منهل عبد الأمير المرشدي ||
إصبع على الجرح ..
ثمة مفارقات متشابهات متوازيات واضحات لكن بين مفرداتها مساحة من التقاطع تقف في طريق من يريد أن يكتب عنها . كم من تلميذ مشاكس قضى سنين دراسته بالتطاول على اساتذته وعدم احترام الثوابت التربوية شاءت الدنيا ان يتجاوز الدراسة المتوسطة ويدخل معهد المعلمين ويغدوا معلما في المدرسة فيكون مسؤولا عن مادة الإجتماعية او الإسلامية وينهي حياته بالنصح والإرشاد للتلاميذ في الإلتزام بإحترام المعلم واحترام من هو اكبر منهم سنا .!!! كم من متطوع في الجيش في زمن هدام ويقضي سنين حياته ينصح الآخرين ان لا يخطأوا خطأه ويتطوعوا وينهوا عمرهم بين الحزم والقسوة والبعد عن الأهل لكن التطوع في الجيش مستمر بل حتى الكثير من ابناء اولئك الناصحين تلقاهم اول المتطوعين !!! كم من عاشق عصامي يتلوع في ويلات العشق والفراق يتنقل قلبه من حبه الأول الى حب جديد رغم معرفته بأسى الشوق وحرقة العشاق .
كم من متقاعد يشكو قلة راتبه واعضاء مجلس النواب والحكومة لا يسمعوا أنينه ولا شكواه رغم انهم سيغدوا يوما متقاعدين لكنهم لا تفاعل ولا شهامة ولا هم يحزنون . كم من كاتب يكتب عن وجوب احترام كبار السن ومراعاتهم بل حتى الأديان السماوية أكدت على البر والتقوى والتعامل بالحسنى على من يأخذه الكبر ليس الآباء فقط بل لكل كبير سن حرمة ومقام لكننا نجد حالات من المآسي والعقوق ومشاهد تؤلم القلب في الشوارع ودور المسنّين وغيرها.
كلها مفارقات متشابهات متقاطعات قد يخرج بعضها من طور الإحكام فمعلم الأمس يختلف عن معلم اليوم ورأينا وسمعنا ان هناك تبادل للسجائر بين التلميذ واستاذه ولقاءات في النوادي تجمع ولا تفرق والكل في الهوى سوى . وجيش اليوم لم يعد مثل جيش الأمس في الضبط والربط والتجهيز والحضور وارتكاب جريمة الغياب الرسمي ولا عرضات الفجر ما قبل أفول النجم ولا نعم سيدي . حتى العاشقين فعشق الأمس ليس كعشق اليوم بعدما فتحت وسائل التواصل الإجتماعي لكل من يهوى ان يعشق في اليوم كما يشاء وكيفما يشاء ويجدد اهات العشق بين الحين والآخر فلا وفاء ولا صدق ولا حب ولا هيام حتى اني سألت احد ابناء صديقي عن ماذا يعرف عن قيس وليلى فقال لي (عمو منو قصدك قيس ابن خالي وليلى بنت خالتي ام محمد) !!!!
حتى المتقاعين فقد تبين ان الحكومة والنواب اصيبوا بالطرش والصم والبكم لأن تقاعدهم غير تقاعد آبائهم واجدادهم فأربع سنين صارت تكفي ذوي الدرجات الخاصة واصحاب المعالي والسيادة والفخامة ليستلموا الراتب التقاعدي بملايين الدناير وقدر ما تتسع الحقيبة اما متقاعد الأمس فيعيش على الكفاف وذوي النخوة وهو ينادي بصوت المظلوم حسبي الله ونعم الوكيل .
من هنا نأتي الى كبار السن الذي أمسى بعضهم قد يرقد لكنه لا ينام وقد يأكل لكنه لتا يشتهي ولا يهضم الطعام . قد يضحكون لكنهم لا يفرحون ويوارون دمعتهم تحت بسمتهم الخجولة المصطنعة . متى يفهم ابناء القوم ما يعيشه كبار السن ؟ متى يفهموا ويدركوا كم يؤلمهم بُعدُكم عنهم وانصرافكم من جوارهم واشتغالكم بهاتفكم في حضرتهم .
ايها الشباب : لا تكونوا من الحمقى فتتناسونهم وتتطاولوا على مكانتهم وتصادروا ارثهم في حياتهم فلم يعودوا محور البيوت وبؤرة العائلة كما كانوا قبل فلولاهم لما كنتم إسما اوشهادة او مكانة فانتبهوا وارتقوا الى تلبية كل ما يشائوا . حوائجهم أبعد من طعام وشراب وملبس ودواء بل وأهم من ذلك بكثير فهل من عاقل يدرك ذلك . تيقنّوا وصدقوا انهم قريبون من الله ودعاؤهم أقرب للقبول فأغتنموا قبل نفاد الرصيد .
كبار السن فقدوا والديأحبتهم وكثيراً من رفقائهم . قلوبهم جريحة ونفوسهم مطوية على الكثير من الأحزان فالكلمة التي كانت لا تريحهم حال قوتهم الآن تجرحهم والتي كانت تجرحهم الآن تذبحهم !! استمعوا لحديثهم وأستأنسوا بكلامهم ، وكنوا سعداء بالجد لا بالإدعاء بوجودهم . لقد غادر بهم القطار محطة اللذة وصاروا في صالة انتظار الرحيل . إنهم يحتاجون إلى بسمةٍ في وجوههم وكلمةٍ جميلة تطرق آذانهم ويداً حانية تشعرهم بالوفاء ورد الجميل .
يقال ان رجلا ذهب من بغداد الى مكة المكرمة يحمل والده على كتفه لإداء فريضة الحج . شاهد أحد اصدقائه وهو يطوف في البيت الحرام ووالده مستلق على ظهره فقال له بارك الله فيك والنعم منك انت ابن بار لوالديك .تبسم صاحبنا ودمعت عيناه وقال له لا يا أخي .. لقد حملني في صغري لحياتي واحمله اليوم لمماته ..
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha