محمد الحسن ||
اعتاد شيعة العراق على لعب دور المظلوم، ومن العسير انتقال عوامهم من هذا الواقع الى الاندماج كجزء اساسي من المجتمع الدولي. وفضلا عن ذلك؛ عادة ما تستخدم القضايا الكبرى من قبل القوى السياسية لخدمة اغراض صغيرة تتعلق بتلك الاحزاب والتيارات السياسية وعلى المستوى المحلي فقط، وبالتالي تفقد تأثير هذا المكون الاجتماعي عالميا. ناهيك عن كون اغلب الاحزاب الشيعية اذا ما انتمنى او ادعى الانتماء إليها شخص من غير ابناء جلدتها تبكي فرحا وكأنها اخترعت الحل لأزمة الجفاف واعادت هيبة المناخ ورتقت ثقب الاوزون!
آخر مصداق على تلك الظاهرة، هو قيام شخص عراقي بحرق نسخة من القرآن الكريم في مملكة السويد. هذا الشخص انتمى في عام ٢٠١٤ الى احد الفصائل التي قاتلت الارهاب، ومن ثم انتمنى في تظاهرات اقتحام البرلمان الى تيار سياسي معروف.
تظاهرت عليه الجهة التي افتخرت يوما بانتمائه لها، بينما الجهة التي كان محسوبا عليها في عام ٢٠١٤ قالت أنّ هذا المجرم كان معكم فلماذا تتظاهرون عليه؟!.. والحقيقة انّ الرجل قد اخترق الجهتين وكل جهة احتفت به في مرحلة زمنية معينة، والحقيقة الثانية أنّ التظاهرة لم تكن نصرة للقرآن؛ انما هي تظاهرة سياسية واختبار هدفه معرفة تأثير راعي ذلك التيار على انصاره، ووفق نتائج الاختبار يكون القرار. ولا تخلو التظاهرة من رسالة الى الخارج: انا الاكثر تأثيرا واستطيع ضرب مصالحكم في اي وقت اختاره، فعليكم التفاوض معي.
وسط هذا الصخب الذي وجد اصحابه بحادثة حرق القرآن فرصة للاستغلال السياسي؛ وجهت المرجعية العليا في النجف الاشرف رسالة من سطور قليلة الى الامم المتحدة، وكانت النتائج كبيرة وقوية، اذ رفض المجتمع الدولي، بما فيه السويد، حادثة الحرق وعدّه فعلا عدوانيا ضد المسلمين. هذا التأثير المرجعي لم يأتِ صدفة، بل هو نتاج طبيعي لمسيرة حافلة بالمواقف الانسانية الموثقة والداعية الى فرض التعايش السلمي، إبتداءً من منع المرجعية العليا الفتنة في النجف الاشرف ووأدها في بداياتها ومرورا بالتصدي للحرب الاهلية واخماد نارها، ومن ثم تصديها لدولة الارهاب ودحرها. هذه وغيرها من قائمة المواقف التي وقفها المرجع الاعلى السيد السيستاني، فتحت عهدا جديدا للشيعة يمكّنهم من لعب دور دولي بعيد عن لغة التصعيد والتهديد، فرسالة مكتب المرجع بها ما يتفوق على الفعل فضلا عن التلويح به، فالعالم يدرك انّ كلمات قليلة من السيستاني تجعل العراقيين يقاطعون الغرب، وفي مرحلة يشهد بها العراق صعودا، لا يمكن للغرب ان يخطي خطوة واحدة تهدد مصالحه في البلاد؛ وهنا يتضح الفرق بين المرجعية التي تدافع عن القرآن من منطلق القوة والغيرة، وبين من يرفع القرآن للاستثمار السياسي الداخلي.
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha