علي الازيرجاوي ||
أعظم مصيبة حلّت بالأمة الإسلامية بل والإنسانية جمعاء فاجعة رحيل النبي الأكرم " صلّى الله عليه وآله وسلم " في الوقت الذي حذّر القرآن الكريم من عواقب موت النبي أو قتله بإنقلاب القوم على الأعقاب والالتفاف على الرسالة وهي لازالت غضّة طريّة والقوم لم يمحّصوا بعد ﴿وَما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن ماتَ أَو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلى أَعقابِكُم وَمَن يَنقَلِب عَلى عَقِبَيهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيئًا وَسَيَجزِي اللَّهُ الشّاكِرينَ﴾ [آل عمران: ١٤٤] والأعداء يحوطون بالمسلمين الدوائر وأبو سفيان ومن يتبعه يتحينون فرص المكر للانقضاض على الحكم والسلطة، ولكن تحت يافطة الاسلام هذه المرّة، فهم يعتقدون أنهم أولى بها من بني هاشم بحسب جاهليتهم التي لم يغادروها قط الا تقيّة وخوفاً على مصالحهم، وما دخولهم الإسلام إلا كذباً ومواراة وتستراً بالدين ﴿إِذا جاءَكَ المُنافِقونَ قالوا نَشهَدُ إِنَّكَ لَرَسولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعلَمُ إِنَّكَ لَرَسولُهُ وَاللَّهُ يَشهَدُ إِنَّ المُنافِقينَ لَكاذِبونَ﴾ [المنافقون: ١]؛ والنتيجة أن تصدى غير المؤهلين للخلافة بل الفاسدين من بني أمية والعباس الذين شوّهوا صورة الإسلام.
إن رسول الله " صلّى الله عليه وآله " يعلم بمكرهم ونفاقهم ويرى مؤامراتهم ومكائدهم للانقلاب على أعقابهم، فقد أوصى بالخليفة من بعده تبليغاً بأمر الله تعالى ﴿وَما يَنطِقُ عَنِ الهَوى إِن هُوَ إِلّا وَحيٌ يوحى﴾ [النجم: ٣، ٤] وحددهم بإثنى عشر خلفية كلهم من قريش أئمة هداة مهديون يصونون الدين وينشرون الهدى جيل بعد جيل حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
كان النبي " صلّى الله عليه وآله " ينازع في لحظاته الأخيرة قبل أن يغادر الدنيا وقومه يتكالبون عليها، وهم يعلمون جيداً أن طيب حياتهم بوجود رسول الله ونجاتهم حينما يكون فيهم وهم يستغفرون ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فيهِم وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُم وَهُم يَستَغفِرونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] متناسين النعمة التي غمرتهم بوجوده وشملتهم ببركته، يصفها أمير المؤمنين " عليه السلام "( فَانْظُرُوا إِلَى مَوَاقِعِ نِعَمِ اللهِ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ حِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولاً، فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طَاعَتَهُمْ، وَجَمَعَ عَلَى دَعْوَتِهِ أُلْفَتَهُمْ، كَيْفَ نَشَرَتِ النِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ جَنَاحَ كَرَامَتِهَا، وَأَسَالَتْ لَهُمْ جَدَاوِلَ نَعِيمِهَا، وَالْتَفَّتِ الْمِلَّةُ بِهِمْ- جمعتهم بعد تفرقهم- فِي عَوَائِدِ بَرَكَتِهَا، فَأَصْبَحُوا فِي نِعْمَتِهَا غَرِقِينَ، وَفِي خُضْرَةِ عَيْشِهَا فَكِهِينَ، قَدْ تَرَبَّعَتِ الاْمُورُ بِهِمْ، فِي ظِلِّ سُلْطَان قَاهِر، وَآوَتْهُمُ الْحَالُ إِلَى كَنَفِ عِزّ غَالِب، وَتَعَطَّفَتِ الاْمُورُ عَلَيْهِمْ فِي ذُرَى مُلْك ثَابِت، فَهُمْ حُكَّامٌ عَلَى الْعَالَمِينَ، وَمُلُوكٌ فِي أَطْرَافِ الاْرَضِينَ، يَمْلِكُونَ الاْمُورَ عَلَى مَنْ كَانَ يَمْلِكُهَا عَلَيْهِمْ، وَيُمْضُونَ الاْحْكَامَ فِيمَنْ كَانَ يُمْضِيهَا فِيهِمْ. لاَ تُغْمَزُ لَهُمْ قَنَاةٌ- الرمح-، وَلاَ تُقْرَعُ لَهُمْ صَفَاةٌ- صدمة الحجر الصلد-. ).
وكان الأمل في أن تمتد هذه النعم من بعد النبي مادام أهل البيت قادتهم بينهم يأتمرون بأمرهم ونهيهم ويوقرونهم بالمودة كما طالبت الصدّيقة الزهراء " عليها السلام " ( وطاعتنا نظاماً للملّة، وإمامتنا أماناً من الفرقة )؛ ولكن كان ردهم على هذه النعم ووصايا النبي الأكرم أن ضربوها عرض الجدار من أجل السلطة ومغانم الحكم، ففرقوا الناس عن قادتهم وطعنوا الرسول بأهل بيته والقربى الذين جعل اجره مودتهم ﴿.. قُل لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجرًا إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُربى..﴾ [الشورى: ٢٣] بل لم يكتفوا بذلك فقد أنزلوا أنواع الظلم والعذاب على أهل بيت النبوّة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة، وقد أخبر النبي عن أهل بيته ( أنتم المستضعفون بعدي )، فكانت البدايةً من التنكيل بالزهراء بضعة النبي المختار وما حلّ بها وفي دار علي حينما رفضوا البيعة وتمسّكوا بأمر الله تعالى وبلاغ النبي بالوصي من بعده، ثم تآزروا على أمير المؤمنين علي " عليه السلام " بالتهميش والتحييد تارةً والخذلان والقتل تارةً أخرى حتى طعنوه في محراب الصلاة، ثم تآلفوا على ظلم الحسن " عليه السلام " سبط الرسول وريحانته والإمام الثاني من بعده، وحاصروه وعزلوه فقتلوه بالسم الذي مزّق كبده، بعدها تكالبوا على الحسين الشهيد خامس أصحاب الكساء والأقرب للنبي حينما قال " صلّى الله عليه واله "( حسين منيّ وأنا من حسين ) وحاصروه في رمضاء كربلاء وقطّعوه إرباً إرباً هو وأهل بيته وأصحابه وارتكبوا بحقهم مجزرة يندى لها جبين الإنسانية وبكت عليه ملائكة السماء.
أيُ مصيبة وفاجعة حلّت بنا يا رسول الله وأيُ رزيّة بفقدك والرحمة الإلهية التي كنت مظهرها، والنعمة العظيمة التي منّ الله علينا بها، والأسوة الحسنة التي كُنت ولازلت لنا لنتبعك والقادة من بعدك…
فلن نصاب بمثلك يا رسول الله.. كما عبّر قادتنا..
ورحم الله الشاعر صالح الحلي الذي أنشد:
رُزءٌ أطلَّ فجلَّ في الأرزاءِ...زفراتُه هبَّت على الغبراءِ يا نكبة عمَّت على كلِّ الورى...عمَّت على الآفاقِ والأرجاءِ تاللهِ رزءُ محمدٍ أوهى القوى...وطوى الضلوعَ ومضَّ في الأحشاءِ
والحمد لله على عظيم رزيني..
اللهم أرزقني زيارة قبر نبيك وشفاعته والتأسي بسيرته ونصرة أهل بيته..
إنك ولي النعم..
28 صفر الخير 1445
ميسان
https://telegram.me/buratha