طاهر باقر
هؤلاء الذين لايعرفون الحسين ويجهلون دوره في الحياة الاجتماعية والسياسية للعراقيين خاصة والشيعة كافة يتساءلون لماذا كل هذا الاهتمام بقضية الحسين؟ لماذا تضيعون اوقاتكم واعماركم في السير نحو كربلاء؟ مافائدة السير الى كربلاء على الاقدام والتكنلوجيا تكفلت بتقديم الحلول المناسبة بوجود المركبات والعربات التي توصلنا باسرع وقت ممكن للهدف الذي نريد من دون بذل للجهد او هدر للوقت او صرف للعمر؟.
كل هذه الاسئلة تدل على عدم فهم بقضية الامام الحسين عليه السلام ودورها في الاسلام عامة والحياة السياسية والاجتماعية للعراقيين خاصة، فلو مضينا وقلبنا صفحات التاريخ لوجدنا ان اكبر ثائر سجل له التاريخ التأثير في حياة ومستقبل الشعوب هو الامام الحسين عليه السلام فهو الثائر الاكبر الذي علم البشرية الثورة ضد الظلم والطغيان.
وهذا الكلام لانقوله لمجرد حب عاطفي يلازمنا تجاه قضية الامام الحسين عليه السلام فحسب ولاشعارات فضفاضة يروج لها السياسيون لنصرة قضيتهم بل هي حقيقة مقتبسة من التاريخ الاسلامي خاصة والانساني عامة، فمعظم الثورات التي حدثت ضد ظلم وطغيان بني امية وبعدهم بني العباس استلهمت قيمتها وشرعيتها من ثورة الامام الحسين عليه السلام.
ثورة التوابين وثورة المختار وثورة الشهيد زيد بن علي وثورة الشهيد الحسين بن روح وغيرها من ثورات العلويين؛ كلها ساهمت في تضعيف دولة بني امية وهدت اركانها حتى استفاد العباسيون من هذه الفرصة الثمينة ونهضوا بثورتهم واطاحوا بالدولة الاموية وقد كان شعارهم الاخذ بثارات اهل البيت الذين ذبحوا وقتلوا على يد جلادي بني امية، هذه كانت امثلة من التاريخ الاسلامي الوسيط، وحتى التاريخ المعاصر وبدايات القرن العشرين وقعت ثورة العشرين ضد الاحتلال الانجليزي للعراق وهي الثورة التي استلهمت الدروس والعبر من ثورة الامام الحسين عليه السلام وهي نفسها التي علمت الشعوب العربية الثورة ضد المستعمر والنهوض ضد الظلم، الثورة الليبية ضد المستعمر الايطالي وقعت من عام 1923 واستمرت حتى عام 1932 والثورة السورية ضد الاستعمار الفرنسي بدأت عام 1925 واستمرت حتى عام 1927، واما الثورة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي وقعت بين عامي 1954 إلى 1962.
وفي عصرنا الحاضر عندما نلقي نظرة على واقع الشعوب العربية ندرك جيدا اهمية وجود الحسين في حياتنا وفكرنا ومستقبلنا، وعلى سبيل المثال ليبيا مرت بظروف مشابهة بما مر به العراق من ناحية تغلغل الارهابيين والمتشددين في الحياة السياسية للبلد وتدخل الاطراف الدولية في الصراع السياسي هناك، ولكن الازمة في ليبيا وبالرغم من مضي اثني عشر عاما عليها وعلى سقوط معمر القذافي لكن البلد لم يهنأ بالاستقرار والامان، وبين الفترة والاخرى تشتعل المواجهات والاشتباكات بين الجماعات المتناحرة هناك واكثرها جهات متعصبة ومتشددة تتخذ من الاسلام رداءا يستر قبح تعنتها وتشددها.
بينما تمكن العراقيون وبفضل عقيدة الجهاد التي يمتلكونها وحب الشهادة التي اقتبسوها من الامام الحسين عليه السلام استطاعوا ان ينهضوا بهذا الواجب الوطني والاسلامي ويعملوا بفتوى المرجعية الرشيدة بضرورة انقاذ العراق من براثن داعش!.
داعش منظمة ارهابية حصلت على انواع من الدعم الدولي والاقليمي واستفادت من الفوضى الطائفية التي قسمت العراق والعراقيين الى اشتات، وتمكنت خلال مدة قصيرة بفضل الامكانات التي لديها من السيطرة على مناطق شاسعة من اراضي العراق ومدنه.
السؤال الابرز في هذا الصراع هو ان هذه الجماعة الخبيثة لماذا لم تتمكن من السيطرة على المناطق والمدن الشيعية برغم اعلانها الاساسي لحركتها هو تدمير النجف وكربلاء؟ بينما هي عجزت عن الدخول الى مدينة شيعية واحدة ما السبب في ذلك؟
المكان الذي فيه الامام الحسين عليه السلام لايمكن ان تعيش فيه داعش ولايمكن ان يستمر ظالم ولاان يحكم متجبر حتى الطغاة اخذوا نصيبهم من الزوال والاندثار في قعر التاريخ لانهم واجهوا الامام الحسين عليه السلام، ولذا انهدت جميع قدرات داعش الهائلة امام العقيدة الحسينية التي يمتلكها الشباب العراقي، وسقطت اركان دولتهم التي كانوا يظنون انها ستكون باقية وتتمدد ولو لم تكن تلك العقيدة الحسينية، متشبعة في دماء الشباب العراقي لكانت داعش تسيطر على معظم مناطق ومدن البلد مثلما يحصل اليوم في افغانستان من سيطرة حركة طالبان الهمجية المتخلفة على كافة الاراضي الافغانية.
بقلم : طاهر باقر
https://telegram.me/buratha