المقالات

قراءة فنية .. الشهيدة رقية (ع) أجمل واصغر روح عاشقة حسينية         


 يوسف الكاتب ||         

 

معنى اسم رقية : 

رقية – بتشديد الياء - لغةً من الرقة .. أو من الارتقاء . وهو العروج والصعود ، وبمعنى السمو والعلو .

أما - بعدم التشديد - فتصبح مفردة رُقية ، كتابة دعاء من الشر والحسد والمرض والعين .. أي الححاب .

عمرها .. ثلاث سنوات 

صورة ...

كانت تحب أبوها حباً نقياً صافياً بحيث تتعامل معه بكل شغف عندما يدخل البيت وترافقه أينما حل . والحسين (ع) يُجلسها في حضنه ويقبّلها ويكثر معها اللعب ويقدم لها ما تطلبه فهي اصغر بناته . ورقية (ع) حينما تسمع الأذان تترك اللعب وتتجه نحو جلب سجادة الصلاة وتفرشها لأبيها وهي تبتسم بوجهه وتجلس بالقرب منه لتتعلم منه الصلاة .. فقد عاشت مع أبيها أجمل أيام حياتها .

ومرت الأيام وكبرت رقية حتى وصلت الى عمر ثلاث سنوات .. حسيناه .. كربلاء ..عاشوراء ..

فهي مع أبيها في الطف وتسكن بخيمته وتعاني العطش .. وبعد شهادة أهل البيت والأصحاب (ع) ولما لم يبقَ احد مع الإمام الحسين (ع) ، وعندما تقدم الى المعركة سمع صوت يحاكيه بحزن وآهات ، التفت ناحية الصوت وإذا به يرى طفلة مصفر الوجه والجسم وترتجف ، صاح الإمام : بُنية رقية ما بك ؟

كانت دموع  رقية يجري على خديها فمسح دموعها لكن قلبه أشفق عليها بينما هي ساكتة ..عانقته بحرارة وشمته وقبّلته وكأنها تودعه .. فقال لها : بنية ادخلي الخيمة .. فقالت : سمعاً وطاعة يا أبي .

سنوكرافيا الطف 

الوقت ليل .. أي بعد صلاة المغرب والعشاء .. والزمان عشرة محرم 

المكان معركة الطف .. كربلاء 

خيام تحترق .. جو مشحون بالحقد والجريمة .. رماد ودخان  .. ألم وآهات .. وحزن عميق عويل وصراخ وكأن السماء غاضبة وتتوعد بالانتقام والهلاك .. كل ما فيها ينذر بالدمار .. جثث في كل مكان بلاء رؤوس .. دماء .. سيوف ورماح ونبال وعصي .. أطفال مقيدون بالحديد ووجوههم خاوية .. لكن جميع الأطفال والبنات الصغيرات ينظرون باتجاه واحد وعيونها تتساءل : بأي ذنب قتل الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه ؟ .. اسمع وقع أقدام قادمة لطفله صغيرة عمرها ثلاث سنوات تحمل بيديها خرقة .. صرخ بها الجند : توقفي توقفي .. لكنها لا تبالي .. رئيس الجند طلب منهم عدم الكلام .. والطفلة تواصل سيرها باتجاه جثة .. لكن لمن هذه الجثة .. تتأملها طويلاً .. وهذه الجثة بلا رأس وكثرت عليها السهام والسيوف والرماح .. حتى الخيول طبعت عليها آثار أقدامها .. والجراحات لا تعد ولا تحصى .. والجثة مكبة على ووجهها وكأنها تصلي لله سبحانه وتعالى .. اقتربت هذه الطفلة ثم نظرت الى السماء وتمتت بكلمات هامسة ، بعدها ألقت بنظرها على الجسد الشريف وتمتت بالهمس معه حتى سال دمعها بغزارة وحرقة ، ثم فرشت قطعتها وتبين أنها سجادة الصلاة ثم كبرت .. الله  اكبر .. الله اكبر .. حلت في السماء حمرة تشبه الدم .. ثم كبّرت هذه الطفلة .. قد قامت الصلاة .. قد قامت الصلاة . 

صور الطفولة في كربلاء 

بعد شهادة الإمام الحسين (ع) .. هجموا بنو أمية على الخيام واحرقوها وفر الأطفال مرعوبين من هول ما يرون .

الأطفال ركضوا باتجاهات مختلفة منهم من فر باتجاه الجثث المقطعة .. ومنهم من فر باتجاه العدو فسحقوهم وضربوهم بالسياط .

ومنهم من خرم آذان البنات وسلبوا من آذانهن الأقراط .. ورأوا الأطفال كيف يذبح أباهم أمام أعينهم .

موكب السبي

من اشد المحن والابتلاءات هو السبي حيث الأطفال والبنات والسيدة زينب (ع) والإمام السجاد (ع) والإمام محمد الباقر (ع) وهو طفل صغير مصفدين بالسلاسل تحملوا مشقة الطريق من كربلاء الى الشام عبر مدن كثيرة وشماتة الأعداء وطريقة التعامل معهم بالضرب والزجر والكلام البذيء ، حتى دخلوا الى الشام في أول صفر وبنو أمية قد علقوا الزينة والحلي واعتبروه عيدا وفرحا بقتلهم الإمام الحسين وأهل بيته والأصحاب (ع) وضربوا بهذا العيد على الدفوف والطبول والأبواق .. بينما بنات رسول الله مسبيات ، وق ذقن كل هذه المآسي ، وحيث تركت آثارها على سيدتي ومولاتي رقية (ع)

خرابة الشام

بناية متهاوية قديمة قابلة للسقوط ، ليس فيها سقف ، جدرانها متهالكة ، فلا تقي من الحر ولا من البرد وأهل البيت (ع) قد أقاموا فيها العزاء والبكاء والحزن على الإمام الحسين (ع) . .واستمر الحال حتى ليلة الخامس من صفر حيث سمعوا بكاءً من قبل رقية .. سألتها زينب (ع) ما بك يا رقية ؟ قالت : رأيت أبي الحسين في منامي ومسح على راسي .. فضج الجميع بالبكاء .. ورقية تصرخ وتقول : أريد أبي الحسين . ولما سمع يزيد اللعين أرسل رأس أبيها على طبق ومغطى بقطعة قماش وقدمها الى رقيه (ع) .. ولما رفعت المنديل وإذا به رأس الحسين (ع) ، فبكت ولطمت وصرخت : وأبتاه .. وحسيناه  .. والجميع كان يبكي .. وصاحت أبه من الذي قطع وريدك ؟.. أبه من الذي حز راسك ؟.. أبي من الذي خضب شيبتك ؟.. ثم انحنت على الرأس الطاهر وقبلته .. ثم سكتت .. ساد صمت طويل .. قال الإمام السجاد (ع) ارفعي رقية فإنها ماتت .. فبكى الجميع ولطموا عليها لأنها فارقت الحياة حزنا على الحسين (ع) . 

المُغسّلة الشامية

جاءوا بمغسلة شامية ولما كشفت عن ثيابها رأت جسمها مسوداً وظهرها مزرقاً .. خافت منها ولم تغسلها .. ولما سألتها زينب : لم لا تغسليها ؟ أجابت : أخشى أن تكون مريضة .. قالت زينب (ع) : لا والله ولكن ما ترينه هو من ضرب سياط بنو أمية . 

مقام السيدة رقيه (ع) 

استشهدت في خربة الشام وعلى مرور الأعوام تم تشيد مقام عالٍ وفخم وهو مزار يَطلب فيه العشاق القرب من الله .. والدعاء وقبول الأعمال ببركة هذه العلوية الصابرة الشهيدة الممتحنة .. 

مقامها يبعد عن المسجد الأموي تقريباً مائة متر ويقع في حي العمارة خلف المسجد الأموي .. ومقامها يقع في قلب الشام .. وعلقت على مرقد السيدة رقية بنت الحسين الشهيدة بكربلاء ابيات من الشعر للشاعر سيد مصطفى جمال الدين :

في الشام وفي مثوى يزيد مرقد

ينبيك كيف دم الشهاده يخلد 

رقدت به بنت الحسين فاصبحت

حتى حجارة ركنه تتوقد 

هيا استفيقي يا دمشق وايقظي

وغدا على وضر القمامة يرقد 

واريه كيف تربعت في عرشه

تلك الدماء يصوغ منها المشهد

سيظل ذكرك يا رقية عبرة 

للظالمين مدى الزمان يخلد 

رؤيا بنات السيد هاشم الثلاث 

الابنة الكبرى للسيد هاشم ترى في عالم المنام رقية بنت الإمام الحسين (ع) وتقول لها : قولي لأبيك أن يجدد قبري لان الماء دخل إليه . وفي الصباح قالت لابيها هذا المنام . وتساءل الأب مع نفسه وقال انه مجرد حلم .. الابنة الوسطى رأت نفس الحلم وقصته على أبيها . والأب قال مع نفسه كذلك انه حلم . والابنة الصغرى رأت نفس الحلم لكن الأب لا يأخذ به . لكن الاب رأى نفس الحلم ، فراح الى والي الشام وشرح له ما رأته بناته الثلاثة وما رآه هو كذلك . قال والي الشام : لابد ان استأذن من السلطان العثماني ثم أخبرك .. مرت الأيام وجاء الخبر يا سيد هاشم انت من يتولى حفر القبر والوالي وافق على ذلك .. جمع سيد هاشم علماء وشخصيات من السادة وقرر فتح قبر السيدة رقية (ع) .. ولما قاموا بفتح القبر المبارك وجدوا الماء قد دخل الى القبر .. فاخرجوا رقية (ع) من القبر فساد الحزن والبكاء واللطم عليها وتجدد عزاء الإمام الحسين (ع) . استمر العمل لمدة ثلاثة أيام ، خلطوا التراب بماء الورد ولفوا السيدة رقية بالقماش وادخلوها الى القبر ، وبكى سيد هاشم بصوت عالٍ ، لأنه رأى السواد والزرقة على جسدها لكثرت ما ضُربت من جلاوزة بنو أمية . 

رسالة السيدة رقية (ع) لنا

بكاء رقية (ع) هو امتداد لبكاء السيدة فاطمة الزهراء (ع) والتي بكت على النبوة والإمامة .. وكذلك فقد بكت رقية على الإمامة والنبوة باعتبار أن الحسين (ع) كما قال عنه النبي محمد (ص) : حسين مني وأنا من حسين  .. فكان بكاؤها بكاءً رسالياً .

قبر السيدة رقية (ع) في قلب عاصمة الشام الأموية وهو تحدٍ لهم 

أما يزيد اللعين فلا قبر له .

ظن يزيد (لع) فانه بقتله للحسين وأهل بيته أراد أن يُسكت صوت الحق .. ولكن اصغر بنات الإمام الحسين  

سجلت أروع درس في الشهادة وجددت مأتم الحسين (ع) في عقر دار الظالم 

على قبرها مكتوب هنا مقام السيدة رقية بنت الحسين (ع) الشهيدة بكربلاء 

الشهيدة رقيه هي بنت إمام معصوم وهو الحسين (ع) .. وأخت إمام معصوم وهو السجاد (ع) .. وعمة إمام معصوم وهو محمد الباقر (ع) 

أما يزيد فهو من عائله حرام .

مضى على شهادتها ألف وثلاثمائة وإحدى وثمانين عاماً ومازال ذكرها يتجدد وكرامتها تذكر وعطائها يخلد 

.. فما علينا إلا أن نتخذها قدوة في الصبر والعبادة والموقف والعشق والشهادة وفي السلم وفي الحرب ونتخذها معلما في حياتنا .

وعلى أمهاتنا أن تربي بناتها على نهج رقية (ع) وان نسمي بناتنا وشوارعنا ومدارسنا وأسواقنا ومدننا باسم رقية .

لابد من تعظيم الشعائر الحسينية ونجددها بروح العصر وننقل رسالتها للعالم اجمع .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك