كوثر العزاوي||
جاء في الحديث المشهور:
{أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج}
مايجعلنا نفهَم، أنّ الانتظار هو أحد الأعمال الصالحة بل أفضلها، ليؤكد المعنى أنّ العمل حركة ضد البطالة والركود، وبالتالي فلاينبغي الأشتباه والتصوّر بأنّ الانتظار يعني أن نضع يدًا فوق يد ونبقى منتظرِين حتّى يَحدث أمرًا فنسمع من خلالهِ الصيحة، ألا ياأهل العالم قد ظهر المهديّ ثم نهرَعُ مستبشرين!! كلا والف كلا..،فقد بيّن القرآن الكريم في موارد عديدة بصريح المعنى مسألة وجوب العمل بانتظار النتائج منها قوله تعالى:
{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} التوبة ١٠٥
وأيضا ماجاء في منهج العترة الطاهرة على لسان المعصوم" عليه السلام"وفيه من الحثّ على محبوبية العمل كما في الحديث،
{أحب الأعمال إلى الله"عز وجل" ما داومَ عليه العبد، وإن قلَّ} فضلًا عن ماحثّ عليه كبار العلماء من العمل، معرّفينَ له بأنه -اي العمل- تهيّؤٌ باعثٌ على الاندفاع والحماس، حيث ينطلِق من وحي العقل والبصيرة والشعور بالمسؤولية، ومن هذا المنطلق، يتميّز المنتظِر عن غيرهِ بالنشاط والحركة المتّزنة، والتجدّد في كلّ المجالات الفكرية والروحية والاجتماعية والنفسية، وحيث بشّر اللهُ "عزوجل" المنتظرِين الصالحين المتقين بوراثة الأرض وليس غيرهم من الفاسدين الظالمين، ولا المؤمنين المتقاعسين المتهاونين، بدليل قوله تعالى:
﴿إِنَّ الأَرْضَ لِلهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾الأعراف ١٢٨-وقوله"عزوجل": {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} الأنبياء ١٠٥
فالآيتان المباركتان هما خير دافعٍ ودليل صدقٍ على أن الصلاح والتقوى هما اصل الانتظار ورأس مال المنتظِرين، ولايتأتّيان إلّا بالعمل ضمن دائرة المجتمع المترامي الأطراف، المتعدّد الأجناس، ليعيش المنتظِر حقيقة الحركة وتداعياتها من حيث النصح والارشاد والدفاع والإصلاح والتصدي، وفي هذا مورد إختبار وإبتلاء، ليميز الخبيث من الطيب، وما يتمخض عنه من صلاح وفساد، وتلك سنن الله في عباده:
{..لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} تبارك ٢
فنحن مكلفون بتبني معنى الانتظار الإيجابي مع الأعتقاد بأنّ هذا الفرج سيتحقّق لامحال وأنه مشروطٌ في أن يكون انتظارنا انتظارًا واقعيًّا وفيه مِن العمل والسعي والكدّ والتغيير والاندفاع والتحرّك باتجاه كل مابشأنه يمهِّد الأرضية الصالحة لإقامة دولة العدل الإلهي المرتقَبة التي تليق بمقامِ قائدها الأقدس، وذلك من خلال تربية النفوس ورفع منسوب عوامل الإستعداد بتوعية الأفراد والجماعات بأهمية التمهيد وفهمِ أبعاده وتطهير المجتمع وإعداده، حتى يكون احدنا كما الجندي الذي تراه طول الوقت على أهبة الاستعداد والجهوزية، ولافرق في ذلك بين رجل وامرأة، شبابًا وشِيَبة، فالكل مكلّف في مقام العمل من أجل الوصول إلى مرتبة كونه منتظِرًا ممهّدا، وإلّا فالكلام والأماني تصبح ادّعاءًا لاطائل منه، إذ ثمة مايفضي إلى الخجل والعتاب فيما إذا غلب الكلام الفعل، وعتب الباري "عزوجل" لايليق بالمنتظِرين الممهّدين عندما يتأمّلوا قوله تعالى مخاطِبًا لهم:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}الصف ٢-٣
فلنتأمل.! والحمد لله رب العالمين.
٣-ذي القعدة١٤٤٤هج
٢٣-ايار ٢٠٢٣م
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha