الشيخ محمد الربيعي ||
إنّ حركة الدّين هي حركة عدل، حتى إنّ كلمة (العدل) تختصر الدّين كلّه، فلا بدّ من أن نعيش في عدل مع أنفسنا، فلا نظلمها بما يورّطنا بالوقوع في المهالك، سواء في الدنيا أو الآخرة. ولذلك، فإنّ الإنسان الذي يؤمن بربّه ويطيعه وينسجم مع تعاليمه في الحياة، فإنّه يكون عادلاً مع نفسه، لأنه يكون قد حرَّكها في الاتجاه الذي يحقّق لها السّعادة في الدنيا والآخرة، وهكذا، فعلاقة الإنسان بربّه هي علاقة عدل، إذ إنّ الإنسان الذي يؤمن بأنّ الله تعالى هو ربّه وخالقه والمنعم عليه والمهيّئ له جميع أموره، وهو الذي يرعاه ويبعثه والمهيمن على كلّ شيء، فإنه يعدل معه، بأن يوحّده فلا يشرك به شيئاً، ويطيعه فلا يعصيه، وينسجم مع إرادته فلا يتمرَّد عليه، وأن ينفتح على مواقع رضاه فلا يدنو من مواقع سخطه، ذلك لأنَّ من حقّ الله على عبده، أن يعبده بكلّ ما تختزنه كلمة العبادة من الانسجام مع حقيقة الربوبيّة، على ضوء ما جاءت به الآية الكريمة: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]، فحقّ الله على العبد أن يكون خاضعاً له في كلّ شيء، فإذا ابتعد عن ساحة الخضوع، سواء بالكفر أو الشّرك أو المعصية، فإنه يكون قد ظلم ربّه، وهذا ما نستوحيه من وصيّة لقمان لولده: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان: 13]".
فالقاعدة التي أراد تعالى للناس أن يسيروا عليها، تأكيداً لإيمانهم وحسن تمثّلهم للارتباط بالله تعالى، هي العدل في كلّ شيء، على مستوى الحقوق والواجبات بين النّاس جميعاً، فحتى الأنبياء أكّدوا العدل مع الأمّة والناس، من خلال ما بذوله من جهد وتجارب في سبيل إحقاق الحقّ، وتوعية الناس وتزكيتهم، بما يجعلهم ينفتحون على قيمة العدل في كلّ أوضاعهم وعلاقاتهم.
ونتعلّم من ذلك، أن كلّ من يؤدّي للآخر حقّه، هو إنسان مؤمن، يعيش العدل قيمة في نفسه، وسلوكاً عمليّاً في حركته وواقعه.
وهكذا هي علاقة الإنسان بالإنسان الآخر؛ علاقة عدل، لأن الله جعل لكلّ إنسان حقاً على الناس، فالحياة هي حركة حقوق متبادلة بين الناس، فليس لأحد حقّ مطلق، حتى الأنبياء، بل إنّ من حقهم على الناس أن يؤمنوا بهم ويستجيبوا لرسالتهم وينصروهم، وللنّاس عليهم حقّ الدعوة والإرشاد والتوجيه والتزكية والتعليم وما إلى ذلك.
ولذلك، يطالب الله تعالى النبيّ بأن يؤدّي حقّ الأمّة في التبليغ، وهذا ما نستوحيه من قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}[المائدة: 67]، ما يعني أنّ التبليغ هي مسؤوليّته التي تمثّل حقّ الناس عليه في الهداية والتعليم والتزكية، وهكذا بالنّسبة إلى الأئمة والأولياء والعلماء.
حتى إننا نستطيع أن نرتقي إلى درجة أعلى، فنجد أنّ الله الذي له الحقّ المطلق على الناس، ولا حقَّ لأحدٍ من عباده عليه، قد تفضَّل على عباده، بأن جعل لهم حقّاً عليه، حيث يقول: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ}[البقرة: 40].
وتأسيساً على ذلك، فكلّ إنسان أدّى إلى الآخر حقّه فهو عادلٌ معه، وكلّ إنسان لم يؤدِّ إلى الآخر حقّه فهو ظالم، وبالتالي، فإن مسألة الحقوق تتحرك في كلّ مجالاتها لتكون مسألة عدل وظلم. فعندما نواجه علاقة الإنسان بالحياة وبالبيئة وبالأرض، نجده تارةً يحسن إليها، وتارة يسيء إليها، ذلك أنّ للإنسان مسؤولية تنمية الحياة، كما يحبّ الله للحياة أن تنمو، ما يجعل للحياة حقّاً على الإنسان، كما أنَّ له حقّاً عليها بشكل تكوينيّ، وهذا ما نستوحيه من قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}[الحديد: 25]، حيث رأينا أنّ الدّيانات والرسالات والرسل تتحرّك كلّها من خلال خطّة عدل.
من الأهمية بمكان، أن نعيش العدل ونتفّسه سلوكاً وتصرفاً، فلا نظلم أنفسنا ونبتعد عن الله، ولا نظلم زوجاتنا وأولادنا وجيراننا، ولا نعتدي على حقوقهم وعلى حقوق النّاس، بل أن نمارس العدل عبر حمل الحقّ وتأكيده وحمايته والدّفاع عنه، فكوننا عادلين مع الله وأنفسنا والناس، يعني أنّنا نعيش الدّين بروحه وتطبيقاته العملية، وليس مجرّد تنظير وتجريد وطقوس خالية من المعنى الجوهريّ الذي يلتزم العدل في كلّ حركة نخطوها في الدّنيا. فهل نحن العادلون يا ترى؟!.
اللهم احفظ الاسلام واهله
اللهم احفظ العراق و شعبه
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha