المقالات

ماهي الجنة التي سكن فيها آدم ؟


د.مسعود ناجي إدريس ||

 

 هل الجنة التي سكن فيها آدم وزوجته هي جنة المأوى أو جنة من جنان الدنيا ؟ وهل كانت من جنات الأرض أو من جنات السماء ؟ ...

جواب: المنقول عن الجمهور أنها جنة المأوى أخذاً بظواهر الآيات والأحاديث كقوله تعالى : {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة : 35] . واستغربه ابن كبر في «البداية والنهاية» وقال مستدلاً بحديث مسلم عن أبي هريرة : يجمع الله الناس ويقوم المؤمنون حين تزدلف لهم الجنة فيأتون آدم فيقولون : يا أبانا استفتح لنا الجنة ، فيقول : وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم ؟ فقال ابن كثير بعد نقل هذا الحديث : وفي هذا قوة جيدة ظاهرة في الدلالة على أنها جنة المأوى .

ولكن هذا القول بعيد ، لأن أوصاف جنة المأوى المذكورة في القرآن الكريم لا تنطبق على الجنة التي سكن فيها آدم ، فمن صفاتها الخلود لمن دخلها يقول سبحا نه : { لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ } [الحجر : 48] .

وقال : { لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ } [التوبة : 21] .

فلو كان آدم من سكانها ، لما أخرج منها أبداً .

وأما الرواية التي ذكرها مسلم عن أبي هريرة فإنها أشبه بالإسرائيليات ، لأن ظاهر الآيات هو أن المؤمنين إذا اقتربوا من الجنة وجدوها مفتوحة أبوابها ، لا مقفلة حتى يتوسلوا بآدم لفتحها؛ يقول سبحانه : { جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ } [ص : 50] ، { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } [الزمر : 73]

فالواو في قوله : { وَفُتِحَتْ } للحال ، ومعنى الآية أنهم يصلون إلى الجنة في حال كونها مفتوحة . فالاعتماد على الرواية في تعيين الجنة التي سكنها آدم ، غير صحيح .

ويؤيده ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث سئل عن جنة آدم ؟ فقال : «من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ، ولو كانت من جنات ا لآخرة ما خرج منها أبد".

وأما أنها هل كانت في الأرض أو في مكان آخر ؟

الظاهر هو الثاني ، لأن الصفات التي يذكرها القرآن للجنة التي سكن فيها آدم لا تنطبق على جنات الأرض حيث يصفها سبحانه عند خطابه لآدم بقوله : { إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى } [طه : 118 ، 119]

وفي آية خرى يصف الجنة التي سكن فيها آدم بخلوها من الشقاء والعناء فيها ، يقول سبحانه : { فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى } [طه : 117] .

وكل ذلك لا ينطبق على جنات الارض .

ويؤيد أنها لم تكن في الأرض ، أنه سبحانه خاطب آدم و زوجته - بعد خالفتهما أمره - بقوله : { اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ } [البقرة : 36] . بناء على أن الإهباط كان مكانياً لا معنوياً .

وحصيلة الكلام : أنه سبحانه أسكن آدم وزوجه في جنة من جنان الدنيا ، في مكان غير الأرض ، كانت دار سعادة وهناء ونعيم ، لا جوع فيها ولا عري ولا ظمأ ، فمكثا فيها إلى أن أغراهما الشيطان بالعصيان ، فأخرجا منها وأهبطا إلى الأرض. هذا ما يظهر من الآيات ، وبذلك يعلم سر قوله سبحانه و(اني جاعل في الأرض خليفة) ، فالغاية من خلق آدم هي جعله خليفة في الأرض لا في جنة المأوى ولا في جنة أخرى من جنان الدنيا ، ولكن اقتضت حكمته تعالى أن يمر بحوادث ويتعرض لابتلاء قبل أن يهبط إلى مقر خلافته .

وهنا يثار هذا التساؤل لماذا لم يخلقه الله تعالى في الأرض منذ بداية الأمر إذا كان مآله إليها؟ ولعل الجواب يكمن في السر الذي اكتنف خلقته في الجنة إذ ثبتت خلافته ، وتجلت مكانته العظيمة بسجود الملائكة له ، كما انتفع خلال مسيرته بتجربة هامة أتاحت له معرفة عدوه الذي لم يفتأ يغريه ويغري ذريته من بعده بركوب الشر ونبذ الخير ، وذاق مرارة المحنة ، وعرف سبيل تجاوزها بالرجوع إلى ربه تائباً مستغفرا ، إلى غير ذلك من الأسرار التي تعلمها أبونا آدم (عليه السلام) في تلك المسيرة الطويلة .

 

ــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك