كاظم الخطيب ||
مؤلم جداً هو أن تنطوي سنوا طويلة من عمر المرء، دون إنجاز يذكر،أو حتى تقدم ملحوظ في مجال ما، رغم ثقته بنفسه، ورغم إمكانياته المتميزة، وخلقه الرفيع.
ثقة المرء بنفسه، هي الدافع الأبرز للمبادرة في إتخاذ القرارات المهمة والحاسمة في حياته، وإمكانياته المتميزة، هي الأداة التي تدعم عملية إتخاذ القرار، وتعزز الثقة بضمان النتائج المتوخاة منه، أما الخلق الرفيع، فإنه الهوية البارزة والمميزة، التي تحدد كينونته في قناعات الآخرين، وتمكنه من كسب ثقتهم، والتأثير فيهم من عدمه.
عشرون عاماً من الزيف مضت، وعقدان من الزمان إنصرمت، ولا شيء البته.. تلك هي أزمة شعب برمته، ووطن بكامل ترابه، وعلى إمتداد حدوده.
شعب واثق بنفسه، تواق للحرية ناشد لها، طامح جموح لبلوغ أعلى مراتب المجد والكرامة، وبلد له من الخيرات ما تعجز الأقلام عن تعدادها، وتنحسر الأفهام عن إحصائها، وأهم هذه الخيرات هي خلق شعبه العظيم، وسلوكه الكريم، الذي شهد له بذلك العالم بأسره، بل الدنيا برمتها.
كلمات أقولها على وجع آسفاً، وعبارات أكتبها على خجل معتذراً.. فالعراق بكل ما يعنيه من أرض ووطن، ومأوىً وسكن، وخيرات ومنن، قد ضاع وشعبه، بين زيف عشريني، ووهم تشريني.
ضياع أتى على كل شيء.. حتى لم تعد لحدود البلاد ملامح، ولا لبنيه آمانٍ ومطامح، والفخر كل الفخر؛ إنما هو لمن نجحوا في إيهام البسطاء بشرفيتهم المميزة، وقدراتهم الفذة المتميزة، وعلى أنهم قدموا من أجلهم، بعد جهاد طويل، وصبر جميل، وأنهم سيوفرون لهم العيش الرغيد، ويضمنون لأبنائهم المستقبل الواعد السعيد.
لقد عمد هؤلاء - الساسة- إلى محاربة كل جهد وطني، أو إنجاز شعبي، أو سعيٍ مرجعي حني، من شأنه أن ينتشل البلاد من القاع، وأهلها من التيه والضياع، فكانت جهودهم تنصب- دوماٍ- لتعزيز وجودهم العلقي، وتسنمهم المناصب والرقي، وكانت رؤاهم تتبلور، وجهودهم تتمحور- رغم تجذر خلافاتهم- لحماية مصالحهم على حساب الدين والشعب والوطن.
نتيجة ذلك كله.. كان أن إستقوى عليهم القزم الضعيف، وإستكلب عليهم المسعور الخفيف، وتلاعب بذات بينهم المهزوم الماجن السخيف، وقد أضاعوا بذلك بوارق الأمل بغبائهم، وأجهضوا بوادر العمل الشريف بجهلهم، وأهانوا سيادة العراق على أراضيه بضعفهم.
يحز في نفسي، ويلح على ضميري، أمر طالما تجنبت الخوض فيه، أو الإشارة إليه، لكنه يأبى إلا يكون حاضراُ في سطوري، وشاخصاُ في مهم ما سبق- وما زال - من أموري.. ذك هو عندما لاحت يوماُ للشرفاء بارقة أمل، وتراءت للطامحين فرصة عمل، كان من شأنها أن تضع البلاد على الصراط السوي، وتصنع بوجه الغاصبين عراقاُ قوي.
بارقة الأمل تلك.. كانت هي مبادرة الحزام والطريق؛ تلك المبادرة التي أشعلت ناراُ تشرينية، بإحطاب أعوادٍ عشرينية، بوجه ذلك الجاحد للإرادة الحزبية، والمشرك بالهيمنة الأمريكية، والمؤمن برؤى المرجعية.
أسقطته جهة بقصاصة، وأبعدته أخرى بعد أن كان لها فيه خصاصة، وأصبح في نظرهم مارقاً، وبشريعتهم سارقاً، ولمودتهم مفارقاً.
أسقطوه وما أسقطوه.. ولكنهم بذلك، إنما أسقطوا أنفسهم وما يشعرون، فأجهضوا الحلم وليداً، وصيروا العراق شهيداً، وجعلوا أبناءه أذلة وعبيداً.
https://telegram.me/buratha