حسن كريم الراصد ||
كان جالسا في ممر دائرة التقاعد الطويل الذي يشبه دهليز معتم تنفتح عليه عدة غرف كل منها له حكاية في معاملة التقاعد .. أنطلق صوت الموظف من الغرفة بأسمه نهض وارتبك ووقف قبال الموظف كمتهم أمام قاض .. فالبريء مجرم حتى تثبت برائته في هذا البلد ..صمت الموظف لبرهة وحدق بالمعاملة ثم رفع رأسه وبادر بالقول : معاملتك ناقصة وأنت لم تكمل المدة القانونية للخدمة ولديك نقص شهر وايام لتحال الى التقاعد .. نزل ذلك كالصاعقة على الرجل وكاد أن يسقط ارضا لولا أن يتمالك نفسه وقال بحشرجة في صوته : لكن دائرتي أحالتني وقد مرت المعاملة بعشرات الاقسام والمدققين حتى أتت اليك . أجاب الموظف : ما يفتهمون .. وادار وجهة ونادى على مراجع آخر ..
عاد الرجل الى الممر ووجد مصطبته خالية فعاد وجلس عليها متأملا ومحدثا نفسه : كيف أعود للدائرة وقد خرجت منها وانا بين فكي سبع ضار ؟ كيف أعود وقد كان خصمي معالي الوزير نفسه الذي أوصى مدراء الوزراة بأن يتعاملوا معي بقسوة وبعضهم يبحث عن سبب ليحيلني للنزاهة بعدما كشفت عدم نزاهتهم ؟ كيف أعود وقد اوصاهم ضمنا بأن يوقعوا بي بعدما تحديته وبات يرى نقصه في بعد أن ظننته نزيها فكنت أكشف له عن مواطن الفساد فيهرول نحوها مسرعا يغترف من سحتها ؟ أنها مصيبة أن يعود .. أصابه اليأس بعدما وجد الابواب مغلقة بوجهه تماما الا باب واحد .. توجه الى الله ورفع رأسه نحو الاعلى باسطا يده اليمنى ومتضرعا له بالخلاص قائلا بصوت خفي : يا مسبب الاسباب من غير ذي سبب .. يا سبب كل ذي سبب .. يا سبب من لا سبب له . سبب لي سببا لن استطيع له طلبا ..
ثم عاد وتسائل : كيف سيكون الله قادرا على تغيير الحال وجميع الامور مغلقة لا مناص منها ؟ هل يمكن أن يغير القوانين في هذه اللحظة من الزمن ؟ وبدأ الشك يدب في نفسه من قدرة الله على تغيير الواقع الآني فتراجعت حماسته عن الدعاء وعاد للموظف ليرى ما يصنع .. ومع دخوله دخل شاب يحمل اوراقا وبدى أنه موظفا في الدائرة وبدأ يتحدث مع زملاؤه حتى أقتربت فرأني الموظف فهتف بالشاب الداخل : تعال وانظر حل لمشكلة هذا الرجل الذي أحالوه على التقاعد ولديه نقص في الخدمة . فاخذ الشاب معاملتي ونظر فيها مليا ثم قال : نعم يحال للتقاعد رغم نقص الايام فقد جاءنا كتاب ينص بالاحالة للتقاعد في اي يوم من العام الذي دخل فيه الموظف سن التقاعد ..
اجاب الموظف : متى أتى هذا الكتاب .. قال : قبل اسبوع .
هذا والرجل يقف مبهوتا من وجود الحل الآلهي حتى في المستحيلات .. اخذ معاملته وصوت يهتف في داخله : يا مسبب الاسباب من غير ذي سبب .. ولم ينظر للسماء أستحياءا من تشكيكه بقدرة مسبب الاسباب .. ولم يرى الوزير بعد ذلك .
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha