الشيخ محمد الربيعي ||
وقد يقول قائل، إنَّ مسألة الإمامة التي قد تجعل لهذه الحركة ( ثورة الامام الحسين ع ) ، خصوصيَّتها في مسؤوليَّات الإمام المعصوم، ولم تكن المسألة مسألة عناوين عامّة لأيّة قيادة أخرى.
والجواب، إنَّ الإمام لا ينطلق في حركته من خصوصيَّات المسؤوليّة الخفيّة التي لا يعرفها المسلمون معه، لأنَّ القضيّة هي قضيّة الإسلام فيما يجب عليه أن يحرِّك الأُمّة لتحقّق له قوّته وعزّته وكرامته، من خلال عناوينه الكبيرة، وأهدافه الواسعة، ولذلك، فإنّه ينطلق من قضايا الإسلام وعناوينه التي يشعر المسلمون معه بأنّهم معنيّون بها من خلال مسؤوليّتهم عنها، لا من خلال الطّاعة العمياء للإمام الذي تجب عليهم طاعته.. ولذلك، كانت طريقة القرآن في حديثه عن المعارك التي يريد للمسلمين أن يخوضوها، أو التي خاضها المسلمون قبل نزول الآيات، هي أن يقدِّم لهم العناوين التي يريد الله لهم أن يتحرَّكوا من أجل تحقيقها في الواقع، لينطلقوا من موقع وعي للهدف، لا من موقع استسلام أعمى للأمر، وهذا ما لاحظناه في الآيات التي تحدَّثت عن بدر وعن أُحُد وعن حُنَين والأحزاب وغيرها؛ وهكذا رأينا العناوين الكبيرة التي وضعت في واجهة هذه المعارك التي انطلق بها المسلمون في كلّ معاركهم ضدّ الكفَّار، وهي التي انطلقت بها قيادة الإمام عليّ (عليه السلام) في الحرب الدّاخليّة، لتأكيد قوّة الموقع الشرعي، من دون أن تكون هناك أيّة خصوصيّة للعصمة في القائد أو للموقع المميَّز له، بل كان الخطاب في ذلك للأُمّة كلّها في نطاق القيادة الشرعيّة ـــ أيّة قيادة ـــ على أساس حاجة المعركة في كلّ ساحات الصراع للقيادة.
شرعيّة الثّورة
ولذلك، فإنَّنا نستطيع أن نستوحي من حركة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء، أنّه كان يطرح شرعيّة المعركة من خلال عناوينها الإسلاميّة العامّة، لا من خلال خصوصيّة إمامته، وهذا ما نقرأه في خطابه الذي بدأ به مسيرته: "أيُّها الناس إنَّ رسول الله قال: مَن رأى منكُم سُلطاناً جائِراً، مُستحلاً لحرم الله، ناكثاً بعَهدِه، مُخالِفاً لسنّةِ رسولِ الله، يَعملُ في عبادِه بالإثمِ والعدوانِ، فلم يُغيّر عليهِ بقولٍ ولا بفعلٍ، كان حَقّاً على الله أن يُدخِله مَدخلَه، ألا وإنَّ هؤلاء القوم قد تركوا طاعة الرّحمن، ولَزِموا طاعة الشّيطان، وأظهروا الفساد، وعَطَّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأنا أحق مَنْ غَيَّر".
وخطابه الآخر: "إِنّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلا بَطَراً، وَلا مُفْسِداً وَلا ظالِماً، وَإِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصْلاحِ في أُمَّةِ جَدّي، أُريدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهى عَنِ الْمُنْكَرِ، فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ الْحَقِّ فَاللهُ أَوْلَى بِالْحَقِّ، وَمَنْ رَدَّ عَلَيَّ هَذَا أَصْبِرُ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَ الْقَوْمِ بِالْحَقِّ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ".
وفي ضوء ذلك، يمكن لنا أن ندخل في مثل هذه التجربة على أساس شرعيّة الموقف إذا كانت المرحلة شبيهة بالمرحلة التي عاشها الإمام الحسين من حيث الظّروف والأوضاع والمواقع، وبذلك تخضع المسألة في حركة العناوين الكبيرة في واقع الأُمّة لدراسة المرحلة الزمنيّة والسياسيّة في مدى الإيجابيات التي توفّرها للمصلحة الإسلاميّة العليا على صعيد تغيير الواقع، أو إيجاد الصدمة النفسيّة أو السياسيّة التي قد تهزّ الأُمّة من أجل إعدادها لمرحلة جديدة، أو الإعداد للخطّة الطويلة التي تحتاجها الثورة في مواجهة التحدّيات الكبيرة للاستكبار؛ فقد تحتاج القضيّة إلى الأسلوب الكربلائي، وقد تحتاج إلى الأسلوب الهادئ الذي ينفتح على السلام على أساس المرونة العمليّة التي تمثّل أسلوب الانحناء أمام العاصفة ريثما تمرّ، ليبدأ التحرّك في أجواء طبيعيّة ملائمة، وقد تمسّ الحاجة إلى أسلوب متنوّع فيما بين الرّفق والعنف، فيتحدَّد الحكم الشّرعي في نوعية الحركة تبعاً لنوعية الظروف الموضوعيّة الموافقة أو المخالفة.
اللهم احفظ الاسلام واهله
اللهم احفظ العراق و اهله
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha