زمزم العمران ||
قصة واقعية، وربما يراها البعض أقرب من الخيال ،خاصة الذين لهم أعين لايرون بها ، وآذان لايسمعون بها ، وقد وصفوا كألانعام ،بل هم اضل ممن يدعون أن زمن نظام البعث المقبور، هو الزمن الجميل لأنهم لم يروا اي شئ من قبائحه، التي لا تعد ولا تحصى ، ليس بخفاء جرائمهم ، ولكن لأن أعينهم وقلوبهم ، محجوبة عن رؤيا تلك القبائح والجرائم ، التي قاموا بها والتي يُندى لها جبين الإنسانية.
في محافظة ديالى ، وبالتحديد قضاء الخالص ، سيطرة عسكرية ، تلقي القبض على رجل وزوجته في ريعان شبابهما ،بتهمة الانتماء إلى الحزب الشيوعي ، وبالتحديد (قوات الأنصار ) ، التي كان لها نشاط معارض للسلطة آنذاك ،وقد اعترف الاثنان بأنهما ينتميان إلى الحزب الشيوعي ، لكنهم عادا إلى بغداد ،ليمارسا حياتهم الطبيعية فقد كانوا بأنتظار مولودهما الاول ، لأنها كانت في شهرها الاخير ، وكالعادة فأن ذلك النظام يرى كل من يخالفهُ فالرأي هو عدو فلا يصدقه مهما قال ويعتبرونه من المتآمرين عليه لأسقاط سلطته ، أرسل المتهمين إلى محكمة الثورة سيئة الصيت ، لكي تحكم عليهم بالأعدام شنقاً ، وكعادته قام الملعون صدام بالمصادقة على تنفيذ الحكم ، قامت السجينة بتقديم طلب إلى أحد أركان في ذلك النظام المجرم برزان التكريتي ، تروم فيه تأجيل تنفيذ الحكم لحين ولادتها ، لكنه رفض الطلب تحت ذريعة أنه لايريد أن يولد خائن آخر ،وقد حكم على الجنين ، الذي لم يرى النور بعد بالخيانة، وهو في بطن أمه
كررت الطلب ولكن بشئ مختلف وهو بأجراء عملية قيصرية لأخراج الطفل البرئ إلى هذه الحياة ، وكعادته الذي لم يعرف للحياة وللأنسانية ، أي معنى قابل الطلب بالرفض أيضاً ، وقد ذكر الطبيب الذي رافق لجنة الإعدام ، أن زوجها ذهب لملاقاة حتفهُ، وهو مرفوع الرأس، ولم تثنه أساليب البعثيون ، عديموا الشرف والإنسانية ، ولم يأبه لجلاده ُ( السماوي ) الذي ساقهُ لملاقاة حتفه الاخير .
ثم جاء دورها ومن أجل أن يولد طفلها طلبت تأخير التنفيذ ، بعض الوقت لعل الله يكتب لهذا الجنين حياة ، ولكن دون جدوى لأن هؤلاء ليسوا بشرا فقد مسخت الرحمة من قلوبهم ، وتحولوا إلى وحوش بشرية ،تنفذ مايريدهُ السلطان الجائر ، عندها حاولت بما أوتيت من قوة ، لعلها تستطيع أن تلد جنينها وعيناها مغرورقة بالدموع ، وهي تحاول جاهدة لإنقاذ هذه الروح البريئة من الموت ، لكن هذا الجلاد لم يروق له أن يرى ذلك البرئ حياً ، لأنه مأخوذ بجريرة والديه ، فقام بسحب الكرسي من تحتها ، فهوت وهي تتأرجح وفي احشائها الجنين الذي شاء الله أن يهبهُ الحياة في هذه الثواني بعد سقوطها على الأرض .
عندها حصل أختلافاً بين الجلاد والطبيب ورجل الدين ، الذي كان وعاظ السلاطين حول ترك هذا الطفل يموت بجانب أمه ،ام السماح له بالحياة ، فرد الطبيب قائلاً : أن العقاب لايشمل الجنين ويقتصر على الأم فقط بينما كان لرجل الدين رأي ينمُ عن خسة لايمتُ إلى الدين وللأنسانية بصلة ، فقد شارك الجلاد لنفس الرأي أن الطفل لايحق له العيش ، إلا أن هؤلاء لايعلمون أن هناك إرادة أقوى من إرادتهم وهي أرادة الحق سبحانهُ ، أتفق الجميع على ترك هذا الرضيع عند طرف ثالث يكون تحت سيطرتهم ، وهي عاملة النظافة في السجن ، لحين البت بمصيرهُ من قبل المجرم برزان التكريتي ، أخذته تلك العاملة التي كانت عاقراً ، وتتمنى أن يرزقها الله بطفل ،قامت بتربيته ورعايته، كما وحمل أسمها واسم زوجها فالوثائق الرسمية ، حيث أسمته (وليد ) .
كبر وليد ونشأ وترعرع في كنف هذه العائلة ، لكي يعمل كاسباً في الأعمال الحرة بعد سقوط النظام عام 2003 ، جاء عمهُ من المانيا، يبحث عن ذكر باقٍ حي لأخيه الا وهو أبنه وليد الذي كان يسكن مدينة( الحصوة ) ،حيث التقى به وبالعائلة التي كفلتهُ منذ أن كان رضيعاً ، فخيرهُ بين السفر الى المانيا أو البقاء في العراق ، ولقد تكلم مع أمه التي ربتهُ فقالت له : أن الأمر عائداً إليه ، الا انه فضل البقاء إلى جانب أمهُ( رضية )، التي ربتهُ.
في عام 2004 عمل وليد في وزارة العدل ، وبالتحديد دائرة الإصلاح العراقية في إحدى السجون ولكي تتحقق العدالة الإلهية ، شاء الله سبحانهُ وتعالى أن ينفذ وليد حكم الاعدام بمن سلب الحياة من والديه ، كي يسقط القاتل في نفس المكان الذي سقط فيه الجنين وليداً .
https://telegram.me/buratha