رياض سعد
(6)
مختصر قصة عجم محمد (محمد العجمي البغدادي الايراني )
مر عليكم ان الشيخ عبد الرحمن قد اعتزل الحياة وقبع في داره الا ان الافعى الطائفية قد اخرجت رأسها والسم الزعاف كامن فيها , فقد نشبت الفتنة العنصرية في بغداد بعد وفاة والي بغداد عبد الله باشا ؛ وذلك بسبب تنافس كتخدائيته ( نوابه ومساعديه ) على شغل منصبه الشاغر ، وقد ادى بعض رجال الدين دوراً مهماً في هذه الفتنة ، لانهم ـ على ما يذكر المؤرخ رسول الكركوكلي ـ كانوا يقومون بتهدئة الأحوال ويأخذون على عاتقهم ضبط النظام ، الا رجل الدين الطائفي العثماني الشيخ عبد الرحمن السويدي , اذ يظهر من خلال ما نقله هو عن دوره في هذه الاحداث انه كان من بين الذين حرضوا الناس على الفتنة والقتال بل هو نفسه شارك في القتال والصراع الاهلي البغدادي , وعليه نستطيع اعتباره من رجال الدين الاوائل الذين استخدموا السلاح لتحقيق اهدافهم السياسية والدينية في بغداد , فهو يعد اول داعشي شهر سلاحه في بغداد ، إذ نقرأ في قصيدة له هنأ بها علي باشا على توليه منصب الولاية ، انه كان ممن استخدم سيفه في اثناء تلك الاحداث ، وهو لم يضع سلاحه الا عند وصول الوالي نفسه ، وتأكده من القضاء على الفتنة ، وإزالة الشقاء ، وأمان الناس من الذعر والخوف – كما يدعي - , وقد ثبت تاريخيا ومن خلال الشواهد التاريخية العديدة انه وامثاله من رجال الدين المتعصبين والساسة الطائفيين العنصريين هم صناع الرعب والذعر والخوف بين الناس البسطاء والمواطنين الابرياء , وما سفكت قطرة دم الا بسبب فتاواهم وارائهم المنكوسة .
فعندما جاءه اهل الكرخ يستفتونه حول موقفهم من الفتنة ؛ قال لهم كما ادعى في كتابه ( تاريخ احداث البصرة وبغداد ) : ورد في الحديث ( ان المسلمين اذا التقيا بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار ) الا انه قد سل سيفه واوغل في الفتنة وغرق فيها الى اخمص قدميه وهذه حالهم دائما يقولون ما لا يفعلون , وحالة ازدواج الشخصية لا تفارقهم ابدا ؛ فها هو يعترف فيما بعد : (( فيحنئذ لبست سلاحي ومشت خلفي عصابة حسنة من السكمانية ـ حرسهم الله - ))
و السكمانية : جمع سكماني : لفظة محرفة عن الفارسية ( سكبان ) المركب من ( سك ) وتعني كلب ، ( وبان ) بمعنى حافظ او مراقب ، وكان السكمانية في عهد نشأة الدولة العثمانية : هم الذين يحرسون كلاب السلطان ويحملون له البنادق ويساعدونه في الصيد ؛ ولا اجد وصفا ينطبق عليه وعلى امثاله اقوى منه فهم فعلا : سكمانية او بتعبير أوضح : كلاب العثمنة المتوحشة والتي مزقت الجسد العراقي اربا اربا فيما بعد .
ومن المعروف ان كل من هاجر الى بغداد وقطنها وعاش بين اهلها وتبنى ثقافتها ؛ اطلق عليه لقب البغدادي , وقد ذكر الكاتب عبد الكريم الحسيني في مقالته : ( بغداد وحكامها / 6 عجم محمد ) ما يلي : ((اصبح العراق في عهد حكم المماليك ملجأ وملاذا للمشردين والمغامرين وارباب السوابق والمجرمين والشواذ وقصده الكثير من الاتراك والايرانيين والقفقاسيين والارمن واليونانيين ومن كل فج عميق ... )) , وكان محمد عجم شابا وسيما حلو الطبائع من اصول ايرانية , جاء الى بغداد - وتوظف فاشتهر أمره - ولعلها مدينة اسلافه فالكل يعرف ان الايرانيين من سكنة بغداد الاوائل بل مؤسسيها مع بني العباس والنبط والعرب العراقيين القدامى , وقد التحق هذا الشاب الطموح بالسلك الحكومي وتقرب من الولاة والمسؤولين الحكوميين حتى صار من علية القوم كما هو حال باقي المماليك من اقرانه والذين هم دونه بالشرف والنسب والذكاء وقتذاك , اذ عظم شأنه وصار البغداديون وغيرهم يقصدونه لقضاء حاجاتهم و لكي يكون شفيعا لهم لدى الولاة الظلمة والمماليك القساة , و قيل : انه يتلقى نظير ذلك الهدايا والاموال فازدادت ثروته وانفتحت الافاق امامه وبدأ يتطلع الى المناصب الحكومية , وبقي عجم محمد على هذه الحال اكثر من عشرين سنة كما قيل , مما ادى الى ازدياد نفوذه و تمدد شعبيته وتعاظم سطوته وعلاقاته الاجتماعية بمختلف طبقات بغداد .
وقد فشل الولاة العثمانيون في ادارة شؤون بغداد والعراق وقتذاك , اذ تم عزل عمر باشا وتعيين الحاج مصطفى باشا , ثم تم اعدام مصطفى باشا وتعيين عبد الله باشا – وهو من المماليك – وكان ضعيفا كما يدعي الشيخ عبد الرحمن السويدي , وصار عجم محمد خازنا لدى عبد الله وبيده مقاليد الحلّ والعقد , أما عبد الله باشا فقد كان مصابا بالسل , ولذا لم يستطع مزاولة الشؤون , وكان الوالي الذي يتوفى أو يعزل جرت العادة أن يعين كتخداه مكانه , ولم تجر العادة أن يعين الخازن واليا , وعلى هذا وبناء على التماس عجم محمد طلب سليم أفندي الى عبد الله باشا عزل كتخداه إسماعيل الكهية ونصب عجم محمد مكانه ففعل , والحاصل أن عجم محمد تمكن من استهواء عبد الله باشا ، وكذا تسلط على سليم أفندي بما لا مزيد عليه حتى نال منصب كتخدا ليتوصل إلى الوزارة إذ هي سلمها ... وفي الحقيقة كان الوزير عجم محمد لا عبد الله باشا ولا غيره ؛ حتى ساء الوضع في بغداد فتم تعيين محمد عجم بمنصب الكهية – ( او كخيا ) ويسمى احيانا الكتخذا وهو معاون الوالي – وبتأييد اغلب الجماهير البغدادية وذلك بسبب شعبيته ومقبوليته ... .
وقد كان للوالي سليمان سبع ( كهيات ) ومنهم اسماعيل اغا - وكان مملوكا وله ذرية في العراق ومن هؤلاء سليمان كان قائممقاما في (مندلي). ولا يزالون يعرفون بـ (آل الكتخدا) - وحدثت بينهم منافسة شديدة وبقيت بغداد حينها بلا وال .
وحين وفاة الوالي - عبد الله باشا - وقع الاختيار على سليم أفندي ليكون قائمقاما نظرا إلى أنه من أكابر رجال الدولة العثمانية ، وأنه موظف مرسل من جانبها فاتفق الكل عليه , فكانت الوجهة مصروفة ظاهرا إلى أن يعهد إليه بهذا المنصب فيسد باب الفتنة فيطوي خبر المماليك, إلا أن الكتخدا السابق عجم محمد من جهة ، والكتخدا الأسبق إسماعيل الكهية من الجهة الأخرى يطالبان بمنصب الوزارة فكل منهما يدعو لنفسه ويكوّن حزبا , وأن بغداد انقسمت إلى شقين , وبترغيب من سليم أفندي وحثه صار أهل الميدان والمهدية والقراغول ومحلة محمد الفضل جميعهم ، وأكثر العثمانيين وكذا الينگچرية برئاسة محمد آغا مالوا إلى محمد الكهية (عجم محمد) لعلمهم أن سليم أفندي موظف الدولة فتابعوا رغبته ونفروا من إسماعيل الكهية , وأن الذين التزموا جانبه أبدوا أن محمد الكهية ايراني الأصل ، وأنه إذا نال غرضه رجع إلى أصله وحينئذ يخشى أن يسلم بغداد إلى ايران , لذا نفروا منه ووافقوا إسماعيل الكهية , وهكذا كان قولهم في آغا الينگچرية محمد آغا , بينوا أنه ايراني الأصل ولا يبعد أن يحن إلى قومه , وهذا هو الظاهر وفي الحقيقة كانت الدعوة للمماليك الاجانب ولذا ألصقوا بعجم محمد كل منقصة .
هذه وجهات نظر الأحزاب والدولة آنئذ في غفلة ويظن أن رأيها لا يختلف عن رأي سليم أفندي المرسل من جانبها, و قد دخل عجم محمد القلعة واستولى عليها وتحصن فيها ، وكذا إسماعيل الكهية استقر في داره واتخذ كل منهما متاريس ومهد وسائل القتال فاشعلوا نيران الفتنة وشرعوا في القتال .
أما أهل الكرخ فإنهم لم يميلوا إلى جانب إلا أنهم أخيرا استمد بهم إسماعيل الكهية فظن عجم محمد أنهم مالوا إليه فوجه إليهم المدفع وضربهم – كما يدعي السويدي - وهذا ما سهل أن يكونوا في جهة إسماعيل , فاشتعلت الفتنة أكثر وزاد لهيبها , الا ان اهل الميدان اتهموا اهل الكرخ بالمشاركة ضدهم .
رأى سليم أفندي كل ذلك ؛ فصار يفكر في طريقة لحل هذا المشكل وحذر من الاخطار التي قد تنجم جراء ذلك ووخامة عاقبتها ؛ لذا كان يرى أن عبد الله باشا حينما تعرض له بعض المصاعب يدعو سليمان بك الشاوي فيستعين برأيه ويتخذ له تدبيرا ناجعا يكشف به المعضلة , وفي الحال بعث إليه فجاءه وتذاكر معه فأرسل إلى الطرفين ونصحهما فوقف النزاع وسكنت الفتنة , والحق أنه مضت بضعة أيام لم يقع فيها بين الفريقين تشوّش .
وقد تمكن سليمان الشاوي من تسكين الغائلة لمدة يومين أو ثلاثة , ولما كان كل واحد من الزعيمين يأمل أن يكون وزيرا فلا يستقر الوضع ما لم يقض على واحد منهما , لذا تجدد الخصام واشتد القتال, وكل منهما احتفظ بمتاريسه .
حاول سليم أفندي مرة أخرى تسكين هذا الاضطراب وطلب سليمان بك الشاوي أيضا لاستطلاع رأيه في طريقة للخلاص من هذه الورطة , فقر رأيه على أن هذه الفتنة نشأت من جانب هذين الشخصين إسماعيل الكهية ومحمد الكهية فينبغي أن لا يبقوا حتى يعين وال إلى بغداد ويجب أن يذهب الاثنان إلى حسن باشا والي كركوك ويقيما عنده إلى أن ينجلي هذا الامر المبهم ؛ فامتثل إسماعيل الأمر وترك مطلبه وكف عن دعوته فعبر إلى الكرخ وأن الحاج سليمان بك أركبه فرسا وأرسله إلى كركوك اطفاء لنار الفتنة.
أما محمد الكهية فلم يوافق على هذا الحل وتوقف , وأن أعوانه وحاشيته ومريديه لم يفترقوا منه , لذا لا يزال متمسكا بمطلبه ؛ فلما شاهد سليمان منه هذا التصلب انكشفت حيلته له وقال مخاطبا الجماعات المؤيدة :
إذا كان الغرض من هذه الجماعة أن يجعل محمد الكهية واليا فهذا من العجم ، وأن الدولة لا يسعها أن توجه بغداد إلى العجم .
فأجابه أهل الميدان : (بلسان عربي وفي لهجة واحدة).
ليكن عجما ؛ فإن الروم عينوا خمسة وزراء من العجم , وهذا سادس.
فقال سليمان الشاوي : بل عينوا سبعة وهذا ثامن ومراده الإشارة إلى الآية القرآنية : (وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ ).
هذا ، وأن كلام سليمان الذي غمز به عجم بيك موجه إلى البغداديين اتباع عجم محمد ؛ وقد اثار حفيظتهم مما اضطره للعودة إلى الكرخ خوفا من حدوث شيء من هذا القبيل ؛ وبهذه المرة أشعل هو نار الحرب , فتابعه أهل الكرخ حتى أنهم جعلوا متاريسهم إلى قرب (المولا خانة) أي (جامع الآصفية) , فشوّق هؤلاء وهيجهم على محمد الكهية وضيق على خصمه تضييقا مرا .
وأن سليم أفندي كان مقيما في الدنكجية - (شارع المأمون) - في دار عمر باشا فنقل مكانه إلى دار عبد الله باشا قرب الميدان خوف المضايقة وفي هذه المدة اشتد الأمر بمحمد الكهية وكاد يظهر الشاوي عليه وتبينت علامات النصر – كما يدعي السويدي - ؛ فاضطر لمكاتبة أحمد باشا آغا (رئيس كتيبة) حسن باشا والي كركوك ثم فارقه لأمر ما , وجاء فضرب خيامه في أنحاء بعقوبة وكانت بينه وبين محمد الكهية صحبة قديمة ؛ فطلب معاونته فأمده وأرسل إليه مقدارا وافرا من اللوند - اسم اطلقه العثمانيون في مصادرهم على العسكريين العامليين المسيحيين في الاسطول البحري والذين تسرحوا منه أصبحوا مرتزقة يعرضون خدماتهم العسكرية على الولاة والباشوات - ؛ نصبوا خيامهم تجاه (الشيخ عمر) فأيدوا أهل الميدان .
وكذا سليمان الشاوي ألف بين النجادة – الاعراب المهاجرين الى العراق من نجد - والموصليين في الكرخ فاستخدمهم لتقوية الجهات الضعيفة , و جمعهم في خان جغاله - (خان جغان) - وقام بمصاريفهم كافة فكثرت جماعته فاستعمل كل جانب ما لديه من قوة فطالت الفتنة خمسة أشهر فاختلت الأمور ولم يسلم من ضررها غني ولا فقير فكم من مثر أصبح فقيرا وكم من فقير صار غنيا .... حتى بلغ الضجر غاية لا تطاق , فصاروا يتضرعون بالدعاء و يلجؤون إلى الله تعالى لتخليصهم من هذا البلاء .
كان النزاع على الوزارة لا يزال قائما وكل من الكهيات طلبها لنفسه وكتب محضرا بالترشيح قدمه إلى دولته , وكذا والي كركوك حسن باشا رشح نفسه لوزارة بغداد , أما الكهية عجم محمد وإسماعيل الكتخدا فقد اخفقا في مسعاهما , فوجهت الوزارة إلى حسن باشا بولاية بغداد والبصرة في أواسط سنة ١١٩٢ ه فوصل إليه البشير وجاء الخبر إلى بغداد , وحينئذ سكن الاضطراب وخرج الأهلون من خطر هذه الفتنة ، وخرج اللوند إلى باش آغا ابن خليل واختفى بعض اتباع الكهية عجم محمد ومن جملتهم آغا الينگچرية والمطرجي – كما يدعي السويدي - , و ذهبوا إلى ( دشخرو ) فارين وعاشوا في غربة , لكن محمد الكهية (عجم محمد) بقي وبعض أعوانه في القلعة محاصرا ينتظر الوالي الجديد بكفالة من أهل الميدان على أن لا يفر إلى جانب آخر قبل أن يراه الوزير الجديد , وفي الظاهر أنهم يحرسونه ويراقبون حركاته ليلا ونهارا .
أما الوزير الجديد فإنه مطلع على أحوال المملكة بصير بها , وكان الواجب أن يأتي بأقرب وقت إلى بغداد ولكن الحروب بين أمراء الكرد والحالة التي كانت عليها إيالته اقتضت أن يتأخر في كركوك بضعة أيام .
وفي خلال هذه المدة كانت خيالة ابن خليل تأتي إليه كل يوم تنتظره خارج السور وفي الليلة السادسة نزل من السور فأخذه الخيالة وجاؤوا به إلى جيشهم ؛ وحينما وصل جعلوه رئيسا واعطوه لقب (باشا) واتفق ابن خليل معه فعصى أمر الوزير الجديد , وجمع هؤلاء أناسا كثيرين معهم وشرعوا في تحدي الوالي الجديد واتباعه العنصريين والطائفيين وقطعوا بعض الطرق للإخلال بالوضع العام .
وهناك بويع عجم محمد واليا على بغداد ومنح لقب الباشوية وعادت الاضطرابات مره اخرى ولكن وفاة الوالي حسن باشا حالت دون الحرب ؛ و قد تولى اخوه محمود الباشوية واعد القوات اللازمة للقتال ودارت معركه حامية بين قوات محمود باشا تساندها قوات عشيرة العبيد بزعامة سليمان الشاوي وقوات الكهية عجم محمد تسانده قوات اللوند ودارت المعركة في (تل اسود )على طريق الخالص انسحب فيها عجم محمد واستجار عند امير الفيلية (اسماعيل خان ) وخدمه الحظ وكرر هجماته على بغداد عدة مرات بإسناد القوات الإيرانية وبدأوا بمهاجمة القرى والمدن الصغيرة والتنكيل بالقوات العثمانية واستمرت هذه الحال حتى تولى الباشوية سليمان باشا الكبير الذي هزم عجم محمد في معركه شمال جسر ديالى وتمكن من تدمير قواته وانسحب عجم محمد الى ايران ولكنه ظل يرنو الى بغداد موطنه الثاني , وبعد مكابدة لوعة الاشتياق اليها , قرر الدخول الى محيط بغداد متخفيا ونزل دخيلا عند الشيخ سليمان الشاوي فقبلها ووصلت الاخبار الى بغداد ومن ثم الى الوالي الذي ارسل (احمد بن الخربنده ) ليأتي بهما مكبلين ولكنهما هربا وما كان من عجم محمد الا الهرب الى مصر ومات فيها , فضل الموت في ربوع البلاد العربية ولم يرجع الى بلاد اسلافه ومع ذلك يبقى عجميا اجنبيا ..؟!
وليت هذا التشدد الطائفي و تلك العنصرية المقيتة طالت الاتراك ورعاياهم من شذاذ الافاق وقطاع الطرق ومرتزقة الاصقاع الاجنبية البعيدة ..؟!
(7)
عبد الرحمن السويدي واستخدام التوصيف السلبي
هؤلاء المنكوسون يستخدمون التوصيف السلبي كأداة استراتيجية مهمة للغاية ؛ فهم حينما يصفون هذه الشريحة او تلك الطائفة بالموبقات والمثالب والترهات , فإن الغاية منه هو لتكوين رأي عام و سلوك جمعي يضيق أفق التشخيص الواقعي والعلمي في تحديد هوية وسمات تلك الشريحة او الفئة او المكون الاجتماعي الفلاني , بحيث لا يرى ذلك المكون ولا تعرف تلك الطائفة إلا من خلال ذلك التوصيف السلبي المشوه , فهم يعملون على الصاق النعوت الكريهة والصفات المقززة بالفئة المستهدفة من خلال البهتان والافتراء والتدليس والاشاعات وخلط الاوراق والاعلام المزيف ؛ للإطاحة بذلك المكون الاجتماعي واسقاط سمعته وحجزه عن باقي المجتمع وتطويقه بجدار نفسي يعزل بينه وبين المجتمع لمنع التأثر به أو التأثير فيه .
ولعل اغلب حالات النبز والاتهام التي مارستها الفئة المارقة والاقلية الهجينة كانت عبارة عن اسقاطات نفسية , وكما هو معلوم يعد الاسقاط من الحيل النفسية الدفاعية , فالدخيل عندما يتهم الاصيل يضرب عصفورين بحجر , وهؤلاء المنكوسون يعرفون جيدا ان الهجوم نصف المعركة بل هو الدفاع الحقيقي , فهم عندما يتهمون الاغلبية العراقية بالموبقات والخزعبلات , يهربون من الصراعات النفسية وضبابية الهوية الجمعية المجهولة , ولإلهاء الاغلبية العراقية بالرد والدفاع , بينما يتم التستر على اصولهم الاجنبية وجذورهم الغريبة .
وقد ظهر الحقد العنصري والطائفي للشيخ عبد الرحمن جليا من خلال وصفه عجم محمد بأقسى الالفاظ وانكر الالقاب ؛ مثل : (( الرجس الخبيث ، والكلب ، واللئيم , و الفاجر الماكر , والظالم الغادر , من اقبح اهل فارس عشيرة – علما انهم على الاعم الاغلب لا ينتسبون الى العشائر وعجم محمد من الذين لا ينتسبون للقبائل – , ... الخ ))
بل وصل به الحقد الاعمى والتعصب العنصري الى نعت البغداديين من سكان المحلات المؤيدة ل عجم محمد بأبشع النعوت بالرغم من كونهم من الطائفة السنية ؛ واليك بعضا من توصيفاته المنكوسة : ((...فأعطاهما لهذا الفاجر اللئيم ، وكان معه عصابة من الانذال ـ عصب الله رؤسهم بالخلان ـ وطائفة من السفلة ـ طافت عليهم كؤوس الحرمان ـ قد اشتهر في البلد نفاقهم ، وطال في سوق الباطل نفاقهم ، فجزاهم الله عنا تصحيف الجزاء ، وجزعهم مقلوب الرخاء ، ... )) و : (( ... وكم امتطوا صهوا حصانة وحصان ، وافترعوا اخباب ودنان ، وكم خلعوا العذار بين باطية وقحف ، وهتكوا الاستار في سفاهة وسخف ، وكم استنطقوا الزاهر واللاهي ، وكم ارتكبو المزاجر المناهي ، وكم كثروا عن اصحاب الاوتار عشقاً لها وحباً ، وسبحوا عند معاقرة العقار تعجبنا منها وعجباً , وداموا على هذه الملاهي عاكفين ، و البصرة في ايدي العجم ...)) يتضح لنا ومن النص السابق انه اتهم البغداديين باللواط وفعل المنكرات والتلبس بالموبقات , وان توجعه على وقوع البصرة في قبضة الايرانيين لعله اشد من تألمه على فعل كل الكبائر والمنكرات كما يدعي , وهذه سيرة وحقيقة كل عثماني , فهو وامثاله من بقايا ولقطاء العثمنة لا يطيقون اسم ايران او العجم او الشيعة مطلقا ويرفضون كل تقارب او تفاهم يؤدي الى حقن الدماء او تبادل المصالح والمنافع بين المسلمين او بين الايرانيين والعراقيين , واليك نص كلامه : (( ... , مع انا ببركة وجود هذا العلج اخوة مع العجم , ... )) اذ انه يعتبر حالة التقارب بين الشعبين مصيبة كبرى وطامة عظمى تعرض كيانهم اللقيط للخطر , و تهدد وجودهم الغريب الطارئ في بلاد الرافدين التي تربطها ببلاد فارس اواصر كثيرة حضارية و علاقات متشابكة تاريخية كما هو الحال مع سكان سوريا و عرب الجزيرة .
و : (( لأني لما جئت من البصرة الى بغداد من العجم هارباً ، والى رؤية اصحابي واحبابي راغباً ، رأيت احبابي قد ابادهم الطاعون واباد معهم سائر اهل الفضل ، فلم ارى فيها الا كل تيس ارقط اشمط ، وكل ذئب امعط امرط وتنين حشوة لؤم وشؤم ، وثور ينطح بخرطوم ، وطويل اضعف من ثمامة ، وطبعه اشرد من نعامة ، فلم ادرى اهم ذئاب زانتها اسلاب ؟ ام كلاب عليها ثياب ؟ ام طلول خاوية ؟ ام طبول خالية ؟ لانهم اخف من الهواء ان وزنوا عقلاً ، وارسى من الجبال ان امتنحوا ثقلاً ، فآثرت مذهب العزلة والانفراد ، واخترت طريقة النأي والبعاد ، وعقدت في البيت وحدي ، واشتغلت بالكتب التي عندي ...))
انظر ايها العراقي والبغدادي المحترم الى هذا الشيخ المنكوس كيف يصف البغداديين بهذا الكم الهائل من الاوصاف القبيحة والتي تكشف عن قبح داخله وسواد قلبه وامراض سريرته فما هي الا اسقاطات نفسية تكشف عن صفاته هو لا صفات الشعب البغدادي وقتذاك , وهذه الشرذمة الغريبة لا زالت متمسكة بهذه النظرة الدونية عن العراقيين وسيمر عليكم في الحلقات القادمة كيف وصف الشاعر معروف الرصافي العراقيين ... .
و : (( ... ، هكذا اكثر النفاق عندنا بحيث يصلهم كل ما يصير عندنا ولا يصلنا منهم الا القليل ، لان الناس في هذه الفترة ـ الا من عصم الله ـ قد صاروا مدخولين منقوصين ، فقائلهم باغ ، وسماعهم غَيَّاب ، وسائلهم متعنت ، ومجيبهم متكلف ، ومستشيرهم غير موطن نفسه على انفاذ ما اشار به عليه ، ومستشارهم غير مأمون من الغش ، يتقارضون الثناء ويتقربون الدول ، يكاد احزمهم رأيا يلفته على رأيه ادنى الرضى وادنى السخط ... ))
اتهم الناس كلهم بالنقص والبغي والتعنت والغش ... الخ ؛ الا القلة الطائفية والشرذمة العنصرية من امثاله فهم مبرؤون من كل العيوب , وقد اشار الى نقطة تكشف حقيقة وضعهم الاجتماعي اذ اقر بأن اخبارهم تصل الى جماعة عجم محمد , وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على مقبولية وجماهيرية عجم محمد حتى بين اهالي الكرخ واختراق صفوف الكرخيين من قبل جماعة عجم محمد المتماسكة ؛ اذ ذكر في محل اخر من كتابه ما يؤكد ذلك , فقد قال : (( ... ، ومع هذا فالمنافقون الذين هم معنا يراسلونهم خفية واخبروهم بجميع ما يتجدد عندنا , ... )) , ولم يتحقق النصر لهذه الشرذمة على الجماهير البغدادية الا من خلال الاستعانة بالقوات الاجنبية التركية وهذه السيرة الخسيسة سوف تستمر لبقايا هذه الشراذم في العراق ما لم يتم القضاء على فلولهم وتحجيم ادوارهم واقصائهم عن مواقع الحكم والمسؤولية , فلا مكان للخونة والعملاء والدخلاء بيننا أيا كانوا ولا عيش للمتعاونين معهم , و المطبلين والمزمرين لهم , والذين يتغنون بجرائمهم المخزية ، والمروّجين لسياسات الانظمة الطائفية المنقرضة والعنصرية المنكوسة المقبورة ... , و من لم يعجبه العيش في العراق الذي أكل من خيراته هو واجداده الطارئون ، وتربى على أرضه وبين اهله الاصلاء ، وتعلم في مدارسه وتبوءا المناصب فيه ، وتشرف بحمل جنسيته العظيمة ، فليبتعد بشروره عن ديارنا وأهالينا ، وليرحل إلى حيث موطن اجداده الدخلاء الغرباء ، او اللجوء الى سفارات العمالة والخيانة .
و : (( ... , ، واعطى من الجهات والوظائف لمن حسن سيرته ومدحه من منافقي اهل بغداد ومتفقهة اطراف الميدان الذين مرقوا من الاسلام مروق السهام ، وارتكبوا لموافقة هذا الرجس الخبيث المناهي العظام ، واباحوا له قتالنا وان ينهب اموالنا ويأسر اولادنا وعيالنا ، ولم يشعروا ـ قاتلهم الله ـ ان دون ذلك حرب البسوس وازهاق النفوس ، وهؤلاء الفسقة الفجرة يعرفون يقيناً كما يعرفون ابناءهم ، انا احق منهم كيف تأملوا وتدبروا ، ولكن حبهم للدنيا الجاهم الى الخروج عن ملة الاسلام ـ عافانا الله عن ذلك ـ حتى ان بعض تزيا بزي العلماء ـ وهو بعيد عنهم بمراحل ـ كان يضرب ايام الفتنة على كتف هذا الخبيث ، ويقول له : انت نور الله ( وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون) ، والاخر كان يقول : محمد بيك باشا بنص البخاري ، لان فيه حديثاً عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ان الباشا اذا مات صار كخية بدلاً عنه ، والاخر كان يطوف على عسكرهم في المتاريس ويقول لهم : اخواني قاتلوا ائمة الكفر فانهم لا ايمان لهم ، والاخر كان يجلس عند سليم ويفتي بكفرنا ، مستدلاً بان هذا الرومي من اولي الامر وقد خالفناه ، وهو عالم بان لو خالفنا السلطان نفسه بقصدنا هذا لم نكن كفاراً ولكنه حملته محبة الدنيا على ان كفرنا وكفر بتفكيرنا فلعنهم الله لعنة تستأصل اصولهم وفروعهم وحواشيهم ، ونكبهم نكبة تذهب اموالهم وذراريهم ومواشيهم ، آمين .))
بلغ به التخندق الطائفي والعنصري والمناطقي حد اتهام رجال الدين من ابناء طائفته , وهذا يكشف ايمانه بالمقولة الطائفية والعنصرية المنكوسة والشهيرة : (( من شك بكفر الرافضي فهو كافر )) فأي شخص يحاول التقرب من الايرانيين او المسلمين الشيعة او الاغلبية العراقية او يمد يد العون لهم او ينصفهم ؛ يتهم بالكفر والردة والعمالة والعجمة والمجوسية والصفوية والشعوبية ... الخ , والدليل على ذلك ان الشيخ عبد الرحمن حكم بخروج البغداديين من ملة الاسلام لا لشيء الا لانهم فضلوا حكم عجم محمد البغدادي ذو الجذور الفارسية على المملوك اللقيط اسماعيل اغا ذي الاصول اليهودية او المسيحية او المجهولة ...!!
وقد تفوه في محل اخر بما يؤكد ذلك : (( ولكن سبحان الله آغات الينكجرية واهل الميدان واكثر اهل المهدية ومحمد الفضل وجميع القراغول سنةُ بلا شبه فكيف يرضون بذلك ؟ فلعل تعصبهم وكثرة بغضهم لنا اداهم الخروج عن الاسلام ..)) فها هو يعترف بأن سبب خروجهم من ملة الاسلام كما يدعي هو تعصبهم ل عجم محمد وبغضهم لاتباع المملوك اللقيط اسماعيل اغا .
اما بخصوص استخدام وتوظيف النصوص الدينية للأغراض السياسية فهذا الامر معروف ومشهور بين وعاظ السلاطين ورجال الدين المنكوسين , اذ طالما استخدمت الشرذمة المارقة النصوص الدينية لضرب المسلمين الشيعة وقمع الاغلبية العراقية , واني لأعجب من الشيخ عبد الرحمن الذي يعير رجال الدين البغداديين بهذا الامر وهو يسير على نفس النهج الاعوج والطريق المنكوس , وماذا ينتظر المرء من اشخاص - يدعون الاسلام - كانوا يعتقدون ان سب الامام علي على المنابر يعتبر عبادة .. ؟!
وقد ختم الشيخ السويدي كلامه بالدعاء على البغداديين بالويل والثبور وانزل عليهم اللعنات وطلب من الله ابادتهم واستئصال ابنائهم واحفادهم وذهاب اموالهم وتخريب مساكنهم , هذا وهم ابناء جلدته كما يدعي وينتمون لنفس طائفته كما يظهر , فما بالك بالأغلبية العراقية التي تختلف معه اختلافا كبيرا ..؟
وبعد الذي مر عليكم انفا لا تستغربوا من الخطابات الطائفية الارهابية او الشعارات المذهبية الاجرامية او حفلات قطع الرؤوس وسلخ الجلود وتفخيخ الاجساد العراقية الطاهرة وجرائم الاغتصاب والسبي والنهب والسلب وايواء شذاذ الافاق من المجرمين والسفاحين والقتلة المأجورين .
و : ((واما هم فمن رؤساءهم الى سفلتهم كلهم فجرة يشربون الخمر اكثر من الماء حدثني من دخل على الرومي من رسلنا ـ ومجلسه غاص بالناس ـ انه قال : شممت رائحة الخمر من الطريق قبل دخولي ، فلما دخلت عليه كدت اسقط من رائحة الخمر ... ))
لأول مرة اسمع بشخص يكاد يغمى عليه لا لأنه احتسى الخمرة بل لان الشخص الذي امامه هو من شربها ..!!
و : (( ... , فالحمد الله الذي اكمد اعدائنا الذين اضمروا لنا مضرة ، وتركهم في حسرة غب حسرة ، يعضون بأنيابهم كل غائط ، ويضربون رؤسهم بكل حائط ، قد سلب الله نعمتهم حيث لم يكونوا اهل للنعم ، وفرق كلمتهم وتركهم هدفاً لسهام النقم, ... ))
لاحظوا مدى انحطاط مستوى الشيخ السويدي الاخلاقي وانحدار الفاظه السوقية , اذ يصف القوم بأسلوب سوقي بذيء منحط للغاية - ( يعضون بأنيابهم كل غائط ) - ؛ والغريب ان اغلب ساسة الفئة المارقة والشرذمة الهجينة يستخدمون الفاظا نابية وكلمات بذيئة حتى في الدوائر الحكومية بل امام شاشات الكاميرات احيانا والشواهد على ذلك كثيرة جدا ؛ وكما قيل ان الاناء ينضح بما فيه , فاللغة الهابطة تليق بأمثال هؤلاء اللقطاء اولاد الشوارع من بقايا العثمنة .
و : (( ... ، وأمر اتباعه ـ اولياء الشيطان واشياعه ، ابناء الرعيان ـ بشن الغارات في السبل على السوابل ، وقطع الطريق على الرسل والقوافل , ... ))
ولعل عبارة ( ابناء الرعيان ) اشارة الى القبائل العربية العراقية المؤيدة ل عجم محمد وقتذاك , وقد وصفهم بكونهم اولياء للشيطان ومن اشياعه , وحصر طاعة الرحمن به ومن على شاكلته من مرتزقة الاحتلال التركي الغاشم ؛ فها هو يمتدح عشيرة العبيد لانهم كانوا مثله يؤيدون الدولة العثمانية التي يعتبرها الممثل الحقيقي للإسلام كما يدعي , اذ قال : (( لم يزالوا ينصرون دولة الاسلام غير متعرضين لجزاء ، ولا مترقبين لحمد وثناء ، فلذلك كان باقياً على كرور الايام ذكر مناقبهم ، وكانت بادية للعيون حميدة أفعالهم وصحة مذاهبهم ، لا يحبهم الا من سلم من نفاق دينه ، وانطوى على حب الاسلام وناصريه يقينه .))
وبما ان المحتل الاجنبي لا امان له ؛ اندلعت فيما بعد معارك ضارية بين العثمانيين واتباعهم وعشيرة العبيد بزعامة سليمان بيك الشاوي ؛ ولا أدري عندها ما قال الشيخ عبد الرحمن بهذا الشأن ؛ هل ترحم على الطرفين القاتل والمقتول كالعادة , ام انه فضل العثمانيين على العراقيين كما هي سيرة اسلافه ؟! .
و : (( وارسل البيك ممن سلم من المفسدين الى بغداد نحو مائتي اسير ، فامر الوزير المنصور بقتل سبعة كانوا من عتاة المسلمين ومن على الباقين بالإطلاق ، ولما دخلوا بغداد كان الموت اولى لهم ، عراة حفاة بين صفح وضرب ونخس ، وللأولاد خلفهم صياح ، وهو يركضون كطير ذي جناح ، فالحمد لله الذي اعز الدين ، وأضل المفسدين ، ... ))
السويدي عبد الرحمن انتشى فرحا عندما انتصر الجانب العثماني وهزم البغداديون , وراح يصف لنا حالة الرجال البغداديين الحفاة العراة الذين تعرضوا للضرب والركل والسحل واطفالهم وذراريهم خلفهم يبكون ويصرخون , وبعد ان انهى وصفه المقزز حمد الله وشكره على ما حل بالبغداديين من ويلات ونكبات ومهانة على ايدي مرتزقة العثمانيين الاجانب .
و مما وصف به البغداديين ايضا : (( الفجرة , والمنافقين , و الاوباش , الاعداء – اذ قال : (( ولم تشعر الاعداء الا بالمسلمين بينهم فأنهزموا )) اذ وصف اهل محلته بالمسلمين مما يعني ان الاعداء من البغداديين الاخرين كفار ..!! , وقال بحق اهل الميدان : (( واهل الميدان على ضلالهم )) , ومما قال بحقهم ايضا انهم كالأنعام بل هم أضل .
(8)
عجم محمد وتاريخ عبد الرحمن السويدي
من الصعب اقرار العدو بمناقب خصمه او انصافه ؛ وافواه القوم لم تتعود قول الحق وتحري الصدق لاسيما اذا كان الامر يتعلق بالدين او السياسة او الحرب ؛ فعندها يصبح الكذب والتدليس والدجل والتزوير خدعة , والحرب خدعة , ولعل عورة ابن العاص شاهد على هذا النهج الاعوج .
وها هو الافاك ابن سند يخصص فصلا كاملا من تاريخه عن عجم محمد ومما ذكره : (( انه نال الحظ لدى الحكام عن طريق القوادة على اختيه ...)) ؛ هؤلاء المنكوسون اعتادوا الصاق التهم الجاهزة ضد خصومهم فجميع التهم التي وجهت من قبلهم للإيرانيين والمسلمين الشيعة والاغلبية العراقية هي تهم ملفقة وعارية من الصحة .
واليكم تقييم الشيخ عبد الرحمن لشخصية عجم محمد وسرد تاريخه الشخصي كما يدعي : ((ولكنه لما اجتمع عساكر عمر باشا كان من جملتهم عجم محمد وهو رجل من العجم والان له اخوان عند كريم خان ، وجاء الى بغداد ، وكان معه والدته واختاه ، وهن رقاصات يرقصن عند نساء الاكابر ، وهو صغير لا نبات بعارضيه ، قيل انه كان يكتسب بالمؤآجرة ، يؤآجر نفسه لمن اراد ، وكان اذ ذاك امرد جميلاً ، وكان مجيؤه الى بغداد في ايام المرحوم سليمان باشا فأقتدر من التمويه على عقد لو اجتمعت السحرة لاعيتهم الحيلة ، ولو حشر المردة على فلها لاعمتهم مكايده العريضة الطويلة ، قد ارتكب من الشر ما لا يتحلى بمثله من له من الحياء في وجه نضارة ، ومن النفاق ما لا يرضى باستعماله من في مولده طهارة ، ومن التملق ما جاوز الحد وتعدى من التودد الى السخرية ، ومن التصوف بالباطل م لا يعتقده الا الانفس الخسيسة الغبية ، مع طبع رديء يزداد على مدى الايام كدورة ، وخلق دني لو بث جزء منه على الارض لملأها وعورة ، فلو غاص الشر الى بطن السمك لا شتشهل خلقه مغاصاً ، ولو ارتقى الى الفلك لما وجد عنه خلاصاً ، فليت شعري بأي شيء اغتر وحاول الوزارة ، وعلى اي كمال اتكل وطلب لنفسه الصدارة ؟ ابالنسب ؟ فوا الله ما ضرب فيهم كريم قط عرقاً ، ام بالأدب ؟ فوا الله مل يفرق بين سليم وسقيم فرقاً ، ام بالصيانة ؟ فوا الله لو قطع اربا لما وجد في باطنه غير الحريف والتزوير ، ام بالديانة ؟ فوا الله لو نتف سباله طاقة لما شم منه غير رائحة الخمر والخنزير ... ))
انظر الى هذه الاوصاف المتناقضة والتي يكذب بعضها بعضا والى الكم الهائل من الافتراءات وسجع الترهات ؛ فقد زاد هذا السويدي في الطنبور رنة , فابن سند على تعصبه ادعى انه مارس القوادة على اختيه فقط , اما هذا الشيخ الافاك والذي لا يستحي من التفوه بهذه الكلمات البذيئة , فقد اتهم امه ايضا بل وصيره مأبونا ينكح باجر كالعاهرة , علما ان القران يكنى ولا يتحدث عن العورات بصورة سمجة كما يفعل الشيخ السويدي ومن المفروض انه رجل دين وخلقه خلق قراني كما يدعون ؛ ولعل الشيخ عبد الرحمن ربيب العثمانيين ينطبق عليه المثل الشعبي الدارج : (( ذب عارك على جارك )) اذ انه اشار في كتابه الى موضوع الغلمان وشعور الفرح الذي غمره عندما شاهد الغلمان والجواري , فالظاهر ان هذا الموضوع يحتل مساحة واسعة من تفكيره ولا وعيه , و قد تظهر رغباته المكبوتة وتنكشف من خلال التفوه بهذه الكلمات والشطحات , وبما انهم يدعون الانتساب الى الناصبي المتوكل العباسي فلا بأس بذكر شيء من مثالبه بخصوص هذا الموضوع والتي غابت عن ذهن الشيخ السويدي الذي يحاول ان يرمي الناس بالحجر وبيته من زجاج ؛ فقد كتب محمد بن عبد الملك الزيات إلى الواثق وكان وزيره : إن جعفرًا ( يعني المتوكل ) أتاني في زي المخنثين له شعر بقفاه يسألني أن أسأل أمير المؤمنين الرضى عنه فكتب إليه الواثق : ابعث إليه فأحضره ومر من يجز شعر قفاه فيضرب به وجهه ، فلما أتاه استدعى الواثق حجاما فأخذ شعر المتوكل ثم ضرب به وجهه .
ولعل الدليل على تخنثه عدم رضا أخيه عنه وغضبه عليه , والذي يدل على انه يأتي أمورا عظاما كلبسه زي المخنثين والتشبه بهم ، كما أن المتوكل كان يميل إلى مجالسة وتقريب المخنثين امثال :
- المخنث ( عبادة ) : وكان عبادة هذا يشد على بطنه مخدة ، ويرقص بين يدي المتوكل ، والمغنون يغنون : أقبل البطين ، خليفة المسلمين - وهم يعنون عليا أمير المؤمنين والعراقيين - ، والمتوكل يشرب ويضحك .
- المخنث ( علي بن الجهم ) : وكان يبغض الامام عليا ، وكان ابن الجهم هذا مأبونا ، سمعه أبو العيناء يوما يطعن على الإمام علي ، فقال له : إنك تطعن على الإمام علي ، لأنه قتل الفاعل والمفعول من قوم لوط ، وأنت أسفلهما .
واني لأظن انه مثلهم وعلى شاكلتهم فهو مخنث مأبون وقد عده البعض من مشاهير المثليين وعشيقه اسمه شاهك ، فالطيور تقع على أشكالها ، وجاءت روايات دينية بهذا الخصوص نسبها العراقيون الى ال البيت , ومنها : (( لا يحبنا أهل البيت ذو رحم منكوس )) قيل : هو المأبون لانقلاب شهوته إلى دبره .
وفي رواية : (( لا يحبنا أهل البيت الخيعامة )) قيل هو المأبون ؛ وهذه الروايات المنسوبة لآل البيت لعلها لا تكشف الحقيقة بقدر ما تبين لنا مزاج العراقيين العام ومعهم شيعة الامام علي في رفض خط النواصب وتسفيهه والحط من شانه وتنفير الناس منه ؛ فمما لا شك فيه انه ليس كل مثلي يكره ال البيت واتباعهم وليس كل سوي يحبهم او يتبع اعداءهم ان قلنا بان المثلية مرض او انحراف عن الطبيعة كما يذهب البعض لذلك ؛ و موضوع المثلية الجنسية موضوع شائك وله جوانب عديدة لا يسعني الوقت أن أتناولها في هذا المقال ولست بصدد معالجته او تفكيكه او تحليله بقدر ما يهمني تاريخ هذه الشرذمة والتناقض الحاصل بين اقوالهم وافعالهم ؛ حتى مثليتهم تختلف عن مثلية الاوربيين , فالعثماني يغتصب الغلمان بالقوة ويسرقهم من اهاليهم بينما الأوربي قد يتفق مع الاخر البالغ و بالتراضي وطبقا لقانون بلدانهم ؛ فشتان ما بين الاثنين ؛ فهؤلاء المنكوسون ابناء اولئك الشاذين كل ما يفعلونه قبيح ومقزز : ديانتهم ارهاب وذبح وقتل , وعلمانيتهم شعارات فارغة وتطبيق مقلوب , حتى مثليتهم تختلف عن مثلية باقي العالمين .
وكان المتوكل سليط اللسان قذر المنطق لا يتوانى عن شتم فاطمة الزهراء بنت النبي محمد ، مبغضا للمسلمين الشيعة والاغلبية العراقية ، فقد روى الطبري في تاريخه: أن أبا السمط دخل يوما على المتوكل ، فأنشده قصيدة ذم فيها الشيعة ، فعقد له على البحرين واليمامة ، وخلع عليه أربع خلع ، وأمر له بثلاثة آلاف دينار ، نثرت على رأسه ، وأمر ابنه المنتصر أن يلتقطها له .
وفي عام 236 هـ (850 م) - وقيل في عام 237 هـ - أمر المتوكل بهدم قبر الإمام الحسين بن علي ومحو أرضه ، وإزالة آثاره ، وجعل عقاب من يزوره القتل ، وهكذا بعث المتوكل أحد رجاله، ويدعى الديزج أو الذيرج و كان يهوديا لهدم قبر الإمام الحسين ، فامتنع الناس عن ذلك ، اضطر هذا الديرج إلى أن يحضر قوما من اليهود ، فكربوه ، وأجرى الماء من حوله ، ووكل به مسالح بين كل مسلحتين ميل ، لا يزوره زائر ، إلا أخذوه إليه .
هذا الذي لو تتبعت كتب القوم لوجدتهم يصفونه بأنه : ( محيي السنة ومميت البدعة ) ، أو (الناصر للسنة قاهر البدعة ) !! ، ولا أعرف أي سنة أحياها ألا سنة القتل والتعذيب - والخمر والرقص والطرب الذي يدعون تحريمه ومجانبته - ومرافقة المخنثين وسب علي وفاطمة وحرث قبر الحسين وقتل زواره وتشريد الشيعة وتتبعهم تحت كل حجر ومدر.
لقي هذا المتوكل مصيره جزاء عدائه لآل البيت وقتلهم وشيعتهم ومحبيهم من العراقيين والمسلمين ، فلم يمض وقت حتى لقي مصرعه في ثالث أيام عيد الفطر عام 247 هـ (861 م) ، وهو في لهوه وشرابه بين ندمائه ومغنياته ، وعلى يد أقرب الناس إليه ، ولده المنتصر بالله .
و قال ابن الاثير في الكامل في التاريخ ( 6/ 109( : فكان هذا من الأسباب ( يعني سب فاطمه ) التي استحل بها المنتصر قتل المتوكل .
وقد صبوا الرصاص في دبره ولعلها اشارة الى ما كان يفعله ... ؛ ناهيك عن قصص لواط الاتراك والمماليك والوهابية والدواعش فهذه القصص اشهر من نار على علم ؛ فمن المعروف عن العثمانيين شيوع الممارسات الجنسية بين الرجال البالغين والصبيان المرد والغلمان (الحلوين ) فيما بينهم وتفشي هذا الامر في ثقافتهم , ولعل ظاهرة غلمان كوشيك معروفة , فقد كان يتم انتزاع غلمان كوشيك و هم اطفال صغار من ابائهم غير المسلمين , اذ يتم أسرهم كضريبة تعرف بـ ( ضريبة الدم ) , و يبدا تدريبهم على الرقص ابتداء من سن السابعة , و تكتمل مرحلة التدريب بعد ست سنوات , و كانوا يتزينون بوضع مساحيق التجميل و ارتداء الحلي والجواهر ؛ وقد رقص هؤلاء الغلمان في اجواء احتفالية , بمناسبة ختان ابناء السلطان العثماني أحمد الثالث سنة 1720 م , وفي سنة 1805 م كان هناك اكثر من 600 من غلمان - الكوصيك او الكوشيك (Köçek) - في حانات عاصمة الخلافة العثمانية , وقد انتشرت المثلية الجنسية في المجتمع العثماني انتشارا واسعا وكبيرا بل اصبحت أمرا مألوفا مما دفع السلطان عبد المجيد الأول الى الغاء عقوبة اللواط سنة 1858م .
ونرجع الان الى الاوصاف التي اطلقها على عجم محمد , فمن خلال كلامه عرفنا ان اخوي عجم محمد من حاشية الملك الايراني , وهل يعقل لمن كان اخواه من اعوان الملك ان يتركاه يمارس القوادة على امه واخواته ؟؟!!
ومن المعروف عن الايرانيين انهم يعتمدون الطبقية في تسنم المناصب الحكومية فلو كانت عائلة عجم محمد من العوائل البسيطة او المغمورة كما يدعي الافاك السويدي لما قربهم الملك الايراني كريم خان .. .
وقد وصفه بكونه امردَ جميلا مما يدل على مراهقته وصباه ومع ذلك يصفه بالمكر الكبير الذي تزول منه الجبال ولا تستطيع السحرة ابطاله , بحيث يستطيع هذا الفتى الذي لا يميز بين السقيم والسليم كما يدعي من ان يتقرب من الحكام والموظفين بل ويمتلك قاعدة شعبية كما سيأتي .
وقد نبزه بالتصوف ومن الواضح ان التصوف العثماني ما هو الا بضاعة الاتراك واتباعهم وازلامهم وغلمانهم , فالسويدي يعيب نفسه واهله وبنيه من حيث لا يشعر , و لقد كانت شهرة الصوفية العثمانية والمتصوفة الاتراك ورعاياهم في هذا المجال مما لا يحتاج إلى عناء في إثباته ؛ وقد اعترض البعض على المتصوف أبى الحسين بن يوسف وكتبوا له رقعة : (( إنك تحب غلامك التركى ..)) ، فقرأ الرقعة ، ، ثم استدعى غلامه فقبله بين عينيه، وقال : هذا جواب الرقعة ... .
والشيء بالشيء يذكر , ان صدام عندما كان مراهقا يتيما قد هاجر الى بغداد بعد حياة مضنية وشاقة قضاها في قرية العوجة وتعنيف مستمر له من قبل غلاظ القرية اللعينة لاسيما زوج امه , مما دفعه الى ممارسة اللواط مع عصابة بغدادية معروفة , وكل كبار السن من اهالي بغداد وتكريت يعرفون هذه الحقائق الا ان اغلبهم قد تم تصفيتهم او اختفوا اولم يتكلموا قط خوفا من بطش صدام فيما بعد , وكان صدام ( الحلو او المأبون ) التابع للشقي البغدادي المدعو جبار كردي , وبعد صعود نجم صدام في السلطة ؛ أمر المدعو جبار كردي بتصفية كل افراد العصابة الذين مارسوا الجنس مع صدام سابقا عندما كان مراهقا غريبا مشردا في شوارع بغداد ,وبعد ان قام جبار كردي بتصفيتهم جميعا واخفاء حقيقة الميول الجنسية المثلية لصدام , تمت تصفية جبار كردي اخر الرجال الذين مارسوا الجنس مع صدام في منطقة الكرادة الشرقية مع ابن اخته جاسم .
واليكم هذه الرسالة التاريخية التي بعثها عقيد متقاعد سابق يدعى رياض آل شليبة والمقيم في ولاية ميشكان الأمريكية رسالة إلى الغجرية المجرمة (رغد) ابنة صدام عنوانها الى (...) رغد ابنة الرئيس .. هكذا نشأ الوالد الحنون ؛ والتي تتطابق تماما مع قصص وحكايات وروايات الشهود العيان من البغداديين القدامى كأهل الشواكة وعلاوي الحلة وغيرهما ممن ادلى بشهادته سرا للثقات ؛ وهذا نصها :
(( هذه هي نشأة والدك الحنون والرؤوف والطيب اليتيم والتي هي جزء من الشعور بالنقص والعار من السنوات الاولى لحياته ، ان هذه الحقبة الزمنية من نشأة والدك ومنذ ولادته الى يومنا هذا وعبر مراحل حياته وما فيها من ذكريات لم يتح لك التعرف عليها منذ ولادتك وحتى كتابة هذه السطور مما جعلك تعتقدين انك من سلالة الانبياء والملوك والامراء ولتقولي ما تقولي عن العراقيين وتصفينهم بالغدر والخيانة وعن الجندي العراقي بانه هرب ولم يقاتل متناسية بان والدك واخوتك هم اول من هرب من القصر وبعدها هربوا من بغداد ولو كان لهم مأوى خارج العراق لهربوا له، ولو تعلمين كم اعدم من الجنود العراقيين في قادسية والدك المشؤمة بمجرد ان يترك الموضع الدفاعي ولو لعدة امتار وتعتبر خيانة كبرى .
كان الاجدر بابيك واخوتك وعشيرتك اذا كان لهم ذره من الشرف العربي او الوطني ان يدافعا عن القصر الجمهوري وعن بغداد ولا يخرجوا مذعورين هاربين متخفين في البيوت وكانوا عرضة للبيع ليحصل بهم ربيبهم الزيدان ثلاثون مليون دولار !.
ولنعود لنشأة والدك الحنون... ان اكثر العراقيين وخاصة مثلث تكريت الرمادي يعرفون ان حسين المجيد الذي ينتمي الى عشيرة البو ناصر ليس هو الاب الشرعي والحقيقي للوالد صدام ولا يشك اثنان وخاصة من ابناء تكريت والمترددين عليهم من الرمادي والمناطق المجاورة من ان هذه القصة حقيقية وقد رواها لي احد اصدقائي سنة 1978عندما كنا نعمل سويا وهو الاخ (خضير مخلف الجوزة) وهو من ابناء الرمادي حيث كان والده يشتغل بتجارة الزيوت والتمور بين الرمادي وتكريت في زمن مولد صدام وبعدها، وقد حدثه والده بقصة مولد صدام وهو لا يقصها الا لمن يثق بهم ثقه مطلقة وانا اول مرة اذكر اسم هذا الشخص لان الخطر لم يعد موجودا بعد زوال النظام وتنفس الحرية.
ان اول العقد النفسية في شخصية والدك وكثير ما يعاني منها هذه القصة المعروفة عندما كانت والدة ابوك الحنون تعمل خادمة في بيت احد التجار ومن اصدقاء جدك خيرالله طلفاح.
وحدث لها من هذا التاجر ما حدث ويقال انه يهودي فزوجوها من حسين المجيد ذلك الرجل المسكين المهبول وعندما وجد مالا يريده ولا يرضاه اخذ يتمتم ويهمهم وشاع الخبر ولزم التخلص من المشكلة فقتل المسكين حسين المجيد ، قتله اخو خيرالله طلفاح ليتخلصوا من هذا العار ومن هذه الفضيحة وبعدها يولد صدام, وتتزوج امه من ابراهيم الحسن (الملقب بالزكلبي) ويعيش اليتيم بكنف الزوج الجديد الذي كان يكرهه كرها شديدا ولقب الزكلبي هذا مأخوذ على ابراهيم الحسن لأنه يتقلب على النساء.
وعند بلوغ صدام 12 عام سمع من الصغار في الملعب ان اباه قتله خاله وووو فما كان من هذا الشقي الصغير الا ان يقتل خاله قاتل اباه وبذلك احس الخال الثاني خيرالله طلفاح بهذا الخطر وشقاوة هذا الصبي فاستقدمه الى بغداد وهنا تبدا المرحلة الجديدة في حياة اليتيم الشقي وهذه الصورة الحقيقية والواضحة لنشأة ابوك الصبي في بغداد والمعروفة بالأخص لدى سكان منطقة التكارتة في جانب الكرخ حيث تعرف على مجموعة من النشالين واصحاب السوابق وقطاع الطرق ومحترفي مهنة اللواط ... ويلتقون في مقهى صغير في منطقة قريبة من سينما بغداد مقابلة لمطعم باجة ابو طوبان وعمل "ِسكِن" مع السائق كريم لعابه في احدى الباصات الخشبية على خط علاوي الحلة - رحمانية والى مدينة الكاظمية وكان هذا السائق من اشهر المنحرفين في بغداد في ذلك الوقت وحكاية ابوك اليتيم في كراجات ومقاهي علاوى الحلة تعد من الحكايات المثيرة في الشارع البغدادي...
ان الجانب الكبير من الأحداث والشواهد معروفة في بغداد وفي نطاق واسع وبالأخص في منطقة الكرخ فسكان تلك المنطقة يعرفون ويتذكرون الحادثة الشهيرة للعصابة المعروفة عندما اعتدوا بالهجوم والضرب بالسكاكين على احد المواطنين ليلا وقاموا بتسليبه عندما كان مارا بالقرب من مدخل سينما (ريجنت) القريبة من مدخل جسر الاحرار في منطقة الصالحية في بغداد وسلبوا منه نقوده وساعته وخاتم زواجه وما معه من حوائج ويهرع ناس من المنطقة لنجدته ويخبروا الشرطة في مركز الرحمانية وتقوم الشرطة بالبحث عن الجناة وتتابعهم وتلقي القبض عليهم في مقبرة الشيخ عمر وهم كانوا يتعاطون الخمرة والمخدرات واشياء اخرى وعندها اصدر قاضي تحقيق الكرخ يوم 12/3/ 1951 امر القبض والتوقيف بحقهم وثبت من التحقيق والتحري ان التهم الموجهة لهم هي عدة سرقات حدثت في منطقة الرحمانية قرب سينما (زبيدة) واعمال سلب ونهب في ساحة المتحف وفي منتزه المطار القديم المجاور للمحطة العالمية.
وذكر التقرير والموجودة لدينا نسخة منه نحتفظ بها مع امر التوقيف من قاضي التحقيق لمنطقة الكرخ (سوف يأتي نشره في الوقت المناسب) اسماء المتهمين بالتقرير وكما تسلسل فيه : علي ماما (رئيس العصابة ) , و خالد دونكي , و حمودي الأقجم , و طالب ابن ماهيه ,و قيس الجندي , وباسم المعيدي , ومحمد شعيطه (لاعب كرة قدم) , و صدام حسين التكريتي (وكان اصغرهم) .
وحكمت محكمة الكرخ على هذه العصابة بأحكام متفاوتة وكان الحكم على صدام بالسجن لمدة سنة لصغر سنه قضاها متنقلا بين سجن الاحداث وموقف مركز شرطة الرحمانية وكان المفوض (صالح ) يعمل آمراً لمركز الشرطة وهو شاهد عيان ان كنت تحتاجين له الان ليسرد لك ما حدث مع الوالد وكما راها هو وهو الان شيخ كبير السن ويسكن في بغداد!.
لقد تركت هذه الاحداث المبكرة في حياة الوالد الحنون صدام انعكاسات كبيرة على حياته فيما بعد لأنه دخل السجن في مرحلة حرجة من عمره وهو في بداية دور المراهقة ، وتعرض للانحلال والسقوط الخلقي (المعذرة يا سيدتي هذه وقائع حقيقية قد تزعجك عندما يقرئنها الاميرات والملكات المضيفات لك).
وعندما سمع الخال خيرالله طلفاح بهذه الاحداث انزعج وغضب كثيرا وثارت ثائرته على صدام بعد ان تم تداول الاخبار في المنطقة وبين الاهالي وخاصة التكارتة واخوال الوالد من البو ناصر فاخذوا يطلقون عليه لقب (دوحي)...!
وطرده خاله من بغداد ليعود الى امه في تكريت وهنا يكون امام زوج امه ابراهيم الحسن والذي يكرهه كثيرا وبعد فترة قصيرة لم يتحمله زوج الام فطرده من البيت ورجع الى بغداد مره ثانية ليلتحق بالمقهى الصغير الذي كان يعمل به سابقا، وفي هذه الفترة خرج من السجن احد افراد العصابة وهو الرقم (4) طالب ابن ماهيه ليلتقي مع صدام وفي هذه المرة يكون صدام قد بلغ اشده لتكون العلاقة متينه ومتطورة في فن الاجرام والقتل والاغتصاب وحدثت الحادثة الشهيرة اللا أخلاقية في مسرح ملهى (الفارابي) والذي كانت تديره المطربة المشهورة لميعة توفيق حيث تم اغتصاب المدعوة بدرية محمد وعلى مرأى الناس في المسرح وتم ضرب المدعو سلمان توفيق شقيق المطربة لميعة توفيق وقيدوه على احد الكراسي وجردوه من سلاحه وقطعوا خط الهاتف بعد ان رفضوا قطع التذاكر للدخول!
وقد استطاع احد الحضور الهرب واخبر الشرطة في مركز البتاوين، واصدر قاضي تحقيق البتاويين امر القبض عليهم بعد التعرف على اسمائهم وهوياتهم من صاحبة الملهى وهم كل من : طالب ابن ماهية , و قيس الجندي , وجبار الكردي , و صدام التكريتي , و محيي مرهون , و باسم المعيدي , و محمد فاضل الخشالي (الملقب ابو زكية) .
وهنا يحدث تطور في عمل هذه العصابة وتكوين علاقة مع المحامي فيصل حبيب الخيزران الذي علق القضية وهناك سر في العلاقة مع الخيزران والعصابة وتتطور العصابة لتصبح ذات نفوذ وسطوة كبيرة وتتطور وتصبح بعد ذلك منظمة ارهابية اسمها (حنين) وينظم اليها مجموعة من الشقاوات والمجرمين ومنهم : ناظم كزار لازم (الملقب بساطور المنظمة) , و المرعب في عناصرها المجرم الملقب (ابو العورة) , وجبار محمد الكردي (الملقب جبار كردي واخوانه ستار وفتاح كردي) , وسعدون شاكر العزاوي , و وهاب كريم ,و رزاق لفتة , و فاضل الشكرة , و محمد فاضل الخشالي , و محي مرهون، وهو أحد أبرز نجوم المسرحية الاجرامية التي عملتها المخابرات الصدامية في بداية السبعينات وقتلوا فيها من يريدون قتلهم من ضحاياهم من المواطنين الابرياء والمعروفة بحوادث (ابو طبر) وكان ادى فيها المحامي فيصل الخيزران دور بارز! , و علي رضا باوه , و صدام التكريتي .
ولتعلمي يا سيدتي المصون ان منظمة اباك (حنين ) والذي كان يتبجح بأنشائها لها تاريخ حافل بحوادث القتل والا جرام والاغتصاب والاغتيال والسرقة والتجاوز على الحرمات وان عناصرها من اصحاب الشذوذ الجنسي وتربية الكراجات ، ولو نبين لك اسماء من قتلوا على يد عصابة والدك لتفوق بعضها على من قتلوا في الحوادث الاخيرة وما يرافقها من الغدر والبشاعة والارهاب ليس له مثيل حتى يصعب على من لم يشاهدها ان يصدقها .
العقيد رياض ال شليبة )) .
ولا غرو في ذلك فقد نشأ دوحي في بيت خاله المأبون طلفاح الشاذ بكل ما لهذه الكلمة من معنى , والعراقيون يحتفظون بمئات القصص التي تبين انحراف وشذوذ طلفاح المأبون ؛ وقد سلك عدنان طريق ابيه الا ان عدنان يلوط بالمأبونين وليس كأبيه مأبونا , فقد شهد ابو رجوة صديق المطرب سعدي الحلي - والذي كان يلازمه - بذلك , وقال : (( كان عدنان خير الله طلفاح وصباح مرزا واخرين من مسؤولي الحكومة البعثية التكريتية يجتمعون في بيت بجانب الكرخ لممارسة اللواط مع الشباب ( الحلوين ) , وكانوا يرسلون بطلب المطرب سعدي الحلي كي يغني لهم ...)) ؛ وقد اعترفت الحكومة العارفية الطائفية نفسها بجرائم اللواط والاغتصاب التي كان يمارسها الحرس القومجي والبعثية ابان جرائم الحرس القومجي سيئة الصيت .
ومن اللافت للانتباه ان هؤلاء المنكوسين حتى وهم مثليون طائفيون ؛ لا تفارقهم الطائفية ابدا فهي تجري فيهم مجرى الدم في العروق , اذ انهم طائفيون في الحادهم وفي شيوعيتهم وفي علمانيتهم وفي قوميتهم وفي بعثيتهم وفي دعارتهم وفي ( كوادتهم ) وفي مثليتهم ...!!
ينقل لي احد ضباط الامن الوطني عن حادثة تتعلق بهذا الموضوع ؛ يقول قمنا بمساعدة الاجهزة الامنية الاخرى بحملة لتتبع العناصر المشبوهة والمتورطة بتجارة وتعاطي المخدرات وممارسة اللواط بشكل علني عن طريق شقق خاصة للدعارة مقابل اموال كما بائعات الهوى في منطقة البتاويين والسعدون , وتم القاء القبض على مجاميع من الشباب ومنهم شاب جميل يمارس المثلية مقابل المال واسمه عبد الرحمن القراغولي والملقب ب عبودي من سكنة الرضوانية , هرب من ابيه الجلاد الذي كان يعذبه باستمرار وكان احد ضباط الحرس الجمهوري الخاص وقد روى لابنه كيف كانوا يقطعون اوصال الشيعة في الجنوب في اثناء الانتفاضة الخالدة وهو يضحك .. وبعد سقوط الصنم وبما انهم مرضى قاموا بتوجيه اجرامهم نحو عوائلهم بينما التحق القسم الاخر منهم بالحركات الارهابية لان من شب على شيء شاب عليه , وبسبب سوء المعاملة هرب ابنه عبد الرحمن ومارس المثلية وهو في سن ال 16 من عمره واستمر في هذا الطريق الى ان تم القاء القبض عليه عام 2019 , وقد تشاجر مع صديق مثلي معه في سجن مركز السعدون ومما قاله بحق صديقه المثلي والذي سمعه كل من كان في الموقف ونقلوه للضباط فيما بعد : (( انتم الشيعة كفرة , وسيخرج السفياني ويذبحكم ذبح النعاج ..!!))
وما نقموا منه وما شوهوا سمعته الا لكونه من اصول فارسية مما يعني احتمالية لجؤه للإيرانيين والاحتماء بهم والانقلاب على الاحتلال التركي الغاشم وتحرير العراق من سطوة العثمانيين , وبما ان الميول النفسية والخلفية الحضارية لتسوية النزاعات بالطرق السلمية متأصلة في شخصية عجم محمد ؛ فهو بعيد عن روح الانتقام والغطرسة العثمانية و نفسية الظلم والثأر الاعرابية , رفضوه ولم يقبلوا به واليك نص كلام السويدي عبد الرحمن الذي يكشف ميله الى الساسة الطغاة وتحبيذ الحكام القتلة القساة : ((وقبل المعالي عوال لا يغشاها الا البطل الباسل )) اي المجرم الفتاك والقاتل السفاح الذي يصل الى سدة الحكم عبر الجماجم والدم , وهذه العقيدة لا تزال راسخة في نفوسهم المريضة فهم من ابعد الناس عن النهج الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة والحياة المدنية المستقرة , وقد وصف عجم محمد في كتابه ايضا بما يلي : ((فكيف هذا الكلب ينال هذه الرياسة وهو غير عارف بمنافعها و مضارها ويريد الوزارة وهو غير صابر على حر نارها ؟ وبعيد على مثل هذا الخبيث طريق مرامها ومنالها وصعب على هذا العلج الارتقاء في ذرى جبالها ؟ ! نعم قد يغلط الفلك بالندرة مرة فيجور في دورانه ، ... )) ؛ فالحكم بنظر هؤلاء المنكوسين مقرون بالحديد والنار وسياسة الارض المحرقة والاذى والاضرار , وقد استشهد بالأفلاك التي سفه الاعتقاد بها في كتابه سابقا , وعلل سبب نجاح وبزوغ نجم عجم محمد الى دوران الافلاك ولم ينسب الامر الى مؤهلات عجم محمد الشخصية ؛ وقد ناقض نفسه اذ قال فيما يخص هذا الموضوع : (( وكان هذا الماكر الخبيث معتقداً بالنجوم ، يكرم المنجمين ويخدم المقومين ، وهم يعدونه بالمواعيد الكاذبة وهو يصدقهم في كل ما وعدوه به ، فبناء على زعمه الباطل كان شؤم هذا الكلب علينا كان من جهة ان مولده كان بطالع الاسد والقمر كان في المحاق والمريخ كان راجعاً بعد الاحتراق وعطارد كان هابطاً والمشتري كان من نفس الطالع كان ساقطاً والشمس سائرة الى تربيع زحل والزهرة ساقطة عن الوتد ، قبحه الله ما هذه الا خرافات كاذبة واحاديث واهية معتقدها كافر بالله العظيم )) وطالما وقع هو و امثاله في تناقضات اقوالهم وسقيم ارائهم فمن باب ينكر تأثير الافلاك ومن باب يثبت ذلك ..!! .
وهذه الحادثة العنصرية وهذا الرفض له سوابق فالقوم لم يتبدلوا ؛ فعندما توفي سليمان باشا في سنة 1762م ، إثر مرض لازمه طوال ستة أشهر ؛ وبعد وفاته كان سبعة رجال مرشحين لخلافته وكانوا كلهم من المماليك وكاد الأمر يتحول إلى حرب بين المرشحين السبعة وتدخل العلماء والأعيان بغية تسكين الفتنة عندها استقر الرأي من أن يكتب بأسماء المرشحين السبعة إلى إسطنبول لكي يتم اختيار أحدهم للولاية بعدها عاد الجواب من إسطنبول باختيار السلطان العثماني لمتسلم البصرة علي باشا، ولكن لم يكن علي باشا من أصول قفقاسية أو جورجية أو تركمانية كسائر المماليك الموجودين بل كان من أصول فارسية ؛ وهذا ما جعل المماليك الأخرين يحيكون المؤامرات عليه ، فخلع من منصبه بعد سنتين من توليه المنصب إثر ثورة مضادة بقيادة عمر باشا والذي كان هو عديل سليمان باشا وكذلك هو أحد المرشحين السبعة للخلافة من بعده ، وعلى إثر ذلك اجتمع علماء بغداد واعيانها وكتبوا عريضة للسلطان العثماني يسترحمونه بتولي عمر باشا واليا عليهم وإن علي باشا كان يريد تسليم العراق لبلاد فارس – هذه التهمة جاهزة وقد اتهموا عجم محمد وسليم افندي الرومي بها - فجاء الفرمان من إسطنبول يقر عمر باشا واليا على بغداد أما علي باشا فقد هرب من السراي متنكرا والتجأ دخيلا لأحد الدور المجاورة ولكن صاحب الدار أخبر السلطات عنه فألقي القبض عليه ومن ثم تم قتله ، والاضداد لا تجتمع كما قيل فهو من اصول فارسية عتيدة وهم اشتات من اصقاع بعيدة وقد تعرضوا للاغتصاب والسبي والاسر فشتان ما بين الاثنين ؛ وهذا السيناريو حدث مع العثماني نوري السعيد ايضا الذي خرج متنكرا عام 1958 وتم قتله من قبل ابناء جلدته ؛ فلهذه الشراذم الاجنبية طبائع لؤم وعادات غدر توارثوها أبا عن جد , و لقيطا عن اخر , حتى صارت نهجا منكوسا سار عليه ابناؤهم وبقاياهم الى يومنا الراهن .
ومن الغريب ان يصف مؤرخ الدولة العثمانية رسول الكركوكلي – التركي الاصل - في كتابه دوحة الوزراء عجم محمد بالبيك ؛ بل وصفه بالباشا ولم يتردد في اتهام بعض البغداديين و زعمائهم بكونهم السبب باندلاع الفتنة في بغداد بل ان السويدي نفسه يعترف بان سليمان بيك الشاوي لامهم على تعصبهم وقتالهم : (( ... , فلامنا على صنيعنا اولاً وقال ، الحق انما هو من اهل الميدان واتباعهم لان سليم افندي رجل من رجال الدولة )) ؛ وكذلك وصفه صاحب مطالع السعود بقوله : ((معتمد الولاية الخزينة دار محمد بك العجمي الاصل )) بينما يتمادى السويدي في ذمه له والصاق ابشع الصفات به , وانظر الى هذا الوصف الذي يصف به عجم محمد اذ يقول : (( هكذا كان الخبيث ، يظهر الخوف ويحارب محاربة الاسد )) لتعرف مدى التناقض والتهافت في وصفه وتقييمه للرجل , ولعل مقولة السويدي هذه تكشف لنا حقيقة أمره , اذ قال : ((ودامت الحرب بيننا وبينهم واشتعلت نيرانه من الطرفين ، وعبر علينا من قومنا الشرقيين ليلاً النقيب ومفتي الشافعية وغيرهما من الرؤساء وتعاهدنا في دار البيك على انا نموت عن آخرنا ولا ندع الخبيث والياً ، ولو جاء منشور السلطان بذلك ابطلناه ، واعتذرنا منه بأمر خلاف ما انهي له , وجبن النقيب ومفتي الشافعية عن العبور منازلهما ، فجئنا بأهلهما ...)) فها هو يعترف بأن الدولة العثمانية لو نصبت عجم محمد واليا لما قبل بذلك , فهل هذا الامر يشير الى كونه ملكيا اكثر من الملك نفسه , او لكونه لا يطيق سماع اسم الايرانيين بسبب تربيته الطائفية ونشأته العنصرية , او لان الامر مرتبط بالأغلبية العراقية وحقها بالحكم والنفوذ والذي قد يستدعي فيما بعد طرد كل الدخلاء والغرباء والمرتزقة مما يشكل هاجسا ينذر بالخطر والتهديد له ولأمثاله .
وبعد هذه الرحلة المضنية والمليئة بالأشواك الطائفية والظلمات العنصرية التي قضيناها في دهاليز هذه الشرذمة الهجينة وكهوفها المظلمة وصحاريها القاحلة , سنعرج الان الى موضوع توصيف الشيخ عبد الرحمن للأحداث العسكرية والمناوشات الحربية التي جرت بين البغداديين والعثمانيين ونجعله خاتمة المقالة في قسمها الثاني .
فقد وصف الشيخ عبد الرحمن نيران مدفعية جماعة عجم محمد بما يلي : (( ... ، هذا الطوب والقنبر علينا مثل المطر لا يفترون عن ضربنا ليلاً ولا ونهاراً ، والحمد الله تعالى ما ضر منا احداً ولا احرق قنبرهم داراً ولا هدم طوبهم جداراً ولا اصحاب احدا الا رجل كلب في علاوي الحلة ، وطاب بعد ذلك ، نعم ، خرق طوبهم بعض الجدران ، ومن غريب ما اتفق ان زوجت جدارنا خرجت الى السطح تريد حطباً كان فوق سطح الدار ، فوجدت فوق الحطب قنبرة مكسورة اربع قطع ولم تحرق الحطب ولم يدر متى وقعت )) الرصاص ينهمر عليهم كالمطر ومع ذلك لا يصيب احدا منهم , بل لم يهدم لهم جدارا ولم يسقط دارا , حتى ان الفذيقة الحارة الملتهبة تسقط على الهشيم فلا تحرقه , بل ان القذائف تسقط على سطح الدار واهل الدار لا يشعرون بذلك كأن في اذانهم وقرا ...!!
وقال في محل اخر : (( وقد ضربوا علينا في ظرف يوم وليلة الفاً وسبعمائة طوب وقنبرة نعدها عداً ، فوا الله تلك الليلة ما بكى لنا ولد ولا ولولت امرأة ، ونسمعهم من فوق القلعة يقول بعضهم لبعض : قد اهلكناهم وابدناهم فهل تسمعون لهم صوتاً ، وكانوا اذا ضربوا طوباً قالوا قبله بالغة التركية : تعالوا الى الاسلام والإيمان )) على الرغم من كل هذه القذائف الحديدية والاصوات المدوية والقصف المستمر لم يبك طفل ولم تجزع امرأة , كأنهم في الملكوت ..!!
وقال ايضا بهذا الصدد : (( والطوب عامل ، واكثر الاطواب والقنبر كان وجهها الى دار البيك ، ولم يصبه ـ بحفظ الله منها ـ شيئ ولم تهدم له لا دار ولا جدار ، ومن عجيب صنع الله تعالى ان اطوابهم لم تبقر الا حائط كل خائن قلبه مع الاعداء يراسلهم خفية ويود ان تكون النصرة لهم ، ... )) في احاديثه السابقة عرفنا ان الرصاص لم يصب ايا منهم ولم يهدم بيتا , الا انه هنا عاد وناقض كلامه وادعى ان الاطواب سقطت على بيوت الخونة فقط وعلى بيت كل شخص يطلب من الله نصرة جماعة عجم محمد بقلبه او يراسلهم خفية ؛ وكأن الاطواب والقنابر تعرف هؤلاء فتهوي اليهم يا سبحان الله ؟!
صدق شيخنا السويدي ولكن لعنة الله على الكاذب الدجال .
بل وصل الامر بالشيخ السويدي ان يشبه زمجرة القذائف واصوات القنابر وازيز الرصاص بطنين الذباب , اذ قال : ((والطوب يضرب على قومنا والرصاص يغني حول آذاننا ونحن ولا نحس ولا يخطر ببال احد منا انه قاتل بل صار عندنا صوته كطنين الذباب )) .
ويستمر الشيخ السويدي بسرده اذ يقول : (( وحضر في هذا الاثناء عندنا هندي من دراويش الشيخ عبد القادر يجيب ضرب الطوب والقنبر ويعرف الاصابة بها معرفة تامة ، ...)) واخيرا جاء الفرج مع الدرويش الشيخلي القادري الهندي الذي سيغير موازين القوى وينتصر على محمد العجمي الفارسي , ولعل ذرية هذا الهندي الان هم من يتهمون سكان الجنوب العراقي بكونهم من الهنود , وشر البلية ما يضحك .
وقال في موضع اخر : (( واخبرني بعض الجواسيس انهم يعجبون من اصابة طوبنا دون اطوابهم ، فقلت له : قل لهم لا تعجبوا بارودنا بدراهمنا ندافع به عن عرضنا ، واذا وضعنا القلة في الطوب وضعناه مع التهليل والتكبير ، والطوبجي لا يضرب الا وهو على طهارة ، فتحملها الملائكة وتضعها حيث اردنا ، وهم منهمكون في السكر تاركون للصلاة ، فسقة فجرة ، فكيف ينصرون علينا ؟ )) اطواب جماعة العثمنة وبقايا الانكشارية والمماليك تختلف عن اطواب البغداديين الشرقيين , اذ ان اطواب هؤلاء تحملها ملائكة الرحمة كي تسقطها على رؤوس العوائل البغدادية كالحميم الذي يشوي الجلود , بل ان الاطواب اصبحت تأتمر بأمر السويدي وجماعته يقصفون بها اي مكان يريدون بمجرد الاشارة لكن بشرط التكبير والطهارة وغسل الجنابة ...!!
واستمر اتباع هذا النهج المنكوس والذي يراهن على الشعارات الطائفية والدعوات العنصرية والمناطقية في صراعهم مع الاغلبية العراقية والمسلمين الشيعة ؛ واليكم هذا المثال الذي يؤكد ما قلناه انفا : فعندما داهمت القوات الامنية العراقية منزلا تعود ملكيته لاحد المسؤولين الحكوميين من المرتبطين بالحركات الارهابية ومن المحسوبين على الاقلية السنية الكريمة ؛ وجدوا اكداسا من العتاد وكل البنادق قد كتب عليها وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى .. هذا هو نهجهم المعروف وهذه هي طريقة تفكيرهم ولن تجد لسيرتهم المنكوسة واجرامهم المعهود تبديلا ولا تغييرا .
.............................................................................................
مصادر القسم الاول والثاني من المقالة
1- لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث / الجزء الاول والسادس , علي الوردي
2- تاريخ العراق بين احتلالين / الجزء الخامس و السادس ، عباس العزاوي .
3- أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث، ستيفن همسلي لونكريك - ترجمة جعفر الخياط
4- تاريخ المماليك في بغداد، سليمان فائق - ترجمة محمد نجيب أرمنازي .
5- كتاب (دواد باشا والي بغداد) عبد العزيز سليمان نوار.
6- كتاب معجم المصطلحات والالقاب التاريخية - مصطفى عبد الكريم الخطيب .
7- حديقة الزوراء – عبد الرحمن السويدي .
8- تاريخ حوادث البصرة وبغداد – عبد الرحمن السويدي – تحقيق الدكتور عماد عبد السلام .
9- دوحة الوزراء – رسول الكركوكلي .
10- مطالع السعود – ابن سند البصري .
11- جهود علماء العراق في الردّ على الشيعة - عبد العزيز بن صالح المحمود .
12- التصوف وآثاره في تركيا أبان العصر العثماني - حنان عطية الله المعبدي
13- تاريخ التصوف في الدولة العثمانية الطريقة البكتاشية نموذجاً - ممدوح غالب أحمد بري .
14- التصوف والطرق الصوفية في العصر العثماني المتأخر – الدكتور علي علي ابو شامي .
15- خرائط جديدة - حكيم نديم الداوودي ؛ بتصرف .
16- رسالة العقيد العراقي المتقاعد رياض ال شلبية على موقع مركز القلم للأبحاث والدراسات .
17- مقالات متفرقة ولقاءات وشهادات ميدانية مختلفة .
https://telegram.me/buratha