أمل هاني الياسري
لأن المجتمع الإسلامي؛ عاش عصوراً من التصورات الخاطئة في عقول الجاهلين، لمعنى الإمامة المرادفة للنبوة، وهم بعيدون كل البعد، عن الثقيف الديني، والتحصين الذاتي؛ لمواجهة الإعلام الأموي البغيض، انبرى أبناء الإمام علي (عليه السلام) لهذا الدور الخطير، خاصة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكانوا نِعمَ الأبناء ونعمتِ البنات!! وبيت علي بن أبي طالب، كسفينة نوح حملت كل النماذج الكريمة، وأم هانئ إحداهنَّ.
أُم هانئ بنت الإمام علي (عليه السلام) زوجها عبد الله الأكبر بن عقيل بن أبي طالب، شقيق مسلم سفير الحسين، ولدت له محمداً وعبد الرحمن، قتلا في واقعة الطف بكربلاء سنة (61 للهجرة) بعد شعورهما بأن حبهما لخالهما سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) كان يتطلب ترك جسدهما على الرمضاء، قرب أبناء عمومتهما وأخوالهما، وما كان من أمهما المحتسبة، إلا أن تدعو للشهيدين بالسكينة والأمان، مع ابتسامة ممزوجة بالدموع والدماء.
حين تتكلم الأحزان ( أم هانئ بنت علي عليه السلام) عن قلوب الغربة، تتحدث أولاً رمضاء كربلاء عن ناتج مجتمع حسيني نسوي، منتج فعال، لتكتمل صورة المرأة الأسطورة، فلها مدن دموع ساكبة، أخذت تظهر وتشد من أزرها بقية النساء، وهي دموع انتصار لقضية كبيرة، كقضية الحسين (عليه السلام) فتأتي المعاني أفواجا وتنهال عليها بقوة، وتقوي من شأنها، فهي بنت الأبطح الأمين، ويعسوب الدين، وأمير المؤمنين.
السيدة الجليلة العلوية (أم هانئ) بنت أسد العراق الإمام علي (عليه السلام) كانت تنظر الليل بهمه وسواده، كأنه أمواج لا تنتهي من رمال الغاضرية، غارق في ذكرياته وبكائه، وإرسال دموعه وزفراته، فهي تدرك أنها تقدمت بولديها، فداءاً لأخيها الحسين (عليه السلام)، وتكحلت عيناها ببكاء يفيض بالحنين الرائع، قبيل عاشوراء الفقد والسبي، كأمها البتول فاطمة الزهراء(عليها السلام) يوم الباب الأليم، فحضرت الأم والأخت مصرع سيد شباب الجنة، الإمام الحسين (عليه السلام).
أهل البيت (عليهم السلام) حاولوا في كل عصر، إصلاح أي عوج، ليس لشرف المحاولة لأنهم أهل بيت النبوة، الذين أبعد الله عز وجل عنهم الرجس، بل لثقتهم بأن أرض جدهم علي (عليه السلام) تستحق الكثير حفاظاً على الدين والمذهب، ومهمتهم اقتلاع الأعشاب السياسية الضارة بالدين، قبل تحولها لجذور أشجار، وهم لم يتركوا أي مناسبة، لنصح الأمة والجماعة الصالحة، وقد وهبوا أنفسهم لأجل هذا الدين المحمدي.
عاصرت السيدة أم هانئ (رضوانه تعالى عليها)،حياة والدها الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأخويها سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين، وابنه الإمام علي زين العابدين (عليهم السلام أجمعين)، وهي بذلك نهلت من علومهم واحاديثهم، وورثت مناقبهم الخالدة، ومن الطبيعي وسط هذه الأجواء الملائكية، تستقر موضوعة الحفاظ على الدين، ونصرة أخيها الحسين نصب عينيها، فقدمت الغالي والنفيس؛ لأجل نبيها، ودينها، ومذهبها، وتصبح قضيتها كربلاء وما جرى فيها كباقي النسوة.
أبناء علي (عليه السلام) ذكورا كانوا أم إناثاً، أعادوا ربط الخيوط الشرعية، التي حاول الامويون قطعها، وهذه الخيوط انحنى لأجلها مختلف الخطباء، والعلماء، والحكماء، فلا أحد بحكمتهم أو فراستهم أو شجاعتهم، وباتت خسائر بني أمية تقض مضاجعهم، وكأن الناس تقول لأحدهم: إذهب أيها الكريه لا حاجة لنا بكم أبداً، فالنصر الكربلائي الحسيني الزينبي، عبرَ كل حدود المعمورة، وحطم غربان الإنحراف الأموي، وكانت لبوة علي أم هانئ إحداهنَّ، فسلام عليها واليها.
https://telegram.me/buratha