منهل عبد الأمير المرشدي ||
إصبع على الجرح ..
قبل البدء في سرد حكايتنا عن هروب المجانين من مستشفى الأمراض العقلية في بغداد لابد ان نعرج على تعريف المفهوم الدارج للجنون وهو كل نمط تفكير أو سلوك يتعارض مع أنماط التفكير أو السلوك السائدة في مجتمع معين وهو مفهوم ذاتي نسبي لا يستند إلى اى معيار موضوعي.
اما المفهوم العلمي للجنون فهو اضطراب في بنيه أو وظائف الدماغ يؤدى إلى اختلال كلى أو جزئي في الوظائف والمقدرات العقلية كالإدراك والتذكر والتخيل والمقدرة على التمييز أو التحكم في الاراده .
لقد ميز القران الكريم بين المفهومين الدارج والعلمي حيث أشار إلى المفهوم الأول في معرض إشارته إلى اتهام أعداء الرسل لهم بالجنون كقوله تعالى (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ)، اما المفهوم الثاني في معرض نفيه الجنون عن الرسل (عليهم السلام) كما فى قوله تعالى(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ* وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ).
من هنا نسنتج ايضا السبب الذي جعل القانون يقرر قاعدة انعدام المسؤولية الجزائية عن المجنون لانعدام الوعي والاراده لديه وهو ما يتوافق مع حديث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ( رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل) . نعود لحكايتنا الموثقة في مستشفى الشماعية للأمراض العقلية في العام 1960 حيث حصل شجار بين احد المجانين والممرض المسؤول عن الخفارة في ليلة تشرينية باردة ما ادى الى تعرض الممرض الى حالة اغماء بعد ان تعرض للضرب الشديد على رأسه وهو ما ترك الباب مفتوحا على مصراعية لجميع النزلاء في قاعات المستشفى وفي عملية اخبار جماعي مدعومة بالهلاهل والصياح والعياط فتحت كل الأبواب وهرب اغلب المجانين خارج المستشفى شلع قلع . ل
م يستطع حراس المستشفى في الخارج من تدارك الأمر فأتصلوا بالمدير العام والأطباء الذين جاؤوا على وجه السرعة لكنهم وصلوا متأخرين حيث انتشر الهاربون في الشوارع والأحياء المحيطة في المنطقة وانتشر خبر هروبهم منقحا بالإشاعات والزيادات والإضافات عن وحشية بعض الهاربين او خطورتهم فدخل الأهالي في حالة رعب وانذار قصوى .
اجتمع الشرطة مع ادارة المستشفى ليبحثوا عن الحلول فأختلفوا فيما بينهم لتعدد الآراء فإنبرى لهم عامل التنظيف الحاج حمد ليخبرهم إن الحل لديه . صمت الجميع وتوجهوا اليه ليسمعوا منه حيث قال لهم انه كان يوميا يلعب معهم في الحديقة بلعبة القطار بعد ان يمسك صفارة رياضية لديه يصفر فيها وينشد لهم ( توت توت .. توت توت . عمو حمد راح يفوت ) .
وافق الجميع على فكرته ومسك صفارته يصفر فيها وامسك ظهره المدير ومن بعده معاونه وبقية الأطباء وهو ينشد وهم يرددون خلفه ( توت توت .. توت توت . عمو حمد راح يفوت*).
خرج عمو حمد وكادر المستشفى كلهم خلفه وهم ينشدون انشودة التوت توت وتجولوا في الشوارع المحيطة بالمستشفى وبدأ المجنانين يتسارعون نحوهم لينضموا الى القطار حتى طال القطار وكثرت المقطورات الى ان عادوا بهم الى داخل المستشفى واغلقوا الأبواب . بدؤوا بعد المجانين فاندهش الجميع وتعجبوا حيث كان عدد المجانين الهاربين هو 157 مجنون لكن الذين عادوا الى المستشفى مع قطار عمو حمد كان 364 !!!
لا أدري عن ماذا اتحدث عن مجانين الأمس ام مجانين اليوم ..؟؟؟
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha