حسين جلوب الساعدي ||
الشيخ محمد مهدي شمس الدين من رواد الاصلاح البارزين،إذ فتح نوافذ الرأي والحوار والمعرفة في فضاء الاسلام الواسع، وأسهمت آراؤه وقراءاته ومواقفه في تحديد مسارات الحركة الاسلامية في مجالات الفكـر والعمل والجهاد، وكان غزير الإنتاج والعطاء، وقد اتسمت بحوثه وكتاباته وآرائه بالعمق والجد والوضوح والرصانة والاصالة والوعي واثارت جدلا واهتماما واسعا في مجال التنظير والحوار .
بدأ بتألقه الفكري في عام (١٩٥٦) حين أصدر كتابة (نظام الحكم والادارة في الاسلام) ثم عدة كتبوفي دراسات نهج والبلاغة ومجموعة أخرى حول الحوار الغرب والاسلام والحوار الاسلامي المسيح ونظر بشكل واسع للجهاد والمقاومة والفقه المسلح واستنبط احكاما تطفح بالعمق والاصالة والوعي.
إن شمس الدين بحاجة لقراءة افكاره الهادفة بعقد عدة ندوات ومؤتمرات للكشف والتعريف عن آرائه التي لا تقل أهمية عن نتاج الشهيد محمد باقر الصدر (رض) .
كان لشمس الدين إسهام رائد وواعي في دراسة الثورة الحسينية،فأنتج عدة كتب ودراسات يكمل بعضها بعضاً وعلى المصلح الذي يروم وعي الثورة الحسينية منذ بدايتها وأسبابها ومنطلقاتها وآثارها أن يقرأ نتاج شمس الدين الذي يعد صاحب مدرسة خاصة في دراسة الثورة الحسينية وإحيائها والسير في منهجها.
وطالما نعيش هذه الأيام في رحاب ثورة الإمام الحسن(ع) وأيام عاشوراء ونستغرق في الأجواء العاطفية وإحاء المرا والشعائر الحسينية فإننا بحاجة لقراءة واعية تلتقي مع العاطفة لتستحضر الثورة الحسينية بكل أبعادها وأسبابها، ومن وحي المناسبة تأتي هذه القراءة في فكر الشيخ محمد مهدي شمس الدين الذي أغنى المكتبة الاسلامية بعدة كتب ودراسات التي تحاول تعريفها للقارئ الكريم ليطلع عليها ويقرأها ليحيى الثورة الحسينية بجوانبـها المتعددة. يقول شمس الدين عن مشروعه لدراسة الثور الحسينية: (إن أكثر ما استأثر باهتمام الناس من ثورة الامام الحسين(ع) هو جانب القصة فيها ما اشتمل عليه من مظاهر البطولة النادرة والسمو الإنساني المعجز لدي الثائرين وقائدهم العظيم، المتمثل في التضحية بكل عزيز من النفس والولد والمال والدعة والأمن في سبيل المبدأ والصالح العام، مع الضعف والقلة ، واليأس من النصر العسكري).
(يقابل ذلك أبشع مظاهر الحقد والبغضاء لدى الحاكمين وأعوانهم المتمثلة في حرمان الثائرين وأطفالهم حتى من الماء ، وفي قتل الأطفال والنساء) وقد بلغ من قوة تأثير الجانب القصصي الماساوي من هذه الثورة ، بما له من دلالات مثيرة أنه فرض نفسه على معظم من كتب عنها ـ إن لم يكن كلهم - فقصروا دراساتهم على هذا الجانب دون غيره ولكن الجانب القصصي - على ما له من مزايا تربوية- ليس كل ثورة الحسين(ع) ، فإن أحـداث هذه الثورة وكل ثورة ليست معلقة في الفراغ ، وإنما هي الجزاء الظاهر من عملية تاريخية واسعة النطاق . فلكل ثورة جذور في نظام مؤسسات المجتمع الذي اندلعت فيه ، ولكل ثورة ظروف سياسية واجتماعية معينة ، ولكل ثورة - وإن كانت فاشلة عسكريا - آثار ونتائج . ولا يمكن أن تفهم الثورة على وجهها ما لم تدرس من جميع جوانبها: ( مقدماتها ، ونتائجها ) وقد بدأ شمس الدين في مشروعه بهذه الرؤية حتى اكمل أربعة كتب بعضها يكمل بعضا من حيث المنهج والعرض والبداية، وهي كالآتي:
أولا: ثور الحسين ظروفها الاجتماعية وآثارها الانسانية: وهو أول الكتب التي درس فيها ثورة الامام الحسين (ع) في أربعة فصول، درس في الفصل الأول منه الظروف الاجتماعية والانسانية التي مهدت للثورة وأوجدت المسار الاجتماعي والسياسي في التاريخ الاسلامي، وتبدأ من يوم السقيفة والمنطق الذي ساد في حوارات قريش والأنصار والدعوة إلى عودة الروح القبلية ومن ثم تكرست تلك النزعة في مبدأ عطاء عمر بن الخطاب حين فضل المهاجرين والأنصار وقريش على العرب، والعرب على العجم وهكذا، والشورى التي اختصت بستة من المسلمین حسب اختيار الخليفة الثاني، وقد أثار هذا الموضوع بعض رجال قريش والأنصار، وقد اتصلت تلك السياسة بالفتنة في عهد الخليفة عثمان، ويركز على أن سياسة عثمان المالية والادارية وسيطرة بني أمية على مقاليد الحكم والادارة وما افرز من معارضة موقف عثمان من الصحابة الذي اعترضوا عليه كابن مسعود وعمار بن ياسر وأبي ذر الغفاري ومالك الأشتر وغيرهم ، انبعثت الفتنة التي قتل فيها عثمان، ويدرس في هذا الفصل اصلاحات الإمام علي (ع) في الادارة والحقوق والمال وما لاقاه من حروب في الجمل وصفين والنهروان، ثم سياسة معاوية وممارسة الارهاب والتجويع والقتل، ثم إحياء النزعة القبلية واستغلالها والتحذير باسم الدين بعقيدة المرجئة والجبرية، ثم الموقف المعادي لعلي بن ابي طالب حتى سب ولعن من أعلى المنابر ثمانين عاما وما تركت تلك الممارسة من أثر بليغ، وموقـف الامام الحسن (ع) والحسين (ع) من السياسة الاموية، ثم يدرس دوافع الثورة وأسبابها ثم آثار الثورة في الحياة الاجتماعية، ومن أهمها: انبعاث الروح الجهادية في ثورة التوابين وثورة المختار وثورة المدينة وثورة مطرق بن المغيرة وثورة بن الأشعث وثورة زید وثورة ابنأبي السرايا.
ثانيا : ثورة الحسين (ع) في الوجدان الشيعي: وهو كتابه الثاني المكمل لكتابه الأول، ويكرس هذا الكتاب لدراسة كينونة الثورة في الوجدان الشيعي ومظاهر هذه الكينونة، فقد درس ترسيخ الثورة في الوجدان ومسارب الثورة للوجدان ومظاهر الحضور من مواسم و مراسم كالزيارة والشعر والرثاء والمأتم الحسينية والشعائر الحسينية ويؤرخ لظهور وتطور الشعائر الحسينية ويحدد موقفه منها فهو كتاب غاية في الروعة
والأثر.
الكتاب الثالث: أنصار الحسين دراسة عن شهداء ثور الحسين (ع) الرجال والدلالات: ويعرض فيه القيم والمبادئ وروح التضحية والفداء وحب الشهادة والإقدام التي كان يتصف بها أصحاب الحسين (ع).
الكتاب الرابع: عاشوراء، مجموعة محاضرات حول الثورة الحسينية ألقيت في الأعوام (۱۹۸۱-۱۹۹۹) وجمعت في مجلدين، وفيها سب العلامة الراحل آرائه وافكاره وتحقيقاته ومواقفه حول الثورة الحسينية. فيما ظل كتابه الاخر وعنوانه (قصة الثورة) لم يظهر بعد ولعل الشيخ لم يكمل مشروعه ووافاه الأجل والعالم الإسلامي بحاجة لجهوده المتميزة في الدفاع عن الإسلام ومعالجة قضاياه.
ومما تقدم يمكن القول إن مؤلفات شمس الدين تعد من أهم وانضج وأدق الدراسات في الثورة الحسينية، ونأمل أن تحظى هذه الدراسات بالاهتمام والقراءة لتكون مصدرا ومنبعا تلهم انصار الحسين (ع) بالروية الواعية والقراءة الناضجة للثورة الحسينية وأهدافها.
https://telegram.me/buratha