علي عنبر السعدي ||
- حميدة - نرجس - مراجل - ماردة - شجاع .
- عائشة ...
علاقتي بالتاريخ فيها غرابة ،فأنا أمقته لما فيه من أكاذيب وتزييف ، لكني أحب التجوال في (مسالخه) ودهاليزه وتناقضاته ،لأنفد من خلاله الى واقع المجتمعات وسلوكيات المؤرخين حسب الحاجة والانتقاء - والضمائر - ميتها وحيّها -.
ذات يوم،شاهدت سجالاً حامياً بين مختلفين مذهبياً ،فقال الأول الذي يبدو انه غاضب بشدة موجهاً كلامه للآخر وكأنه شتيمة مقذعة : اسكت يا ابن حميدة ونرجس .
فأجابه الآخر :اسكت يا ابن عائشة .
قادني ذلك الى البحث في سيرة تلك الاسماء الثلاث ، للاطلاع من مصادر عديدة ،على سيرة تلك النسوة ،وماذا فعلن كي تتحول كل منهم الى مصدر عار ،لطرف ومصدر فخر وتقديس لآخر .
ذهبت بداية الى سيرة كل من حميدة ونرجس ،لأني لم أكن كثير الاهتمام بهما ، وتتبعت حياتهما ، ودققت في أين بالضبط يكمن مصدر الشتم والاتهام بهما ؟؟
الأولى (حميدة) ورد عنها انها اندلسية أو من البربر ، وهي زوجة الامام جعفر الصادق وأم الامام موسى الكاظم ، اطلقت عليها عدة ألقاب منها : المصفاة – اللؤلؤة – المهذّبة ، ولم يسجل في سيرتها ما تعاب عليه سوى انها ((جارية )) والجارية صفة تطلق على من يأسرها المسلمون وتباع في سوق النخاسة أو تهدى .
تلك الصفة تطلق على (نرجس) كذلك ، وهي أميرة من أصول رومية ، بيعت كجارية ، لكنها تلقت تربية صالحة واصبحت زوجة امام وام لإمام .
حاولت ان أجد مايشين سمعتمها سوى كونهما من الجواري ،فلم أجد ، عندها أكملت عن جواري هن امهات خلفاء من أشهر ماعرفة التاريخ الاسلامي / العربي هما : المأمون والمعتصم والمتوكل .
- مراجل أم المأمون : جارية فارسية – وقيل افغانية - كانت من جواري الرشيد ،وولدت له المأمون الذي اصبح خليفة للمسلمين ، بعد ان قاتل أخاه الأمين ابن السيدة زبيدة ،وهي الزوجة الفعلية الوحيدة للرشيد .
- ماردة أم المعتصم – جارية تركية – وقيل من طاجيكستان – كانت من جواري الرشيد ،وقد ولدت له المعتصم ،وهو واحد من أشهر خلفاء العباسيين ،وأول من ساهم بالاعتماد على العنصر التركي ،وبداية تراجع قوة الخلفاء .
- شجاع أم المتوكل : جارية المعتصم ،أصلها من خوارزم ، ولدت له جعفر المتوكل ، الذي وقعت في أيامه أحداث سارعت في تدهور الخلافة العباسية .
هؤلاء النسوة (الخمس) هن من الجواري – وكلهن غير عربيات – بعضهن أمهات خلفاء ، لم يختلف عليهن ،ولا طُعن في سلوكهن ، فيما الاثنان – الأولى والثانية – هن كذلك من الجواري ، كانتا زوجتي أئمة من نسل الرسول ، وامهات ائمة كذلك ، ورغم ان أحداً لم يطعن في سيرتهما ولا في اخلاقهما – سوى انهما من الجواري – لكن اسميهما أصبحا مثلبة عند بعض المتشددين .
مقابل ذلك ،السيدة عائشة ،عربية قرشية ، زوجة نبي وابنة خليفة ، تزوجها النبي وهي طفلة لم تتجاوز السادسة ،ودخل عليها وهي في التاسعة - حسب الرويات - لكن ذلك لم يمنع انها المرأة الأكثراثارة للمشكلات كما تناولتها الروايات في كتب الصحاح ، بالكثير مما يثير تساؤلات حول مافعلته ،فقد شككت برسالة النبي وخاطبته (يا من تزعم انك نبي ) و( مَا أُرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ ) كما انها كسرت الآنية أمام الرسول وهو بين صحابته ، وأنبها الرسول بقوله ( لاتكوني فاحشة) ونقلت روايات أخرى ،ان أباها قال للرسول : خانتك وفضحتني ،كما حرضتْ على قتل الخليفة عثمان (اقتلوا نعثل فقد كفر) ثم قادت جيشاً لاحداث فتنة بين المسلمين ،ذهب ضحيتها عشرات الالاف – العرب – (معركة الجمل ) ،ومع ذلك هي المرأة الأكثر أهمية وقداسة عند الكثير من المسلمين .
ذلك هو التاريخ ، بكل تناقضاته وانتقائيته ولا معقوليته ، نرجس وحميدة فيه مدنستان ،ومراجل وماردة وشجاع ،موقرات ،رغم انهن من الجواري جميعهن .
كم يحتاج الانسان أن يتخلى عن الكثير من عقله ووعيه وضميره وما تعلّمه طوال حياته وانسانيته وموضوعيته ، كي يأخذ بتاريخ كهذا ،كتب بطريقة ((حب واحجي واكره واحجي)).
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha