انتصار الماهود ||
خرجنا تحت جنح الظلام متوجهين الى النجف الاشرف لنزور الإمام علي ع ومقبرة وادي السلام التي تعتبر المقبرة في العالم كله، نعم فنحن متفوقون على الجميع بعدد الاموات من احبتنا و التي تضم رفاتهم تلك المقبرة إضافة إلى الالاف المؤلفة من الموالين والمحبين الذين دفنوا بجوار امير النحل منذ مئات السنين وليومنا هذا.
ذلك الطريق أعاد لأذهاني ذكريات محفورة في عقلي منذ صغري وكيف كانت أمي رحمها الله تأخذنا لزيارة قبر اخي الشهيد ولدها الوحيد الذي فقدته في نهاية الحرب العراقية الإيرانية، لم تفارقني يوما تلك الأحداث التي عشتها منذ صغري وحتى يومي هذا.
تلك المقبرة التي تزورها النساء الجنوبيات الشروكيات الثكالى ممن فقدن الاحبة زوج، إبن ، أخ، والد، لقد كتب على أمي والنسوة من أهلي إرتداء ثوب الحزن من الشباب وحتى الممات.
لنعد بالزمن 32 عاما إلى ليلة عيد الفطر وصلنا ليلا للنجف وتوجهنا الى منزل حبوبتي أم قحطان وهي من أقارب والدتي وتسكن النجف بعد ان دفنت وحيدها الشهيد قحطان ولم يبق لها في ذي قار أحد فسكنت قرب قرة عينها و أستقر بنا الحال نرتاح من تعب الطريق في سرداب منزلها قبل التوجه فجرا للوادي، ذلك السرداب الذي يعج بالأنين والبكاء المخنوق تارة و العويل تارة أخرى من نساء لم يبق منهن سوى أشباح ترتدي اللون الاسود حزنا.
أتنقل بين أولادهن وأنا أسأل هل مات أخوك في الحرب مثل أخي فتارة كان الإجابة أبي و أخرى عمي أو خالي، أطفال بعمري لم يفقهوا شيئا من حياتهم سوى زياراتهم للمقابر او البقاء في منزل غاب صاحبه وانطفأ ضوءه، جذب انتباهي أحد الفتية يرتدي الزي العربي لكن بلون أسود يملؤه الحزن سألته قدمت لزيارة من قال أخي الوحيد مثلك لكن لي من الاخوات تسع وهن الآن بحمايتيبعد مرض أبي و فقده بصره من البكاء على أخي كلماته بقيت عالقة في أذني وأنا اردد كلهم فقدوا احبة مثلي لست وحيدة في حزني عدت الى أحضان أمي التي تنعى بحرقة قلب وألم لم أعرف كيف أواسيها وكيف أهون عنها وأنا التي لم أبلغ من عمرى العشر سنوات.
أذن الفجر وصلت والدتي في مقام أميري وشفيعي عليا ع وهي تخاطبه " يا ابو الحسن وليدي أمانة عندك بعده شبيب ما شاف من الدنيا شي و أخاف الگبر ظلمة و موحش عليه" وتوجهت بكل ما اوتيت من قوة الى قبره هي ونساء عائلتي اللاتي توجهن لقبور احبتهن والدموع رفيقة طريقهن ، أنا كنت متفرجة فقط لم أفهم لم هن بهذا الحزن والألم، ما هذا الصراخ والشوغات التي تعتصر قلوبهن لتخرج بهذا الشكل؟؟
تكرر المشهد هذا كل سنة وكل مناسبة ونحن نكبر وأصبحنا ندرك أكثر ونعرف أكثر ونتجول بين تلك القبور دون خوف تعودنا وألفنا صور الأحبة التي تعلقت على شواهد القبور.
عجيب أمر الجنوبيات كيف يذهبن الى هناك وهن بكامل الضعف والوهن والحزن يرمين كل أحمالهن ودموعهن وحسراتهن قرب ضريح داحي باب خيبر ع و قبور من فارقنهم ليعدن من جديد الى منازلهن وهن بكامل القوة والصلابة والشموخ والتحمل، فلطالما سألت امي كيف أصبحت بهذه القوة والصبر على فراق قرة عينك ووحيدك؟؟
تبتسم إبتسامة ممزوجة بحسرة وتقول "من تكبرين راح تفهمين وراح تتصرفين مثلي و أكثر إحنا الشروگيات هيج من الله قويات وصبورات".
تلك الهمهمة من فمها لم آخذها على محمل الجد حتى كبرت وفقدتها ودفنتها في أرض الغري وأصبحت مثل أمي أذهب لأميري ع و لقبرها وأنا ضعيفة حزينة منهكة أرمي أحمال قلبي المتعب قربهم لأعود قوية شامخة ومعطاءة كنخل الجنوب.
نعم أنا مثلها مثل أمي وأرضها أنا شروكية جنوبية أحمل من تلك الأرض القوة ومن أمي الصلابة أقف دوما شامخة رغم كل الألم الذي أمر به.
https://telegram.me/buratha