علي الخالدي ||
العواطف مؤثر مباشر لكل قرار يؤخذ في الحياة، وينتج عنها تغيرات بدنية وعقلية تحدد مسار التفكير والسلوك، وترتبط العاطفة بالعديد من المفاهيم النفسية، وتمارس قوة هائلة بشكل لا يصدق على الحراك البشري، حيث يمكنها دفع المشاعر القوية إلى اتخاذ إجراءات قد لا يؤديها الشخص، في حالاته المعتادة.
يقول الباحث تشارلز داروين: ( أن العاطفة تقدمت، لأنها كانت قابلة للتوافق وسمحت للإنسان والحيوان بالبقاء، بحيث تؤدي مشاعر العاطفة بالأشخاص إلى البحث عن الأصدقاء والمعارف والتكاثر، وتجبر مشاعر القلق الأشخاص على القتال أو الفرار من مصدر الخطر) ويضيف داروين، وهو مرتكز البحث والغاية المراد وصولها من نقل رأيه (ان العاطفة قادرة على تحريك جموع بشرية في بيئة معينة، تساعدهم على تحسين فرص النجاح والبقاء على قيد الحياة).
يقول هاري ميلز( إنَّ العاطفة تتفوق على المنطق بعدة مزايا، أبرزها أنَّ العاطفة تؤدي إلى تغيير السلوك بشكل أسرع مما يفعل المنطق، كما إنَّ العاطفة تتطلب مجهوداً أقل) إذن العاطفة قادرة على تحريك ودفع قطعات او جموع بشرية كبيرة، تجاه شاخص ما؟ لدفعه او جذبه، حسب مغزى وهدف العاطفة, بتكلفة اقل من تكلفة استخدام العقل والمنطق، اللذان يتطلبان شواهد وادلة لإثبات الحدث المستهدف، أي(إلى المعرفة لدفعه لدى المجتمع) وهذا يعني تحتاج الجهد في الشواهد الثبوتية والعينية وغيرها، بينما العاطفة تكتفي بتحريك الأحاسيس والخواطر والمشاعر المكنونة بالأصوات والإيحاءآت الصورية.
في السياق ذاته فإن العاطفة أحياناً تحتكم للعقل، فيكون قرارها ناضج، وقد لا ترجع اليه او تغلب عليه فيكون قرارها فوري بلا وعي، فيكون هنا جهل عاطفي او عاطفة بلا معرفة، وهذه التحليلات والدراسات الكثيرة في علم النفس لهذا المحتوى، هي من دفعت حكومة الشيطان الأكبر وحلفاءه لاستثمار سلاح العاطفة، ووضعه ضمن أسلحة دمار المجتمعات، وفي خانة الحروب الناعمة، وخاصة ان هذا السلاح ذو تكليف مالي بسيط.
لتوضيح ما تقدم فإن للعاطفة عبر التأريخ شواهد وقصص وحكايات كثيرة، فهي احد مشاريع الإصلاح والاستنهاض او العكس سلاحاً في الإفساد والتدمير، وبيدقاً قد يساعد العقل والمعرفة تقدمهما او قد تقتلهما معاً، فالعاطفة كانت سلاح سيدتنا زينب وامامنا زين العابدين"عليهما السلام " وصوتهما الصادح واللامع بالمعرفة، الذي رفعوه لإستنهاض أهل الشام، ضد يزيد "عليه لعائن الله" بفضحه في مجالسه وبين انصاره ومواليه، والعاطفة هي من فجرت عناصر التوابين في الكوفة، بعد استشهاد الإمام الحسين "عليه السلام " ضد بقايا جيوش ابن زياد، وبقت عواطف زينب والسجاد إلى يومنا هذا تلهب جيوش النصرة لآل محمد" عليهم السلام " وتعد الأمة وتهيئها لصاحبها، ويؤكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله(إن لولدي الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد ابدأ ).
يلاحظ من خلال القراءة الاولية ان العدو استشعر خطورة هذا السلاح مبكراً، فأخذ يستخدمه في خلق ضلل و حُجب تغلق العقول، وصنع عواطف خداعة لاستثارة المجتمع وتغيير مساره او لتغييب وعيه، بقتل المعرفة والعقل اولاً، وهذا ما نشاهده اليوم في مجتمعاتنا، من وجود قيادات وزعامات مزيفة كثيرة، احاطت نفسها بحصانة العاطفة الخادعة، و أخطرها عاطفة القداسة والدين والنسب الشريف، والرمز المقدس اصطنعها العدو الصهيوني والأمريكي، لتدمير مشاريع الإسلام المحمدي الشريف، بخلق قيادات توازي القيادة الدينية الإلهية الحقة، لإضعافها او لجر المجتمع منها، وهذه أخطر فتن ما قبل الظهور الشريف، فكل رمزٍ سياسي او ديني هو امتحان وابتلاء وموضع افتتان للأمة، اذا لم يكن فقيهاً او مجتهداً او جامعاً للشرائط(القيادات الإلهية ) او يعمل تحت ظلهم.
حدثنا أهل البيت "عليهم السلام" في أحاديث كثيرة عن شخصيات قبل الظهور مثال السفياني والشيصباني والاصهب والابقع والمرواني والرويبضة وغيرها كثير، فكل هذه الشواخص هي تخرج من رحم الأمة الإسلامية وقبل الإمام المهدي المنتظر "عليه السلام " لإسقاط وحرق شرائح كبيرة من المجتمع، مغربلة أصحاب العواطف ودعاة الدين (ويسقط من الغربال خلق كثير ) وصولاً للفرج الأكبر.
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha