إنتصار الماهود ||
كنا نجلس أنا و أولادي في أحد الأماكن العامة لنشرب ما يطفيء الضمأ في هذا الحر اللاهب، بعد جولة متعبة مع مراهقين متطلبين جدا في أحد الاسواق الشعبية البغدادية.
رأيتها ما أجمل وجهها المبتسم بتلك الملامحة المميزة التي تدخل السرور لقلبك، رفعت يدي لها مرحبة بها بحركة لا إرادية، فردت على التحية بإبتسامة خجولة لطيفة، إلا إن والدتها سارعت لترمقني بنظرة حادة و كأنها تحمي طفلتها من هجوم مباغت قمت أنا به لطفلتها فسألتني ” خالة أنتِ تعرفين بنتي لو مشبهة عليها لو تقلدين لو تضحكين عليها لأن منغولية‟.
كلماتها تلك وقعت كالصاعقة على رأسي، أنا كل ما أردته أن أكون ودية معها، فأنا لم اتربى على أن أكون متنمرة على الآخرين، ما عدا السياسيين الفاسدين طبعا فهؤلاء هم من أنتقدهم بلسان سليط لاذع، ولم أربي أولادي أيضا على التنمر بل ربيتهم على إحترام الآخرين و إحترام إختلافاتهم مهما كانت.
لم أفهم يوما كيف يمكن لإنسان أن يتنمر ويقلل من قيمة الآخرين دون أن يتسببوا له بالأذى ( منغولي، متخلف عقلي، معوق، مريض) كل تلك الكلمات البشعة التي تطلق على شريحة من المجتمع هم من ذوي الهمم او ابناء الله الطيبون كما تسميهم جارتي العجوز، إن تلك الكلمات تؤذي ذويهم أكثر مما تؤذيهم.
هم فقط خلقوا مختلفين عنا بشي بسيط جدا، هم مصابون بطفرة وراثية جينية سميت ب” متلازمة داون “ وتعريفها العلمي ( هي طفرة وراثية خلقية تسببها الانقسام غير الطبيعي للخلايا الجنينية مما يؤدي إلى زيادة النسخ الكلي أو الجزئي في الصبغة او الكروموسوم 21، ومن أعراض هذا الخلل الجيني الوراثي تأخر التطور العلمي والعقلي والجسدي لمن يصاب به والتي تختلف من شخص لآخر وحدوث مشاكل طبية أيضا).
تعتبر متلازمة داون السبب الوراثي الأكثر شيوعا لها وتشكل نسبة 11% من حالات الإعاقة الذهنية في العالم والتي كانت تسمى مطلع القرن العشرين ب (المنغولية)، حيث لاحظ جون داون وجود سمات تشابه خلقي بين المصابين بهذه الطفرة الوراثية وبين الأشخاص من العرق المنغولي وهم قبائل قديمة تستوطن أواسط آسيا والتي أصبحت بحلول القرن العشرين أكثر أنواع الإعاقات الذهنية ظهورا، فهنالك 4 ملايين مصاب في العراق فقط.
إن هذه الفئة لها حقوق حسب القانون العراقي وهي بسيطة جدا :
1. المعاش من الدولة وحق العمل وفقا للقانون العاشر لسنة 2018 وإستخراج بطاقة خدمات متكاملة من الإعفاء الضريبي والگمرگي لسيارات ذوي الإعاقة و تخفيض 50% من قيمة النقل في المواصلات العامة.
إن ما ذكرناه هي مكتوبة داخل سطور القانون والدستور العراقي، لكن هل هذه هي الحقوق التي تتناسب مع إحتياجات هذه الشريحة المهمة والتي يجب ان تلبي حاجاتهم الواقعية؟؟
بالطبع لا وننتظر من المشرع العراقي والمنفذ لتلك القوانين ان يطبقون ما أقروه بتلك السطور الخجولة.
https://telegram.me/buratha