيء وهجرة هؤلاء الغرباء واللقطاء والمأبونين الى بغداد وبعض المناطق العراقية بحدوث اضطرابات سياسية وتناشز اجتماعي وتحولات ثقافية وانحطاط اخلاقي وتغييرات ديموغرافية فيما بعد ؛ بل لا زلنا نشاهد أثارها السلبية إلى هذه اللحظة في بعض المناطق .
وقد شهد حكم احمد باشا – ( 1723- 1747 ) - لولاية بغداد صراع عثماني – ايراني ، وقد اعتمد في حكمه على المماليك اكثر من والده كما مر انفا , واوكل لهم مهمة مهاجمة العشائر العربية والكردية العراقية ، ، اذ اتبع احمد باشا سياسة شديدة مع العشائر العربية ولاسيما عشيرة شمر التي ساعدت نادر شاه الايراني اثناء هجومه على العراق ، وكذلك عشيرة قشعم وعبيد وغيرهما ؛ كما قام بمواجهة تمرد العشائر العربية العراقية الجنوبية في المنتفك والتي استمرت حركتها اربعة سنوات انتهت بمقتل الشيخ سعدون زعيم حلف المنتفك العشائري عام 1741 ؛ وكذلك قام احمد باشا بشن حملة ضد عشيرة البابانيين الكردية عام 1747.
وبما ان الاجواء بين العثمانيين والايرانيين والاغلبية العراقية كانت متوترة كالعادة , انعكس هذا الامر على الزمر العثمانية الموالية للاحتلال التركي بحجة الخلافة , والقى بظلاله على الاوضاع الاجتماعية والثقافية والدينية , وكان الشيخ عبد الله السويدي ضمن المعسكر العثماني لذلك نلاحظ ان معظم مؤلفاته مشحونة بالعبارات الطائفية والعنصرية ومليئة بالألفاظ القاسية التي تنال من العراقيين والمسلمين من اتباع ال البيت .
ومن ضمن تلك المؤلفات الطائفية كتاب : (الحجج القطعية لاتفاق الفرق الإسلامية ) او كتاب ( مؤتمر النجف ) كما يروق للبعض تسميته .
تحدث فيه عن تفاصيل مؤتمر عقد في النجف الاشرف للتقريب بين المسلمين وبرعاية الشاه الايراني نادر شاه , وانتصر فيه السويدي على خصومه كما يدعي , ولكن البعض ذهب الى ان قصة مؤتمر النجف ما هي الا اكذوبة من وحي خيال الطائفي العثماني السويدي , بينما ذهب البعض الاخر ان نسبة الحقيقة في رواية السويدي لوقائع المؤتمر تكاد تكون منعدمة او قريبة من الصفر , اذ احتوى الكتاب على الكثير من المبالغات والادعاءات ومدح الذات ورمي الخصوم بالموبقات والافتراءات وخلط الباطل بالحق والكذب بالصدق لتشويه الحقائق وقلب الوقائع رأسا على عقب .
وقد وجه سؤال حول هذا المؤتمر - والذي روى تفاصليه الشيخ السويدي فقط وانتشر خبره عن طريقه - الى المرجع الديني الشيعي العربي الشيخ محمد السند , وهذا نص السؤال والجواب :
(( السؤال : استفساري عن مناظرة حصلت بين علماء الشيعة وعلماء السنة في النجف الأشرف ويروي أنه أورد هذا الحوار علامة العراق السيد عبدالله بن الحسين السويدي العباسي ( مولود 1104 هـ : والمتوفي 1174 هـ ) في مذكراته عن مؤتمر النجف الذي انتهى بخضوع مجتهدي الشيعة لإمامة أبي بكر وعمر . وهل صحيح أنه اُعلن ذلك على منبر الكوفة في خطبة الجمعة يوم 26 | شوال | 1156 هـ وقد حضرها نادر شاه ( وهو أحد ملوك الشيعة ومعروف عنه البطش والتقتيل ) وعلماء السنة والشيعة ؟
جواب سماحة الشيخ محمد السند :
بسم الله الرحمن الرحيم
قد كثرت في الآونة الاخيرة دعاوى الوهابية وتلفيقاتهم حول الشيعة ومذهب أهل البيت (ع) وقد أصدروا كتباً تحمل اسماءً شيعية تدليساً وتمويها ولفقوا فيها من الأراجيف والجواب عن كل ذلك أن حجج وبراهين مذهب أهل البيت عليهم السلام مدوّنة في كتبهم بل ان من مصادرها كتب ومصادر أهل سنة الجماعة من الاحاديث النبوية فضلاً عن البراهين القرآنية فها هو البرهان فليأتوا بمثله و ليتركوا التشبث بالتلفيقات التاريخية التي لا مصدر ولا اساس لها .)) .
ولكنني بعد التتبع والاستقراء توصلت الى نتيجة بهذه الخصوص مفادها : ان الشاه الايراني نادر شاه اراد التقريب بين المسلمين والاعتراف بالمذهب الجعفري مذهبا خامسا وعقد مؤتمرا لذلك , ولكن التمثيل الشيعي في هذا المؤتمر الشكلي او الصوري ما شئت فعبر ضعيف جدا , اذ كان اشبه ب تمثيل بعض الحركات الشيعية المعاصرة المشبوهة او الهزيلة والمرتبطة بالقوى الاجنبية او بالحكومات المحلية للشيعة كدعاة المهدوية او ظاهرة الشيخ ياسر الحبيب الكويتي ؛ والتي تتدعي تمثيل الشيعة او فئة منهم وهم في حقيقة الامر والواقع غير معترف بهم لا من المؤسسة الدينية الشيعية الرسمية ولا من قبل جماهير الشيعة ومثقفيهم , فلم يحضر علماء النجف الاشرف او كربلاء المقدسة او قم او الكاظمية او الحلة المعروفين الى هذا المؤتمر ولم يذكر في مذكراتهم او مصنفاتهم , وهذا يدل على عدم الاعتراف به وتجاهله نهائيا ؛ نعم كلف احد علماء كربلاء المعروفين آنذاك من قبل الملك نادر شاه وهو السيد نصر الحائري لأداء بعض المهام .
وبما انه لا توجد مقارنة بين الايرانيين المتحضرين والذين يمتلكون كل المقومات الحضارية والقيم الانسانية وبين الركب العثماني الموغل في حقده وتخلفه والغارق في اجرامه وبداوته , والمدمن على عنصريته وطائفيته ؛ بادر الايرانيون وملكهم نادر شاه - ولأول مرة في التاريخ - بالدعوة الى الوحدة الاسلامية واخماد نار الفتن الطائفية بين المسلمين و التي يعمل على تأجيجها العثمانيون ورعاياهم من المماليك - غير المسلمين اصلا - ذوي الاصول المسيحية واليهودية ؛ حفاظا على ارواح الفريقين ولاسيما الطوائف الاسلامية التي تقع تحت الهيمنة العثمانية ومنها الاغلبية العراقية التي عانت الامرين من ظلم وخسة الاتراك والمرتزقة من رعاياهم وعبيدهم المجرمين وغلمانهم المأبونين ؛ فقرر الملك نادر شاه إقامة مؤتمر في النجف الاشرف لعلماء المسلمين ودعا له علماء إيران وسبعة من علماء أهل السنة في أفغانستان وسبعة من علماء السنة في بلاد ما وراء النهر - ( بخارى وبلخ ) - وغيرها من الأمصار الإسلامية بما فيها بغداد ، بالإضافة الى بعض رجال الدين الشيعة غير المعروفين او الذين لا يعدون من علية القوم وكبار العلماء , وبغض النظر عن كل ما قيل حول المؤتمر وتفاصيله , ومن باب الزموهم بما الزموا به انفسهم ؛ نرجع الى صلب الموضوع ونطرحه على بساط المناقشة على علاته .
وارسل والي بغداد احمد باشا – كما يدعون – الشيخ عبد الله السويدي الى حضور المؤتمر بعد الحاح شاه ايران الملك نادر شاه ؛ الا ان الشيخ عبد الله اضطرب و تردد كثيرا في الذهاب كما يعترف هو بذلك ؛ و كان هدف شاه ايران ومطلب كل المسلمين الشيعة في اصقاع المعمورة بما فيهم الاغلبية العراقية - ولا زال - هو ادراج المذهب الجعفري ضمن المذاهب الاسلامية وحقن دماء الفريقين والقضاء على الفتن الطائفية ؛ كي لا يستغل اعداء المسلمين هذا الصراع لصالح مخططاتهم المشبوهة واهدافهم الاستعمارية , ويكفي الله المسلمين شر الصراع الطائفي والقتال .
وقد زار ملك ايران نادر شاه كلا من مرقد الامام موسى الكاظم ومرقد الامام ابي حنيفة , وبعدها توجه للنجف الاشرف وعقد مؤتمرا اسلاميا للتقريب بين المذاهب الاسلامية , وقد ارسل والي بغداد الشيخ عبد الله و زوده بالمؤنة والخدم والكسوة والدواب وامره بالذهاب الى النجف الاشرف كما مر انفا , والعجيب ان الشيخ عبد الله السويدي طلب ان يكون الحكم والفيصل بين السنة والشيعة حكما مسيحيا او يهوديا .. لكي يكون الحكم بينهم وبين الله كما يدعي !!
علما ان الفريقين يذهبون الى أن كل من دان بغير الإسلام فهو كافر، سواء كان نصرانيًّا أو يهوديًّا ؛ ومن اوضح الواضحات لدى الطائفتين عدم صحة حكم وقضاء الكافر بين المسلمين , اذ لا خلاف بين علماء المسلمين على أن الكافر لا يجوز له أن يحكم بين المسلمين ؛ وقد استندوا في ذلك على ظاهر النصوص القرآنية والتي منها ما جاء في سورة النساء / الآية 144 : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ )) ؛ ولعل الشيخ عبد الله السويدي حن الى اصوله النصرانية او اليهودية القديمة او لضعف عقيدته او لتفضيله البعض على الاغلبية العراقية , وطالما تكررت هذه الحالة في عراقنا الذي عانى من هذه الطغمة الغريبة ؛ و من الشواهد على ذلك تقريب اليهودي الحاقد ميشيل عفلق والنصراني الغادر طارق عزيز وما تسببا به من ويلات ونكبات ومؤامرات على الشعب العراقي ؛ و قد دهشت وانا اشاهد مجريات محاكمة العصابة البعثية الصدامية من على شاشات التلفاز ؛ عندما تشاجر المجرم وطبان مع المجرم النصراني طارق عزيز ؛ وقد بصق في وجهه وشتمه و قال له : (( لعنة الله على طارق عزيز ...ادبسزز .. )) اذ كان طارق عزيز مؤسس ومهندس الجريمة الكبرى في العراق , بل عراب المؤامرات الدولية ضد العراقيين ؛ حتى ان المجرم وطبان نفسه يعتبره سببا لكل بلايا و نكبات العراق .
وقد اعترف السويدي في كتابه هذا المليء بالمبالغات والترهات والخزعبلات والافتراءات والتدليس والغرور الاجوف والكذب الواضح الذي لا ينطلي على القارئ اللبيب الا انه مع ذلك يصح ان يكون دليلا على حقيقة هؤلاء الغرباء وكما يقول المثل العراقي الشعبي : (يفوتك من الجذاب صدك جثير ) بانه تم اكرامه من قبل حاشية الملك نادر شاه والاحتفاء به ؛ ومما ذكره انه التقى هناك بصديقه معيار الممالك وزير الملك نادر شاه وهو كرجي الاصل – لعلهما يرجعان لنفس الارومة - ؟!
ومما ذكره ايضا ان الملك نادر شاه قد خاطبه باللغة التركمانية وتكلم معه بها , وقال الشاه نادر شاه له : اتدري لماذا بعثت في طلبك ؟ فقال السويدي : لا ؛ فأجابه الشاه : ان في مملكتي فرقتين تركستان وافغان يقولون للإيرانيين : انتم كفار , والكفر قبيح ولا يليق في مملكتي قوم يكفر بعضهم بعضا ... .
ومما سبق يتبين لنا ان ظاهرة التكفير ليست جديدة على المجتمع الإسلامي ، فقد عرفها هؤلاء المنكوسون منذ امد بعيد ، وتوارثوها خلفاً عن سلف , وهي من الظواهر الخطيرة التي لازمت الإسلام السياسي منذ تاريخه الأول للأسف الشديد، وغالباً ما كانت مصحوبة بالعنف والقتل والسبي والنهب ؛ ولعل من نتائج هذا الفكر العفن فاجعة مجازر الايزيديين العراقيين التي ارتكبها تنظيم داعش الناصبي الارهابي في سنجار ؛ و ان تلك الفاجعة لا تزال جرحا نازفا في ضمير الانسانية و وصمة عار تضاف الى السجل الاسود للشرذمة الاجنبية الغريبة الحاقدة في العراق .
و بالرغم من تفاصيل قصة المؤتمر الخيالية ومع غض الطرف عن كل ما جاء في كتابه : من انتصارات طائفية وهمية و مساجلات ومطارحات في العقيدة طوباوية من وحي خياله المريض ؛ اعترف في ثنايا كتابه ان بعض رجال الدين العثمانيين والطائفيين من وعاظ السلاطين لا يعرفون شيئا عن المذهب الجعفري ؛ ومع ذلك يفترون عليهم ...!!
ومن المؤمل - وفق السياقات الطبيعية - ان يخرج المؤتمر التقريبي الوحدوي بنتائج ايجابية تصب في مصلحة المسلمين والعراقيين وتهدئ الاجواء وتطفئ الفتن المذهبية وتخمد النعرات الطائفية , لاسيما بعد اكرام علماء البلاط العثماني من قبل الملك نادر شاه وعلماء حاشيته من المسلمين الشيعة والتجاوب معهم ومداراتهم , فالأغلبية العراقية والمسلمين من اتباع ال البيت كانوا ولا زالوا ينشدون الوئام والسلام مع مختلف المذاهب الاسلامية والى يومنا الحاضر ؛ والمفروض بعد هذا المؤتمر التقريبي ؛ ان تصفى القلوب من الاحن والامراض والاحقاد الطائفية ؛ الا ان اماني المسلمين والعراقيين في الوحدة والتقريب ذهبت ادراج الرياح بسبب رجال هذه العصابة الطائفية المريضة التي تجري خلف الدولة العثمانية العنصرية الطائفية .
فكانت ولا زالت السلطات الجائرة والحكّام الظلمة هم من يفتعلون الأزمات الطائفية والمذهبية ويخدعون الشعوب الإسلامية بها ؛ بتصوير أن المواجهة مذهبية اوبين أتباع الطوائف ، فيستغفلون جماهير الناس عن منفذها الحقيقي وعن رجال الدين الطائفيين و وعاظ السلاطين الذين يؤججون نار الفتنة والصراعات ويفتعلون المؤامرات والازمات ؛ خوفا على مآربهم ومكاسبهم الشخصية وتحقيقا لأهدافهم السياسية التخريبية .
وهذه الشرذمة الغريبة والاداة الاجرامية من وعاظ السلاطين المرتزقة طالما استعملهم الساسة الاجانب والمحتلين الغرباء في ضرب الاغلبية العراقية من خلال الفتاوى الشاذة والتدلسيات وافتراء الاكاذيب ؛ فهم عملوا جاهدين على اضفاء الشرعية على كل الحكومات الغازية المحتلة والظالمة والتنظير لوجودهم الطارئ والمرتبط بالأجنبي دوما وابدا ؛ فلا تستغرب من هؤلاء عندما يفضلون غير العراقيين من المستعربين والاعراب والافارقة واقوام القوقاز والكرج والارمن ... على العراقيين الاصلاء ؛ او عندما يستنجدون بالغرباء الارهابيين الدواعش من امثالهم واشباههم واقرباءهم وابناء ارومتهم .
فقد فتحت هذه الشرذمة الضالة المنحرفة، الشاذة الغريبة، المارقة المندسة ابواب العراق امامهم , ودعت شذاذ الافاق المجرمين وجحافل المسلحين من الشيشان والتركمان والقوقاز والطاجيك والاتراك والصينيين والروس الارهابيين ... الخ ؛ اذ انضم الى صفوف تنظيم داعش الارهابي الطائفي نحو 40 ألف مجرم أجنبي من مختلف أنحاء العالم للقتال في العراق وارتكبوا فيه أبشع وأقذر الجرائم بحق العراقيين الاصلاء وابناء السنة الوطنيين العراقيين وباقي المكونات العراقية كالمسيح والشبك والايزيديين والتركمان الشيعة ... , واليك نماذج من جرائمهم المقززة :
• يقتلون الأطفال : فقد أعدم تنظيم داعش 13 فتى في مدينة الموصل العراقية لمجرد أنهم شاهدوا مباراة لكرة القدم بالتلفزيون، وذلك بدعوى أن مشاهدة مثل هذه المباريات "محرمة شرعا" , وجرى إعدام الفتيان رميا برصاص الرشاشات ، ولم يتمكن ذووهم حتى من سحب جثامينهم خوفا على حياة عائلاتهم .
• يعلمون الأطفال القتل : اذ يقوم تنظيم داعش بتجنيد أو اختطاف الأولاد الصغار في العراق وإرسالهم فيما بعد إلى مراكز تدريبية خاصة ، حيث يتم تدريبهم على استعمال السلاح , وبعد بلوغهم التاسعة من عمرهم يجري إرسالهم إلى خط الجبهة ، وذلك إضافة إلى اعتماد التنظيم عليهم كـ"دروع بشرية" أو جواسيس أو "متبرعين" بدمائهم من أجل المسلحين الجرحى ؛ ومن اللافت للنظر ان هؤلاء يشبهون اسلافهم ويتبعونهم حذو النعل بالنعل فكلاهما مارس خطف الاطفال و اللواط بهم واعمال الفرهود والسطو والنهب والسلب ... .
• خطف النساء والاتجار بهن : اختطف التنظيم مجموعة كبيرة من النساء والفتيات الايزيديات العراقيات لبيعهن فيما بعد إلى التجار العاملين في سوق "الخدمات" الجنسية في الشرق الأوسط ، وذلك بأسعار تراوحت بين 500 دولار و43 ألف دولار أمريكي للمرأة أو الفتاة الواحدة , أما غيرهن من الأسيرات فجرى تزويجهن عنوة إلى أعضاء التنظيم ، فيما حولت الأخريات إلى بغايا بحجة كونهن سبايا ,
• لا يعرفون رحمة إزاء جنودهم : فقد أعدم مسلحو داعش 200 من أعضاء التنظيم العراقيين ، كعقاب لهم لمحاولاتهم ترك صفوفه والعودة إلى منازلهم ، أو لأخطاء ارتكبوها في أثناء القتال , وفي بعض الأحيان لم يتورع داعش عن إعدام أفراد وحدات كاملة من قواته ، بتهمة خوضهم مفاوضات مع الحكومة العراقية حول شروط الاستسلام ؛ وهذه الحالة اشبه بالظاهرة السياسية الثابتة والمتكررة عندهم في العراق , فمنذ تأسيس الحكومات الطائفية الغريبة عام 1920 والى حين سقوط الصنم الطائفي عام 2003 ؛ طالما قتل بعضهم بعضا وغدر بعضهم ببعض ؛ وذلك لانهم من اصقاع شتى وقوميات مختلفة وثقافات متناشزة لا يجمعهم شيء سوى السلطة والعمالة وبغض الاغلبية العراقية ولعل قتل صدام وعلي الكيماوي وغيرهما من شرذمة العوجة لأفراد عائلته - حسين كامل وابناءه واخوانه - دليل على دونية وتشرذم هذه العوائل مجهولة الاصل .
• يحرقون الناس أحياء : قام تنظيم داعش بإحراق 45 شخصا عراقيا في محافظة الأنبار العراقية , وفي أيار من عام 2014 أفادت وسائل إعلام إلكترونية بأن امرأة مسيحية عراقية من الموصل تبلغ 80 عاما من عمرها أحرقت بزعم أنها خالفت أحكام الشريعة الإسلامية , وقاموا بشوي اربعة افراد من الحشد الشعبي العراقي من محافظة النجف الاشرف ؛ وليس غريبا على هذه الشراذم الاجنبية الحاقدة فعل ذلك , فقد فعلها كبيرهم الذي علمهم الاجرام والارهاب المجرم السفاح صدام ؛ فقد قام جلاوزة التكارتة وابناء الانكشارية بإلقاء القبض على الشباب والشيوخ والاطفال وبصورة عشوائية و إعطاءهم جرعات من مادة (البنزين) – من خلال فتح الفم بالقوة- وبعد تناولهم لهذه المادة يطلق عليهم الرصاص بكثافة ليحترقوا ويتحولوا الى كومة رماد وذلك في الانتفاضة العراقية الخالدة عام 1991 م , ويشهد الله اني سمعت احد المجرمين المشاركين في هذه الجريمة يتحدث عن كيفية احراق الثوار العراقيين بمادة البنزين في منطقة المحاويل - عندما جمعتني الصدف به عام 1996 في منطقة كسرة وعطش الصناعية - وهو يضحك بملء فيه ويعد هذه الجرائم ضد الابرياء العزل بطولات ...!!
• الاتجار بالأعضاء البشرية : يمارس مسلحو التنظيم الاتجار بالأعضاء البشرية في السوق السوداء العالمية، معتمدين على جراحين "مستوردين" من الدول الخارجية , أما الأعضاء فتؤخذ سواء من المسلحين القتلى أو من أجساد الأسرى والمخطوفين الأحياء ، بمن فيهم الأطفال من الأقليات القومية في سوريا والعراق , وقد فعلها النظام الطائفي البعثي التكريتي الصدامي مرارا وتكرارا في سجونه ومعتقلاته الرهيبة .
• تدمير المدن العريقة وآثار الحضارة العالمية : خلال أقل من عام واحد دمر تنظيم داعش حوالي 30 موقعا أثريا تعود جميعها للتراث الحضاري العالمي , ويتاجر التنظيم بكل ما يمكن بيعه من الآثار في السوق السوداء ويدمر ما لا يمكن بيعه , ومما جرى تدميره حتى الآن بقايا المباني والتماثيل العريقة في مدينة نمرود الآشورية (القرن الثالث عشر قبل الميلاد)، وآثار مدينة الحضر التاريخية في محافظة نينوى العراقية (القرن الثالث قبل الميلاد)، وأثار مدينة دور شروكين شمالي الموصل، عاصمة المملكة الآشورية في عصر سرجون الثاني (القرن الثامن قبل الميلاد) ؛ ولا عجب في ذلك لأنها ليست بلادهم الحقيقية .
• استخدام السلاح الكيميائي : أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" بأنه في عام 2014 استخدم تنظيم داعش في المعارك مع القوات العراقية وكذلك ضد المدنيين غاز الكلور , أما في تموز من العام نفسه فقد استخدم التنظيم غاز الخردل ضد العراقيين في المناطق الشمالية ، وفي 22أيلول من العام نفسه قضى أكثر من 300 جندي عراقي في هجوم "كيميائي" شنه مسلحو التنظيم ؛ ولهم أسوة في النظام الطائفي العنصري التكريتي الذي استخدم هذا السلاح المحرم ضد المسلمين من اتباع ال البيت والاكراد في شمال العراق وبمنتهى الاجرام والخسة والقسوة .
منذ الطفولة ونحن نسمع اكاذيب هذه الطغمة الدينية الناصبية المدلسة بحق الاغلبية العراقية فطالما غرسوا في عقول الناس البسطاء ان الشيعة تقول في تعقيب الصلوات : خان الامين خان الامين خان الامين مع رفع اليد , وبعد انتشار الفضائيات والنقل المباشر للصلوات عرف القاصي والداني انهم يكبرون الله ثلاث مرات ... !! .
فهم كانوا وما زالوا مصدرا للتدليس والدجل والتكفير والاجرام والاخبار والفتاوى الكاذبة الفتنوية الارهابية ... هؤلاء لا يعرفون الحقيقة والصدق ؛ فالكذب في صالح السلطة والطائفة والعمالة يعتبر في نظرهم من اهم مبادئ الدين ومن سماتهم المتأصلة ... . وطالما دمرت اخبارهم الزائفة بنية المجتمع العراقي وكبدته خسائر جسيمة .
نرجع الى قصة المؤتمر والسويدي , كثيرة هي القرائن التي تشير الى سوء ظن الشيخ عبد الله السويدي بالطرف الاخر وعدم اقتناعه بالحوار وتشبثه بالروح الطائفية وتمسكه بالعصبية السياسية ؛ كما انه حاول البرهنة في كتابه و محاورته مع الملا باشي على ان الشيعة ليسوا على مذهب جعفر الصادق وهذا كما لا يخفى يناقض ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر النجف كل المناقضة ؛ وفيما يلي نص ما قاله السويدي في اخر مذكراته ( ان المذهب الذي تتعبدون عليه باطل لا يرجع الى اجتهاد مجتهد ... وليس لجعفر الصادق فيه شيء ... وانتم لا تعرفون مذهب جعفر الصادق ... ) ؛ علما ان بعض علماء الشيعة المعاصرين يعدون الملا باشي - و يعد هذا من الألقاب وليس اسما ؛ ومعنى الملا باشي رئيس العلماء وذلك إن من عادة ملوك العجم إن يكون لكل منهم عالم يلقب بالملا باشي يصحبه سفرا وحضرا يكون إليه المرجع في الأمور العلمية والمناظرات التي تقع واستمر هذا إلى أخر دولة القاجارية وقد كان بصحبة (تيمور لنك) ملا باشي تولى المناظرة مع علماء حلب لما فتحها كما أشار إليه ابن الشحنة في تاريخه( الدر المنتخب في تاريخ مملكة حلب ) - من علماء السنة الايرانيين الذين جاءوا مع الملك نادر شاه بينما يعده السويدي في كتابه بانه ممثل الشيعة وعالمهم الكبير !!!
الجدال بين رجال الدين بصورة عامة اشبه بالجدل البيزنطي والسفسطة اليونانية ؛ فهو مبني على طريقة ان قلتم قلنا وفي الاشكال اشكالين ... وهلم جرا ... , وهذه الطريقة لا تؤدي الى نتيجة مثمرة يتفق عليها الفريقان مهما طال الجدال بينهما , فكلما جاء هذا الطرف ب دليل جاء الخصم بما يبطله , وحين ينتهي الجدل لسبب ما يظن كل فريق انه كان الغالب فيه وخصمه كان المغلوب كما يؤكد ذلك الوردي في كتابه ( لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث / ج 1 / ص 135 ) .
و ان وظيفة الشيخ عبد الله واولاده واحفاده في الدولة العثمانية كمفتين وقضاة ومؤرخين ومدرسين دينيين وموظفين اداريين تقتضي منهم السير في ركاب الولاة الظلمة العثمانيين ومدحهم وتزكيتهم ؛ وصب جام حقدهم الطائفي على الاغلبية العراقية وتشويه سمعتهم وتزييف الحقائق لإخفاء الحقائق التاريخية الناصعة التي تؤكد على اصالة وعروبة العراقيين و دخالة وظلم وخسة العثمانيين ورعاياهم واذنابهم الاجانب الغرباء .
ولم يغير السويدي طريقة تفكيره ولم يتخلى عن حقده وطائفيته بالرغم من كل محاولات المسلمين الشيعة والعراقيين الاصلاء التي تدعو للإخوة الاسلامية والتقريب , وهذه بعض الشواهد على ما نقول و من مؤلفات الشيخ عبد الله السويدي نفسه وعائلته الطائفية – فيما سيأتي لاحقا - والتي تدعو للفرقة والصراع والاقتتال والتكفير ؛ فانظر كيف يصف الشيعة في كتابه ( الحجج القطعية لاتفاق الفرق الإسلامية) ) : ( ... وارجاع الشيعة عما هم عليه من سب الصحابة وتكفيرهم , وادعائهم الفضل والخلافة لعلي بن ابي طالب رضي الله عنه وتجويزهم المتعة والمسح على الرجلين , وغير ذلك من قبائحهم وبدعهم وضلالاتهم المشهورة المتواترة عنهم ... ) ويقول في موضع اخر من نفس الكتاب : ( ان الروافض اهل عناد ومكابرة فكيف يسلمون لما اقول ولاسيما وهم في شوكتهم وكثرة عددهم ... ) و كما يعترف بان الوسط والجنوب يدعى عراق العرب في كتابه ؛ واني لأعجب من هؤلاء الاجانب والغرباء الذين يعترفون بكثرة عدد الاغلبية العراقية وقوة شوكتهم واصالتهم ومع ذلك يزاحمون اهل البلد الاصلاء في موطنهم وموطن اسلافهم الغابرين – (هم نزل وهم يدبج عل السطح ) - ..!! .
وقد ألف رسالة في نقض عقائد الشيعة ؛ وله بحوث في هذا الباب ضمن كتابه : "النفحة المسكية في الرحلة المكية " ؛ منها رسالة في الرد على الشيعة بمسألة غسل الرجلين .
(7)
ختامها عفن طائفي و غدر واغتيال
كان الملك نادر شاه يشعر بضرورة تفعيل حالة التراضي والمقبولية بين المسلمين بعد انتخابه ملكا لسببين :
الأول: وقف الحروب المستمرة بين الإيرانيين والشيعة والأتراك العثمانيين الطائفيين والتي كانت في أغلب الأوقات تشتعل لأسباب طائفية وسياسية .
الثاني: لان الملك نادر شاه كان يحكم شعوب اسلامية فيها عدة طوائف ومذاهب اسلامية مختلفة ؛ فأراد أن يوحدها على قاعدة إرضاء جميع الأطراف بتقديم بعض التنازلات.
فقرر نادر إقامة مؤتمر في النجف لعلماء المسلمين ودعا له علماء المسلمين كما مر انفا ... ، وجعل الشيخ عبد الله السويدي المفتي العثماني في بغداد حكما بينهم طبقا لإحدى الروايات , و عقد المؤتمر في رواق الحرم العلوي ، حيث جلس العلماء سماطين وبدأ النقاش بينهم ... , لكن من المؤسف أن نقاش هؤلاء العلماء تركز على قضايا جزئية كالمتعة والمسح على الرجلين وسب الصحابة وما شاكل ذلك، وبعد أن أوضح العالم الكربلائي السيد نصر الله الحائري – ولعله العالم المعروف بينهم والذي يمثل الاستثناء لما مر انفا - أدلة ذلك من القرآن والسنة ، ونفى أن يكون للشيعة منهج في سب الصحابة ، وإنما يفعل ذلك أفراد لا يمكن ضبط تصرفاتهم كما هو الشأن في الطائفة السنية التي يوجد فيها افراد يسبون ويشتمون مقدسات الطرف الاخر ، و أقتنع الحاضرون بالأجوبة المقدمة، وتم التصالح بين الفريقين ورفع حالة التكفير واعتبر العلماء المذهب الجعفري مذهبا إسلاميا خامسا.
وقد كتب مقررات المؤتمر بعدة نسخ أرسلت نسخة منها للسلطان العثماني ونسخة للشاه وأخرى لزعماء الأفغان، وأما النسخة الأصلية فقد أودعت في خزانة كتب الحضرة العلوية .
لكن ما يؤسف له أن حكام الدولة العثمانية ورجالها الطائفيين رفضوا اتفاقية الصلح التي أبرمها والي بغداد أحمد باشا مع الشاه، وضربت بمقررات المؤتمر عرض الجدار...!!
وخير شاهد على ذلك ؛ كتاب ( الحجج القاطعة لاتفاق الفرق الاسلامية ) للسويدي والذي يكشف لنا مدى التحامل العظيم على الشيعة وعلى الملك نادر شاه؛ فقد وصفه بأقبح الصفات مثل الباغي الخارجي وغيرها مع كل هذا الإكرام ؛ وكما قال شاعرنا ابو الطيب :
إذا أنتَ أكْرَمتَ الكَريمَ مَلَكْتَهُ ** وَإنْ أنْتَ أكْرَمتَ اللّئيمَ تَمَرّدَا
وَوَضْعُ النّدى في موْضعِ السّيفِ بالعلى ** مضرٌّ كوضْع السيفِ في موضع النّدى
فكل هذه المبادرات النبيلة والمساعي الحميدة ذهبت إدراج الرياح بسبب التعصب وعدم الميل إلى الألفة والوحدة والسلام , ولولا ما حال دونها من هذه التعصبات لأنتجت نتائج حسنة للمسلمين نرى نتائجها الايجابية الى يومنا الراهن .
ومراجعة بسيطة لتاريخ الغرباء الطائفيين والدخلاء العنصريين في العراق تكشف لنا حقيقة هؤلاء اللقطاء والعملاء والشواذ والمجرمين والمرضى والمخربين ؛ فهم لا يؤمنون الا بالعنف والقتل والغدر والفتك , و العنف كما هو معروف يعتبر لغة الجبناء والجهلة وضعاف النفوس , الا ان الحديد لا يفله الا بالحديد , وعلاج السفلة الهوان كما يقولون .
ومما انتقده السويدي على الخطيب السيد نصر الحائري أنه كسر راء عمر مع أنه إمام في العربية وشتم السويدي في كتابه السيد الحائري أقبح الشتم مع أنه يمكن إن يكون لسانه سبقه إلى الكسر والإنسان محل السهو والنسيان وإن كان إماما في العربية سيما في مثل ذلك المجمع العظيم المهيب , أو أنه لم يخلص الفتحة كما يقع كثيرا فظهرت شبيهة بالكسرة فحمل السويدي سوء ظنه الشديد على إن ظن به تعمد الكسر- وحتى الدكتور علي الوردي اشار الى سوء ظن السويدي في كتابه لمحات اجتماعية / ج 1- و يروي السويدي عن ما حدث معه قائلا , ان الاعتماد سأله : كيف رأيت الخطبة والصلاة ؟
فقلت : أما الخطبة فلا كلام فيها وأما الصلاة فخارجة عن المذاهب الأربعة على غير ما شرط عليهم إن لا يتعاطوا أمرا خارجا عن المذاهب الأربعة ؛ فأخبر الملك نادر شاه فغضب وأرسل له يقول : أخبر أحمد خان إني ارفع جميع الخلافات حتى السجود على التراب ... ؛ وعلق احدهما قائلا : يا عجبا للسويدي لا يرضيه عن الشيعة إلا إن يتركوا مذهب جعفر الصادق إمام أهل البيت ويقلدوا المذاهب الأربعة التي ليس مذهب جعفر دونها إن لم يكن خيرها والسجود على التراب جائز في المذاهب الأربعة بل هو أفضل وأقرب إلى الخضوع لله تعالى الذي شرع السجود لأجله فكيف يمنعه نادر شاه ليرضي السويدي ومع كل هذا التشدد كيف يمكن اتفاق المسلمين الذي حاوله نادر شاه بكل جهده فحال دونه أمثال السويدي .... وأرسل بعد ذلك السيد نصر الله الحائري ليكون إماما في مكة المكرمة وأرسل معه هدايا إلى شريف مكة فحاول أهل مكة الطائفيين قتله ؛ بوشاية من السويدي اذ سافر بنفس الوقت الى مكة للإيقاع بالسيد نصر الحائري والفتك به من خلال اخبار السلطات العثمانية في تركيا والشام والحجاز بضرورة التصدي لإفشال مقررات المؤتمر ومنها الاعتراف بالمذهب الجعفري وإن يكون له محراب خاص وإمام في المسجد الحرام وإن يكون من قبله أمير للحاج من طريق العراق وهو يتولى إصلاح البرك والآبار من طريق زبيدة ... ؛ اضمر هذا السويدي الحقد في نفسه وهي الصفة المعروفة لدى الشرذمة الهجينة الغريبة الحاقدة , واخذ يترصد للسيد نصر الحائري ويتحين الفرص حتى سافر السيد الحائري الى الحجاز وكان اول امام جعفري يصلي في بيت الله الحرام ... ؛ فقام السويدي ببعث الرسائل السريعة الى السلطان العثماني ؛ فارسل الوزير التركي في جدّة الى الشريف مسعود - شريف مكة - يطلب منه تسليم الحائري له كي يقتله، فامتنع الشريف عن تسليمه وقال : اني سأحافظ عليه الى أن اكتب الى دار الخلافة في استانبول واتلقى جوابها فيما تأمر، فلم يرضى الوزير التركي عن هذا الجواب واتهم الشريف الى الميل الى المذهب الجعفري، اسرع الشريف فكتب الى السلطان في اسطنبول يخبره بالأمر ويطلب منه الرأي فوصله الجواب من خلال السلطان خلال مدة قصيرة يأمره بإلقاء القبض على الحائري وتسليمه الى امير الحج الشامي اسعد باشا العظم ، ففعل الشريف ما امره السلطان به وحمل الحائري مخفورا مع اسعد باشا الى الشام وسجن هناك في قلعة دمشق وبعد مدة يسيرة طلب الحائري الى اسطنبول فحمل مخفورا اليها، و يبدوا أنّ الشريف مسعود- [والكلام للمؤرخ علي الوردي في كتابه لمحات اجتماعية / ج 1 , وقد اشار الدكتور الوردي ايضا الى تورط السويدي في اغتيال الحائري فراجع ] - شعر بحرج شديد عقب هذه الحادثة، وربما بلغه ما اشيع عنه الى الميل في المذهب الجعفري فأمر بعلن الرافضة على المنابر لرفع وازالة التهمه عنه .
وقد فرح الطائفيون العثمانيون من حاشية السلطان و استغلوا الفرصة ولم يراعوا ان السيد الحائري ضيف عندهم و له حق الضيافة ؛ وجيء به من الحرم اعزلا من السلاح ؛ فوثبوا عليه وقتلوه ومزقوا بدنه وقطعوا اعضاءه - وقيل مات مسموما - و عندما علم السلطان العثماني بذلك اغتاظ لان هذه غدرة , والغدر لا يليق بالإنسان العادي فضلا عن سلطان المسلمين ، اخذهم وقتلهم واحرقهم ... , وقيل ان للسلطان يد في مقتل السيد الحائري الموسوي العراقي - يعتبر من عشيرة ال فائز وجد السادة ال نصر الله الكربلائيين - ؛ وقيل إنه دفنه بالقرب من والده خان في إسطنبول واضحى مزارا يتبرك به ؛ وقيل غير ذلك ؛ وقد هلك الشيخ عبد الله السويدي بعد رجوعه من مكة في اثناء الطريق فذهب الى لحده غادرا طائفيا بينما ارتحل السيد الحائري الى ربه شهيدا وحدويا ، و بعد اغتيال السيد نصر الله ؛ لم تبذل أي جهود لمتابعة السياسة التقريبية، وانهار المؤتمر التقريبي الوحدوي كليا بعد اغتيال نادر شاه في عام 1747 ؛ ومع كل هذا الحقد والغدر والعداء واصل علماء المسلمين من اتباع ال البيت دعواتهم التقريبية في القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين , وطالما رفعوا شعار : ( اخوان سنة وشيعة ) ؛ الا ان افاعي الطائفية لا تعيش الا في جحور الظلام وكهوف الغدر .
ان الغدر والفتك والخيانة صفة متأصلة في نفوس هؤلاء المرضى الطائفيين , والغدر كما هو معروف من طباع اللئام , ولا تعد هذه الصفة من الخسة والنذالة فقط بل هي مرض نفسي كما اكد ذلك بعض خبراء علم النفس والعلاج النفسي ؛ اذ يوضح هؤلاء المختصون أن سوء التعامل مع الناس وعدم إقامة علاقات سوية بينهم وتدهور هذه العلاقات إذا ما قامت أصلاً، إنما لا يرجع إلى مجرد صفات اجتماعية نصفهم بها كالغدر، وإنما هي تصل لحد المرض النفسي اللعين، والداء الاجتماعي العتيق، إنه السيكوباتية .
ويشدد المختصون على أن من أهم ما يتميز به الشخص السيكوباتي في تعاملاته الاجتماعية مع الناس من حوله بغض النظر عن درجة قربهم منه ، هو سلوكه الفج والعنيف أحياناً ، وميله للتجسس على غيره ، وسعيه على الوقيعة بينهم إن استطاع ، بجانب عدم وفائه بأي وعد يعد به وعدم اكتراثه بمشاكل الآخرين ، إضافة إلى أنانيته المفرطة وميله الشديد والمستمر لتحقيق نفعه الشخصي ومصلحته الخاصة فقط لا غير ؛ ومراجعة تاريخية بسيطة لتصرفات وسلوكيات الشرذمة الطائفية الهجينة والبعثيين وابناء القرى الرعيان ... ؛ تؤكد لنا وبما لا يدع مجالا للشك انهم مصداقا جليا لكل تلك الاعراض المرضية .
و ان استمرار وجود هؤلاء المرضى في المجتمع العراقي من دون ايجاد حلول ناجعة وعلاجات حقيقية تقضي على امراضهم وعقدهم الطائفية والاجتماعية والنفسية ؛ كفيل بتدمير وتخريب بنية المجتمع العراقي بل و تعريض العراق الى خطر التقسيم والاضمحلال والذوبان في حدود الدول المجاورة .
https://telegram.me/buratha