الشيخ محمد الربيعي ||
اعظم الله اجركم بذكرى شهادة الامام الجواد ( ع )
يقول الامام محمد الجواد ( ع ) : (( لا تكن ولياً لله في العلانية وعدوّاً له في السرّ ))
بحيث تكون أمام النّاس مؤمناً خيّراً تحمل "السبحة" بيدك وتسبِّح الله، ولكن إذا خلوت مع نفسك فإنك تصبح عدوّاً لله من خلال أعمالك التي لا يرضاها الله تعالى.
ومن هنا، ينبغي للإنسان أن يكون الصادق في علاقته بالله، بحيث تلتقي علانيته بسرّه فلا تنفصل عنها، وذلك بالازدواجيّة بين السرّ والعلن، لأنَّ ذلك يوحي بفقدان التوازن ويؤدي به إلى خسارة المصير، لأنَّه يضع نفسه في دائرة النفاق، وهذا ما يجعله في موقع سخط الله الذي يعامل الناس على واقع أمورهم في الباطن الذي تتمثّل فيه حقيقة الشخصيّة.
وورد عنه(ع): "كفى بالمرء خيانةً أن يكون أميناً للخونة"، بحيث يدافع عنهم ويحفظ أسرارهم ويبرّر لهم خيانتهم.. فهذه من أعظم الخيانة، لأنَّه لا فرق بين من يخون وبين من يكون قوّة للخائن، لأنَّ الخيانة تتمثّل في الذهنية الخيانيّة التي تتجاوز السلوك الإنساني في نفسه إلى الامتداد في الواقع بمساعدة الخائنين.
ويعلّمنا الإمام(ع) عندما نتحرّك مع الزمن ألا ننسب الأشياء إلى الزمن، فقد جاء أحد الأشخاص إلى الإمام عندما تزوّج »أم الفضل« بنت المأمون فقال له: "يا مولاي، لقد عظمت علينا بركة هذا اليوم، فقال(ع): يا أبا هاشم، لقد عظمت بركة الله علينا فيه ـ فلا تنسب البركة إلى اليوم، فإنَّ اليوم لا يملك أن يؤخِّر أو يقدّم، ولكن إذا جاءتك البركات في أيِّ يومٍ وزمان فانسبها إلى الله تعالى، لأنَّه هو الذي يعطي ويمنع ـ فقال الرجل: نعم يا مولاي، فما نقول في اليوم؟ قال(ع): تقول فيه خيراً يصيبك"، عليك أن تتفاءل بالأيام، وليكن تفاؤلك من خلال ثقتك بالله تعالى الذي هو عند حُسن ظنِّ عبده المؤمن، فإذا ظنَّ به خيراً أعطاه الخير ثواباً منه لحسن ظنِّه به
وفي روايته عن أمير المؤمنين عليٍّ(ع) أنَّه قال لأبي ذر عندما أُبعد من المدينة، وهو يريد أن يهوِّن عليه مشكلته وبلاءه وابتعاده عن مدينة رسول الله(ص) التي قضى فيها كلَّ عمره الإسلاميّ: "إنما غضبت لله عزَّ وجلّ فارْجُ مَن غضبت له ـ إنَّك يا أبا ذرّ لم تغضب لنفسك، لتكون المسألة مسألة شخصيّة تعيش فيها حالة اليأس والقنوط والإحباط، ولكنك غضبت لله، والله هو المهيمن على الأمر كلِّه، غضبت لأنَّك رأيت أنَّ الله يُعصى فنهيت عن المنكر، ورأيتَ الله لا يُطاع فأمرت بالمعروف.. ولذا، فإنَّ القضية هي مع الله، فارْجُ مَن غضبت له..
وهذا درسٌ لكلِّ إنسان مصلح عامل عندما يضطهده الناس المنحرفون أو الظالمون، فإنَّه عندما يغضب لله، سينال منه التعسّف والقسوة والتشويه من خلال غضبه لله، ولذا، عليه ألاَّ يسقط، بل عليه أن يرجوَ الله سبحانه ـ إنَّ القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك ـ الفرق بينك وبين هؤلاء، أنهم انطلقوا في دنيا انحرفوا فيها عن الخط، وكنت تريد أن تعيدهم إلى الخطِّ، ولو أعدتهم إلى خطِّ الاستقامة بعيداً عن خطِّ الانحراف لفقدوا كثيراً من امتيازاتهم الماديّة والمعنوية التي صنعوها لأنفسهم، أما أنت، فلم تنطلق من دنيا تريدها أو من منصب فقدته، أو من مال لم تحصل عليه، وإنَّما انطلقت من خوفك على الدين أن ينحرف به الناس عن الخطِّ المستقيم.. ثم أراد له(ع) أن يفتح له ولكلِّ العاملين في سبيل الله كلَّ أبواب الأمل، فقال(ع): ـ لو أنَّ السموات والأرض كانتا على عبد رتقاً ثم اتّقى الله عزَّ وجلَّ لجعل الله منها مخرجاً ـ ثم قال له(ع) والكلمة لنا جميعاً ـ : لا يؤنسنّك إلاَّ الحقّ ولا يوحشنّك إلاَّ الباطل".
إنَّ أهل الحقّ عندما ينفضُّ الناس عنهم، فإنّهم لا يستوحشون، لأنَّ الحقّ هو الأنيس لهم، والله هو الحقّ، وما يدعون من دونه هو الباطل، أما إذا عاش الإنسان الباطل، فإنَّه لو كان كلُّ الناس معه، فإنَّه يعيش الوحدة، لأنَّ الباطل عندما يحيط به، فإنَّه يعيش الغربة القاتلة.
اللهم احفظ الاسلام والمسلمين
اللهم احفظ العراق وشعبه
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha