علي هاشم الركابي ||
بحرية هي زوجة جنادة بن كعب الأنصاري، وام عمرو بن جنادة، خرجت الى كربلاء مع زوجها جنادة، ومعها ابنها عمرو البالغ من العمر 11 سنة فقط.
خرج زوجها جنادة للقتال عندما حمل عمر بن الحجاج وشمر بن ذي الجوشن على معسكر الحسين، فاستشهد في هذه الحملة المسماة بالحملة الأولى.
والآن، بقيت ام عمرو أرملة، ومعها طفلها البالغ 11 سنة، ألا يكفيك هذا المصاب وهذه التضحية يا ام عمرو؟
تجيبنا ام عمرو عن ذلك بإرسال غلامها الى الحرب رغم صغر سنه!
فاعترضه الإمام الحسين عليه السلام قائلاً أن أباه قد استشهد قبل قليل، ولعل امه لا تستطيع تحمل فراقه!
هنا يجيبه عمرو: سيدي إن امي هي التي أرسلتني للقتال معك!
خرج عمرو للقتال وهو يرتجز:
أميري حسين ونعم الأمير ** سرور فؤاد البشير النذير.
علي وفاطمة والداه ** فهل تعلمون له من نظير.
ما أشد يقينك وأعلى بصيرتك وأعظم ثباتك أيها الغلام، نعم التربية التي ربتك عليها أمك يا غلام!
فقاتل هذا الغلام ببسالة حتى قتل، وقطعوا رأسه ورموه على معسكر الحسين.
فحملت امه رأسه، تخيلوا امرأة تحمل رأس ابنها وهو مفصولاً عن جسده، ماذا يمكن أن يحصل لها!
تموت؟ يغشى عليها؟ تفقد عقلها؟ هذا هو المتوقع لكل امرأة، الا ام عمرو!
ام عمرو آمسكت رأس ابنها وقالت:
أحسنت يا ولدي ويا سرور قلبي ويا نور عيني!
غريب أمرك يا ام عمرو، قلبك يسر بقطع رأس ابنك!
حسناً يا ام عمرو، قد كفيتي ووفيتي وضحيتي بما تملكين، زوجك مجدلاً في ساحة الحرب، وابنك جسمه على الأرض ورأسه بين يديك، ألا يكفيك هذا؟
ثم أنه ليس على النساء قتال، وليس لديك سيف تقاتلين به، ماذا تريدين بعد؟
هنا تقرر ام عمرو أن تستعمل رأس ابنها كسلاح، لترمي به أحد الأعداء بجانبها وتسقطه قتيلاً!
ولم تكتف بهذا، بل أخذت عمود خيمتها وخرجت تقاتل به وهي ترتجز:
اني عجوز سيدي ضعيفة * خاوية بالية نحيفة.
أضربكم بضربة عنيفة * دون بني فاطمة الشريفة.
فقتلت رجلين من معسكر الأعداء الى أن خرج لها الإمام الحسين بنفسه وأرجعها !
فجزاك الله خير الجزاء يا ام عمرو على هذه التضحية والفداء لأجل الحسين، وجزاك الله خيراً على التربية الصالحة التي ربيتي بها ابنك عمرو، وجزاك الله خيراً على قوة قلبك وثباتك في نصرة إمام زمانك.
ولا أريد مقايستها مع ام البنين، لكني أجزم أنها لو كان لها أربعة أبناء، بل لو كان لها مئة ابن، لقدمتهم جميعاً بين يدي الإمام الحسين، من دون أن يرف قلبها عليهم.
لا أدري بماذا علينا كمنتظرين أن نقتدي بهذه المرأة، هل نقتدي بشدة تفانيها دون الحسين وإخلاصها لها، أم نقتدي بتضحيتها بكل شيء حتى بابنها البالغ 11 عاماً فقط بل حتى برأسه، أم نقتدي بقوة قلبها وثابتها واطئمنانها وهي ترى رأس ابنها بين يديها، أم نقتدي بها وهي خارجة للقتال رغم انها امرأة عجوز غير مكلفة بالقتال، لا أدري حقاً، فكل موقف لها يستحق أن يكتب بأقلام من ذهب.
فسلام عليها وعلى زوجها وعلى غلامها، يوم ولدوا ويوم يموتوا ويوم يبعثوا.
https://telegram.me/buratha