كوثر العزاوي ||
كل شيء في هذه الدّنيا إما أن يتركك أو أن تتركه إلا الله!
إن أقبلتَ إليه أغناكَ وإن تركتهُ ناداك، وما حياة الإنسان إلّا مجموعة من الحكايا، لكل حكاية تجربة مختلفة، ولونٌ مُنفرد، ودَرسٌ جديد، هُناك حكايا تترك ذكريات طيّبة في داخلك، وتحملها في وجدانك أينما تكون وفاءً وامتنانًا حتى لَحدك!، وثَمّة حكايا يكفيك أن تعَلَّمتَ منها الدرس وأخذتَ منها العِبرة، ولكن أقسى الحكايا تلك التي أخذَتْ جزءًا منك وماترَكَتْ غير العَبرة والحسرة، وبذلتَ لأجلها الأسمى، يوم أجدبتْ أرضٌ وشحّت سماء، وكنتَ سعيدا راضيا لاتبالي لشيء لتصبح تلك الحكاية الشيء الكبير والكثير لك، كونها الأمل الذي يحدو بكَ ليومٍ أعددتَ لهُ خريطة المسار، فتتفاجأ بمرورها أمام عينيك، تجود على مَن لايعرفُ بالنظرات والبسمات والكلمات، وتُغدِق بالجهود والأمثال والآيات، تلتفّ حولها الناس مَثَلًا أعلى!! لكنها لم تراك بل لم تعرفك وانت تأريخ مولدها كما كان لسان حالها يقول، عجبا! تَجاهلٌ مطلق، اسمك، أثرك، صدقك، ذكرياتك، عطاؤك، تضحياتك، بل شيء!! ترى كيف أتقنوا التنكّر وأجادوا الإستخفاف وهم كبار يلتفُّ الناس من حولهم، يحملون القيم والمبادئ شعارًا ويتخذون من أولياء الله نبراسًا، والحق أنهم لم يجسّدوا شيئا في معاملاتهم من تلكم الأمثال النورانية، وهم يفقهون "إنما الدين المعاملة"! حقًا إنها المواقف والعلل، عندما تكشف ماوراء البشر تكشفها بقسوة، لدرجة أنك تحتاج وقتًا طويلاً لتستفيق من صدمتك، وتستوعب غرابة الوجه الحقيقي الذي تقاسمتَ معه وَطَرًا مهمًّا من العمر حدّ الإستعداد للمنيّة، لتُصدَم أخيرًا في محطة، لتجد أنك مخبول إذ لم تحسب لقادماتِ الزمان حسابًا ذكيًا!! وعندئذ تتمثّل أمامك بعض ماحفظتَ من تراث الحكماء كي تتعكّز عليها عند انهيار القوى، فلايليق السقوط بمَن أتقن الصبر،
"إياك والإكتساء بمَن لا يعرف معنى اﻹحتواء فيمنحك التعرّي، وإياك واﻹتكاء على مَن لا يَعي معنى السند فيهديك السقوط، وإياك واﻹرتواء بمعسول الكلمات حتى لا تظمأ، وإياك وأحلام الوعود، حتى لا تجزع!!
إنَّ حاجة الإنسان لفرد مثله كانت ولا تزال المفِصَل لتمييز معادن الناس، فكم من محتاج يكتم سره في جوفه ﴿يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفّف﴾ولا يَكِل أمره سوى لربّهِ
وللأسف أقولها، إنّ بعضًا من الذين تتوسّمُ فيهم خيرا تراهم يستغنونَ على الظن، وغالبا مايتقمصون دور الضحية أنَفة وحبًا للذات، وإلّا معنى الاستغناء عن الناس لا يستدعي قطع الصلة بهم، بل إنهم بحاجة لك، لحسن خلقك وإثبات مبادئك، لتبقى على صلة طيبة معهم تثبيتًا لإخلاصك، فما ورد عن أمير المؤمنين "عليه السلام" خير شاهد إذ يقول: { ليجتمع في قلبك الافتقار إلى الناس والاستغناء عنهم فيكون افتقارك إليهم في لين كلامك وحسن بِشرك، ويكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك وبقاء عزّك} فالحديث يوضح بأن افتقارك إلى الناس بحسن المعاشرة وسهولة العريكة لا يتنافى مع استغنائك عنهم وعمّا في أيديهم، فحسن العشرة هي عامل ارتباطك بهم على أساس علاقة إيمانية اجتماعية ودّية ذات طابع انسجامي تتجلى فيه سمات المؤمن المعطاء الذي يتخذ من نهج آل محمد "عليهم السلام" منهجًا لا سِتارا!!
٢٧-ذي الحجة١٤٤٤هج
١٥-تموز-٢٠٢٣م
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha