د.أمل الأسدي ||
الأطفال يحفظون كل ما يسمعونه وإن لم يفهموا معناه، يُحفَر في ذاكرتهم، ليس الكلام وحسب!! وإنما مشهدية اللحظة كلها، لهذا ما زلت أتذكر عبارات جدتي السيدة زكية أو "الملا زكية رشيد ابو النشا الخفاجي" التي كانت تحفظ الأولاد القرآن الكريم في شبابها وكان بيتها كالكتاتيب العامرة بالمحبة، كانت جدتي تردد عبارة وترفع يديها بالدعاء وتقول: ( هينة لينة) وتردد عبارة أخری وهي:(ربي لا علی أرضك ولا علی عبدك) رحلت جدتي عام 1988 وبقيت صورة أمي وحزنها علی جدتي ماثلة أمامي، وبقي كلام الجيران راسخا في ذهني وهو" بالعافية عليها بالعافية" وبعد أن كبرت أدركت أن لجدتي فلسفةً عميقة، فلسفة إنسانية إسلامية، فلا يوجد لدی الإنسان ماهو أهم من العافية، فهي الكفيلة بحفظ مكانته وحفظ كرامته، ومن دونها يصبح حجرا ثقيلا، يستثقله الآخر وتستثقله الأرض!! أدركت أن سيدة الفطرة المبجلة كانت تطلب من الله كنزا نفيسا، وقد قال الإمام الصادق(ع):(العافية نعمةٌ خفية، إذا وُجدَت نُسيت، وإذا فُقدت ذُكرَت)).
أدركت معنی" هينة لينة" التي كانت تقولها في قيامها وقعودها، فهي تطلب من الله أن يهوّن عليها سكرات الموت، ويسهل عليها لحظات الانتقال الی العالم الحقيقي الدائم، حتی لا تتعرض الی صدمة ذلك الزائر الحتمي المباغت! وقد قال رسول الله الأعظم(صلی الله عليه وآله):(( أفضل الزهد في الدنيا ذكر الموت، وأفضل العبادة ذكر الموت، وأفضل التفكر ذكر الموت، فمن أثقله ذكر الموت وجد قبره روضة من رياض الجنة))
أدركت ياجدتي،قول الناس "بالعافية عليها" فقد أثمرت دعواتكِ وتحققت الـ( هينة لينة)تحققت بفطرتك ونقائك من دون دراسات وشهادات وكتب ودورات وفضائيات وبرامج وهواتف نقالة!!
جدتي، رحلت ومازلت أشم رائحة" المكينة وأستعذب طعم " الچاي المخدر"عليها، ومازلت أحفظ حكمتك
" هينة لينة"
https://telegram.me/buratha