الكاتب كاظم الخطيب
عيب.. كلمة لها من المداليل ما يجعلها تملأ بطون المجلدات والكتب، ومن الخصائص ما يرفعها إلى أعلى الدرجات والرتب.
تتلوها فاصلة على درجة عالية من الأهمية والخطر، تتمثل في مفردة تلامس شغاف القلب، وتهز ثوابت الوجدان، حتى يتمنى المرء على الله سبحانه، أن لا يبتليه بها في نفسه أو في أهل بيته، تلك هي مفردة خدش الحياء.
كلمة عيب كانت بمثابة جرعات المناعة الأخلاقية التي كنا نأخذها بصورة متتالية ومستمرة وعلى الدوام، منذ نعومة أظافرنا وحتى خط الشيب هاماتنا، وكانت هذه المفردة مانعةً حاصنةً، من ذلك الخدش المشين.
كان الحياء هو برقع الفتاة الحقيقي وسترها الذي يفوق ما يستره حجابها الذي ترتديه، وكان أخطر ما يمكن أن يصيب الفتاة هو أن تخدش في حيائها.
ذلك الخدش المفضي إلى تنامي نزعة الفضول، وتمكين ملكة الجرأة، التي تؤدي بدورها إلى كسر قواعد العيب، قاعدة تلو الأخرى؛ حتى لا تكون هناك مناعة ولا حصانة من الوقوع في الرذيلة أو الخطأ.
كان لذلك العيب أهل وكان له وطن، وكان له وزن وكان له ثمن، وأضحى اليوم مياهً آسنةً راكدة، لا يستسيغها الشاربون، وبضاعةً فاسدة كاسدة، لا يتناولها المتبضعون، وصار من العيب شرائها أو إقتنائها.. فإنزوى أهله وجلاً ، وطووا ذكره خجلاً ، فما عادت المرأة إمرأةً، وما عاد الرجل رجلاً.
كان اللواط جنحة، والسحاق خطيئة، وكان الشذوذ جريمة مخلة بالشرف، فأصبح الشرف جريمة مخلة بالشذوذ، فتزوج الرجال بالرجال، وإقترنت النساء بالنساء، فلا قَيمٌ ولا مٌعيل، ولا تَناسلٌ ولا سَليل.
غزو ثقافي عارم، وسيل إباحي جارف، وإنحطاط أخلاقي مرعب، يكاد يذهب بالألباب، طابوره الخامس أولادنا، وقادته سادتنا، ومنظروه قادتنا، غزو أحاط بجهاتنا الأربع، وأخذَنا من فوقنا ومن تحت أرجلنا، حتى صار من العيب أن يطلب رب الأسرة من ولده، أو إبنته، أو زوجته، أن يتفحص هاتف أحدهم.
كما أصبح من شروط زواج الفتاة وقبل تحديد مهرها– هذا إن كان زواجاً تقليدياً طبعاً – أن يشتري الزوج لها هاتفاً خلوياً خاصاً ليكون من حقها الخلوة بنفسها بعيداً عن منغصات المعيشة، وضغوط الحياة الزوجية، ولتعبر عن حالتها (في الفيس أو الواتساب )على الملأ جهاراً، وتجعل لها من صديقها الإفتراضي نديما ومستشارًاً.
خَلقَ ذلك كله، جيلاً من الشباب جاهلاً عاطلاً، عدوه الكتاب وخصمه القلم، ساهراً ليله قائمه، هادراً نهاره نائمه، لا يعلم متى طلعت الشمس ومتى غربت.
كما صير ذلك بيوتاً يأسى لها العنكبوت، ويتعوذ الله من وهنها وضعفها،
بيوتاً ليس لجدرانها ستراً، ولا لعقر دارها سراً، يعلم القاصي والداني، ما أكلت وما شربت، ويتطلع لها الصالح والطالح أن هي فرحت أو حزنت، يصور فيها الرجل زوجته، إن طبخت، وإن رقصت، ويجمع اللايكات، وعبارات الإعجاب بميلان خصرها، ورشاقة عودها، وإحمرار خدودها.
كان ذلك كله تمهيداً، لما يراه العاقل تهديداً، ويحسبه الجاهل تطوراً وتجديداً، وكان خطوة أولى، لتهيئة أرضية الفسق الغربي، والمجون الأوربي، والفجور الأمريكي، إنه زخرف الدنيا وخداعها، وبداية الحرب وإندلاعها، لضرب المجتمع في العائلة التي هي أقدس كيان فيه، وتعطيل الشباب الذين هم أثمن ما لديه، وإنتزاع لباس الأخلاق الذي هو أغلى ما يمكن لشعب أن يرتديه، وللأسف فقد نجح في ذلك إلى حد كبير.
نجح عدونا بإستثمار نبهته، وإستغلال غفلتنا، وفشلنا بتعظيم عدونا والحط من قدرنا، ونسينا الله فأنسانا أنفسنا، وركنا إلى الباطل فمحق سبحانه أعمالنا، وسلط علينا من هو على شاكلتنا، لأنه من سنن الله في الأولين( كيفما تكونوا يولى عليكم).
وأخر دعوانا أن أللهم مٌنَ على العراق وأهله بحصانة ربانية، ونفحة رحمانية، ترجعهم فيها إلى دوحة رحمتك، وتشملهم فيها بلطيف عنايتك، وأن يبقى ذكرانهم ذكراناً، وإناثهم نسواناً، وإبعد عنهم، المثلية، (والجندرة)، وعبادة أصنام السياسة، وأوثان الرياسة، وأن لا يعبدوا غيرك لترحمهم، وتقصم بذلك ظهر عدوهم، وأن تتوج ذلك، بدولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وأن تجعلنا فيها من الدعاة الى طاعتك، وطاعة ولاة أمرك،صلواتك وسلامك عليهم أجمعين.
https://telegram.me/buratha