إيمان عبد الرحمن الدشتي ||
هو بضعةٌ للبضعةٍ أي بضعةٌ من أحمدِ
أعني عليَّاً الرضا، عالمَ آل محمدِ
زين الله سماء الهداية لخلقه بأئمة أقمار إثني عشر، تتلو شمس الوجود (نبينا الخاتم محمد صلى الله عليه وآله) بنورها وهدايتها "إنما أنت منذر ولكل قوم هاد" سورة الرعد- الآية ٨، وأحد تلك الأقمار المتلألئة هو القمر الثامن (مولانا علي بن موسى الرضا عليه السلام) الذي بزغ يوم الحادي عشر من شهر ذي القعدة من عام ١٤٨ للهجرة الشريفة، وقيل من عام ١٥٣ للهجرة وهو القول الأشهر.
كان وجود الرضا (عليه السلام) نوراً لأبصار الورى يُستضاء به في ظلمات الأرض، إلا من أعمت بصائرهم زخارف الدنيا وزبرجها، فنافسوه الخلافة الظاهرية وضيقوا عليه واستحلوا لأنفسهم ما ليس لهم، فكان عمره الشريف بذلة في طاعة الله حتى كسف نوره على يد شر ما خلق الله في زمانه (المأمون العباسي عليه لعائن الله) وذلك في أواخر شهر صفر من عام ٢٠٣ للهجرة، فكان بين ولادته المباركة وشهادته الأليمة عمر ناهز الخمسين عاماً أو الخمسة والخمسين عاماً بحسب إختلاف الروايتين.
إمتازت حياة الإمام الرضا عليه السلام كما إمتازت حياة آبائه وأبنائه عليهم الصلاة والسلام بالعطاء الذي لم ينضب يوما، حيث لم يدَّخروا وسعاً مكنتهم إياه ظروفهم إلا واستثمروه في بناء الإنسان المسلم وتوعية المجتمع وإرشاده وتعميق القيم الإسلامية الأصيلة في نفوس المسلمين.
لُقِّبَ الأئمةُ الأطهارُ عليهم السلام بألقابٍ أعربت عن فضائل أخلاقهم وسمو شمائلهم وعظمة منزلتهم وفيض كرمهم، وحتماً هذه الألقاب إن أطلقت على أحد الأئمة فلا تكاد تكون منحصرة به بل شاملة لجميعهم؛ إلا أن الحقبة التي عاشها ذاك الإمام تفتقر فيها الأمة إلى خصال سامية فلا تكاد تبرز بثقلها إلا بالإمام في تلك الحقبة، وقد لقب مولانا ثامن الحجج عليه السلام بألقاب عديدة، ومن أبرزها الرضا والصابر والزكي والوفي وسراج الله وقرة عين المؤمنين، ومنها أيضا أنيس النفوس والرؤوف والضامن والصديق والفاضل، ومن أبرز ألقابه "عالم آل محمد" اللقب الذي ينم عن غزارة علمه وسعة معرفته.
يرى الباحثون أن الحياة العلمية والفكرية لأتباع أهل البيت عليهم السلام تطورت عبر ثلاث مراحل من حياة الأئمة الأطهار وذلك تبعاً لما مكنتهم إياه الظروف السياسية للأمة الإسلامية، فالمرحلة الأولى كانت في عهد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، والمرحلة الثانية كانت في عهدي الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام، أما المرحلة الثالثة فكانت في عهد مولانا الرضا عليه السلام، حيث أتيحت له الفرصتان الزمانية والمكانية بالقدر الذي لم تتاح لمعظم الائمة عليهم السلام.
بدأ بدوره العلمي والفكري لتوعية الأمة في وقت مبكر أيام إمامة والده الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وهو في عمر الثامنة عشر، فكان يقيم حلقة دروس في المدينة المنورة عند مسجد جده رسول الله صلى الله عليه وآله بالفقه والقائد والبحوث وغيرها من العلوم، أظهرت غزارة علمه وثراء مفاهيمه وإنتاجه الفكري، حتى إذا ما أشكلت مسألة على من هم أكبر منه سناً من العلماء كان يقصد إليه لحلها، وقد إزداد عطاؤه حينما تسنم ولاية العهد للمأمون العباسي، فنال فرصة أكبر لنشر علومه والتعريف بمنهج أهل البيت بعكس ما كان يأمله المأمون.
أهم الفرص التي ساعدت الإمام لنشر علومه، تلك المناظرات التي كان يعقدها المأمون في بلاطه ويدعو لها الإمام لإحراجه في مناظرة أصحاب الديانات المختلفة وأهل النحل والملل وغيرها من المعتقدات، ظناً منه أنه سيحاججهم بمعتقده وبكتابه وبرسوله وبما يؤمن به وبذلك تكون حجته واهية وغير ملزمة للطرف الآخر، فإذا بالإمام سلام الله عليه يناظر أهل الإنجيل بإنجيلهم وأهل الزبور بزبورهم وأهل التوراة بتوراتهم وأهل الفلسفة بمعتقداتهم ثم يغلبهم جميعا، ومنها ما كانت مع عمران الصابئي حيث ناظره الإمام عليه السلام برهة من الوقت، وما أن حل أذان الظهر أراد الإمام الصلاة فإذا بعمران يقول له (يا أبا الحسن، الله الله في نفسي، فقد ذهبت شبهاتي ولم يبقى منها إلا القليل فإذا ما ذهبت قد أتراجع وترجع إليَّ شبهاتي) فقال له الإمام عليه السلام (نداء الله أولى بالإجابة، فإذا ما صليتُ نعود إلى جلستنا كما تشاء) وبالفعل أكمل الإمام صلاته وعاد للمناظرة فإذا بعمران يعلن إسلامه ويتشهد الشهادتين.
قال إمامنا الصادق معرفاً بولده الكاظم عليهما السلام (يُخرجُ اللهُ منه غوثَ هذه الأمة وغياثها، وعلمها ونورها وفهمها وحكمها، وخير مولود وخير ناشئ، يحقن الله به الدماء ويصلح به ذات البين ويلم به الشعث، قوله حكم وصمته علم يبين للناس ما يختلفون فيه) مُشيراً بذلك لولده الرضا عالم آل محمد صلوات ربي وسلامه عليه وعليهم.
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha