علي الخالدي ||
بعد ان تعدى الانحلال اعلى مستوياته وفاق التصور، ووصل لحد شرعنة الشذوذ و اللواط والدياثة ، و التحريف اخذ يضرب المثل والقيم والمسلمات الدينية ،والانحدار يمحو ضروريات العقل, والتفاهة قلبت الصديق الى عدو وبات لا يبالي للمستكبر, ويظن انه لا يعنيه بل يقصد جاره ،لذلك اصبح جهاد التبيين عاجل وهام ومسألة مصير ووجود .
في لقاء يعود لشهر اذار (عام 2017)وبعد تحرير العراق من عصابات داعش الصهيوامريكية ,بين سماحة السيد السيستاني دام ظله لمجموعة من طلبة العلوم الدينية مؤكدا ان (المرحلة القادمة هي الاخطر, لأنها حرب فكرية ضد الدين والرموز وتشكيك العامة بكل المعتقدات ,فعليكم بتسليح انفسكم بالعلم والمعرفة لتوجيه الناس ودحر الخطر الآتي ) ,وفي ذات الصدد اطلق سماحة السيد القائد الخامنئي حفظه الله مطلع عام ٢٠٢٢ جهاد التبيين ، والذي يعرف على أنه السعي البليغ في اقصى الجهد والطاقة في سبيل الاسلام، في اي مكان تستطيع فيه ذلك، والعمل فيه جماعي كلي وليس فردي ،والتبيين كمشروع ليس حديث بل المفهوم على عصرنا جديد ، وفيه شواهد تاريخية كثيرة، فالتبيين هو رسالة الانبياء والائمة عليهم السلام انطلقت كل رسل الهداية فيه ، معتمدين اسلوب البيان و التبين عبر الكلام وليس السيف، لأنه الاكثر تأثيراً في الأمة ،كالنبي موسى مع فرعون، والنبي محمد صلى الله عليه واله ,بدأ دعوته السرية والعلنية مع الامة بلغة الحديث، وكذلك امير المؤمنين استخدم لغة البيان والحسين عليه السلام في يوم عاشوراء ابلغ بدعوى القوم قبل القتال، والاعلام التبييني الذي خطته السيدة زينب عليها السلام, هو من حفظ إرث عاشوراء وآثاره ليومنا هذا.
فالعدو قديماً وحاضراً، اكثر ما يخشاه هو الكلام وصوط اللسان وما يسمى في عصرنا الحديث "الرأي العام" ومن يمتلكه يمتلك زمام الشارع والساحة الجماهيرية.
استناداً لما سبق يمكن ان يعرف جهاد التبيين، على إنه عمل أمام مجموعة ومقابل الاعداء ، والعمل به مشترك وليس فردي، إذ لم يكن مقابل مجتمع وعدو, فهو ليس جهاد بل اجتهاد شخصي، والجهاد دائما مقابل العدو وليس المسلم او الشيعي, ويحتاج جندي التبيين قبل القيام مجموعة عناصر وضوابط في التبيين , كما نوه إليها السيد القائد الخامنئي دامت بركاتة في خطاباته ومنها :
أولاً : فهم وتشخيص العدو عبر الرصد والمعرفة والتحقيق ، وتعرف ماهي ساحات المعركة الفكرية ، وما هي مناطق ومواقع الاشتباك، تصاعديا او تنازلياً حسب قواعد الدفاع والهجوم العلمي والثقافي ، وهذا يعني ان القيام بالجهاد البياني والتبيني بحاجة إلى رد منطقي وعقلي، وهذا يعني ضرورة وجود قيادة ذات بصيرة وحكمة إلهية تحدد نقاط الاصطراع مع العدو، فمثلا الإمام الحسين عليه السلام قبل القيام ,معركتان كانتا له ، واحدة مع الزبيريين في المدينة وثانية مع الامويين في العراق ، لكن اولوية المعركة واهميتها كانت مع الشاميين، فهي عقائدية بحتة تحسم مصير الاسلام، والزبيريون خلافهم عائلي مع أهل البيت عليهم السلام.
ثانياً : الاخلاص في جهاد التبيين ويكون لله وحده، ليس لأجل شهرة او مكانة في المجتمع او لنصرة جهة او شخص ما، وتكون نصرته ليس بدافع العاطفة وانما بدافع الفكر والبصيرة، فإخلاص النية اهم وان كان العمل صالحا, أي ان جندي التبيين يكون ناكرا لذاته محترقا في سبيل مشروع التعبئة والتوعية والتمهيد, كشعلة تلهب طريق المنتظرين .
ثالثًا : العمل مع الشباب، فهم السواد الاعظم في المجتمع و الفئة الاكبر فيه، و توصف انها الاكثر نورانية وطهارة والاقرب للملكوت، و أقوى قدرة على التغيير، واوسع فكراً و أحد ذهناً ,وهم اركان الظهور الشريف وقواعده الممهدة , مؤكدة الروايات ان جل جيش الامام المهدي المنتظر عليه السلام من الشباب ,فقد ورد عن امير المؤمنين عليه السلام (اصحاب المهدي شباب لا كهول فيهم الا مثل كحل العين والملح في الزاد, و اقل الزاد الملح).
يقسم جهاد التبيين إلى عدة انواع :
الاول : تبيين شبابي وكما وردت أهميته في النقطة ثالثا .
الثاني : تبيين عقلائي ومنطقي وهو التبيين الذي اعتمده واشتهر فيه الشهيد محمد باقر الصدر و الشهيد المطهري والشهيد اليزدي رضوان الله تعالى عليهم، نتيجة لتطور الشبهات القادمة من الغرب، واخذت تستخدم العلم والفكر في التشويش ,والتي لاينفع معها التبيين التعبدي(الذي يكتفي بالايات القرانية والشريعة الاسلامية والذي ربما ينفع مع الشاب المسلم ولا ينفع مع الحدثوية والتطورية, اصحاب تساؤلات لماذا الحج ولماذا الحجاب ولماذا الصلاة)، فالتبيين العقلي يمكن استخدام فيه التحليل المنطقي والواقعي ,بالاستعانة بكتاب (علل الشرائع) لرد الشبهات في الدين، او استخدام العالم الواقعي الاقرب لمخيلية الشباب وصاحب الشبهة.
الثالث : التبيين الصادق والمطابق للواقع، وليس الكاذب فشعار (الغاية تبرر الوسيلة) هدف غير موجود في الإسلام وغير مشروع والافتراء والزيف لا يجوز ، فالدين لا يعتمد الكذب والبهتان من اجل احقاق قضيته ، فنحن نستشكل على الأعداء كذبهم وعدم مروئتهم ، وندين اباطيلهم فكيف نسقط في فخهم.
استناداً لما سبق يمكن توصيف جهاد التبيين على رأي السيد القائد الخامنئي انه (فوري و ضروري ) بمعنى عاجل وهام، اي أنه لا يحتمل التأخير والتأجيل والتباطؤ، سباقاً في التصدي لفيروسات العدو الساعية للتحريف و الوقاية منها باللقاح الفكري مسبقاً ، وهو ما يشابه قوة الخبر وشهرته، حيث أن في الدراسة الاعلامية يعتمد الخبر الاول,و يسمى سبقاَ صحفياً ويكون أكثر وقعا وانتشاراً بغض النظر عن مصداقيته، لذلك جهاد التبيين يجب ان يكون هو الخبر الاول الذي يتسيد الساحة والميدان بكل أنواعه، ويكون هجومي اكثر من ماهو دفاعي، وحسب الضوابط سالفة الذكر.
اهمية جهاد التبيين على المستوى العملي يعد التبيين اكثر تأثيراً في المجتمع، وخاصة في حاضرنا بعد تطور الحرب العالمية الالكترونية لتكون بملمس الثقافة الناعمة، فالتبيين يهدي الآخرين ويقوي عزيمة الجماعة والجمهور ويعزز عقيدتهم بقائدهم ,ويثبت اعتقادهم في دينهم ،ويصنع من التابعين الذين اشربوا الفكرة وذابوا فيها, رسلا ومبلغين, رسخ فيهم فاعل التبيين يتواترونه فكرياً , والتبيين يبقي حرارة الايمان متوهجة في قلوب المؤمنين لا تبرد ابدا, وكي لايسقطوا بفخ اهل المدينة والكوفة , حين اصيبوا ببرودة الجهاد وداء الكسل ,فأخلدوا بانفسهم الى الارض ,واتبعوا هواهم ,فاكتفوا بتاريخهم الجهادي مع النبي صلى الله عليه واله, ولم ينصروا علي وابنه الحسين عليهما السلام ,وخذلوهم حينما طغت الامة، وربما هو سبب اعتماد الأنبياء والائمة عليهم السلام التبيين لا على المعاجز ، فضلا على ذلك فهو يخترق ساحات المخالفين و الأعداء وقد يجر شيء من قواعدهم، بعد ان يكشف لهم الحقائق التي غطتها ظلمات محيطهم ، وان الدين ليس فيه اكراه، والسيف ليس من مقدماته ، وهو عين ما دأب اليه الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء كيف استطاع ان يزلزل جيش العدو بخطاباته الفكرية و الواقعية ويشق صفوفهم، مما اجبر العدو على قطع النزاع بتعجيل المنازلة العسكرية, ومن شواهد ضرائب التبيين ,لسان الصحابي الجليل ميثم التمار, الذي لم يتوقف حتى عند صلبه على جذع النخلة في وسط الكوفة في بيان فضائل علي عليه السلام , وتهجير ابا ذر من المدينة للشام وثم الى المدينة ومنها الى الربذة لنفس البيان ,ومن شواهد الشباب والجهاد البياني في عصرنا والذي نلامس نتائجه, الشيخ الجليل الزكزكاني حفظه الله كيف استطاع بلسانه في دولة نيجيريا ,هداية عشرون مليون انسان ضال للاسلام وفجع بقتل اولاده وحبسه بعيدا عن اهله, والشيخ النمر والشيخ حسن شحاته رضوان الله تعالى عليهم وغيرهم كثير.
في الخاتمة من المهم التذكير بضريبة جهاد البيان و التبيين ، وردات فعل العدو تجاهه، فقوى الاستكبار العالمي لن تحتمل لسان الحق والكلمة الصادقة، وسيتعرض صاحبها للسب والشتم والضرب و شتى التهم , وسيوصف صاحبها بالرجعية ومن متخلفي الماضي، ولنا أسوة حسنة في سيدتنا الزهراء عليها السلام, التي هوتها ضريبة التبيين بعمر ثمانية عشر عاماً من أجل بيان ولاية أمير المؤمنين، والذي بدوره صبر على ذلك لبقاء الاسلام ، وصبر الحسين وزينب عليهما السلام على الهجرة والقتل لإنقاذ الرسالة المحمدية وبيانها للعالم.
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha