المقالات

عبد الله بن عفيف الأزدي، أسوة للمنتظرين.


علي هاشم الركابي ||

 

 

عبد الله بن عفيف هو من خيرة أصحاب أمير المؤمنين ومن أنصاره المخلصين والأوفياء، شارك معه في كل مواقفه، وقد فقد إحدى عينيه في حرب الجمل، وفقد الثانية في حرب الصفين، فعاش ضريراً بقية عمره، ورغم عماه فقد صدق ما عاهد الله عليه، وبقي ملازماً لأهل البيت مناصراً لهم بلسانه وقلبه حسب قدرته، الى أن حصلت واقعة كربلاء ولم يشارك فيها طبعاً لأنه فاقد البصر. 

الى أن حصل الموقف المعروف في الكوفة، حيث اعتلى عبيد الله بن زياد المنبر وقال " الحمد لله الذي نصر أمير المؤمنين يزيد، وقتل الكذاب بن الكذاب".

فانتفض عليه عبد الله بن عفيف الأزدي قائلاً:

يا ابن مرجانة، إن الكذاب وابن الكذاب أنت وأبوك! ومن استعملك وأبوه، يا عدو الله ورسوله! أتقتلون أبناء النبيين وتتكلمون بهذا الكلام على منابر المسلمين. 

وهكذا جرت مناوشات بينهما واقتتال بين جيش ابن زياد وقبيلة الأزد، الى أن أعتقل ابن عفيف وأخذوه الى ابن زياد، ولأن ابن زياد عثماني الهوى، سأله ابن زياد: 

ماذا تقول في عثمان؟

وقد أراد ابن زياد أن يتخذ السؤال هذا حيلة لقتل ابن عفيف، لأنه يعلم أنه من شيعة علي، ويتوقع منه أن يسيء لعثمان، فتكون ذريعة لقتله وتأجيج الناس عليه، لكن عبد الله بن عفيف كان فطناً بما فيه الكفاية، فأجابه: 

ما شأنك وعثمان إن أحسن أو أساء؟

بل سألني عنك وعن أبوك! 

فأفشل بذلك مكيدة ابن زياد ولم يعطه الحجة لقتله، مع ذلك قتله ظلماً وعدواناً، فرحمة الله عليه. 

نستنتج من سيرته الطيبة عدة أمور: 

1- أهمية وضرورة أن يكون المؤمن فطناً بصيراً، فلا ينبغي أن يكون المؤمن دائماً بسيطاً وعفوياً مع الآخرين، وكذلك ليس اظهار الشجاعة هو المطلوب منا دائماً، بل حسب ما يتطلبه كل موقف منا. 

فابن عفيف كان شجاعاً شديد الشجاعة لم يهاب الموت ذرة، وهو يعلم أنه سيقتل، وقد لعن ابن زياد أمام الناس علناً، لكن، حينما سأله عن عثمان، فأنه رغم عدم خوفه من الموت، ورغم علمه بضلالة عثمان، لكنه لم يتخذ خيار التصرف بشجاعة، بل تصرف بحكمة كبيرة، ليجعل دماءه مثمرة وكاشفة للناس عن خبث وجرم الأمويين.

أما لو أنه تصرف بشجاعة وأساء لعثمان، فربما جميع الناس سيعطون الحق لقتله لابن زياد، ولقُتل وذهب دمه هباءً منثوراً.

2- الثبات: الكثير منا حينما يصاب بأذى أو بلاء قد يتزلزل ويتزعزع إيمانه ويقينه وتدينه، خصوصاً لو طال البلاء عليه. 

لكن ابن عفيف رضوان الله عليه، فقد إحدى عينيه في حرب الجمل، ثم ماذا فعل؟

هل جلس في بيته لأجل الحفاظ على عينه الثانية؟

كلا، بل خرج وقاتل في صفين بعين واحدة وفقدها أيضاً!

وهكذا بقي بعد صفين ٢٤ عاماً وهو ضريراً، حتى حدثت واقعة كربلاء، وقد سمع ابن زياد يتكلم بسوء عن الإمام الحسين، فماذا يجب أن يفعل؟

هل يقول يكفي أني فقدت كلا عيني في نصرة أهل البيت؟

هل سيقول أني ضرير لا أملك عينين ولا يجب علي شيء؟!

كلا، بل جاهد بلسانه بكل شجاعة، وصدع بالحق حين صمت المبصرون، ثم جاهد بسيفه أيضاً رغم فقده لبصره قبل أن يعتقل! 

ليكون بذلك مجاهداً بقلبه ولسانه وسيفه، وجريحاً في الحرب مع أمير المؤمنين مرتين، ثم شهيداً لأجل الإمام الحسين! 

وهذا خير أسوة وقدوة للمؤمنين في الثبات والتفاني حتى أخر رمق من أنفاسنا!

 

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك