كوثر العزاوي ||
دماء تراق بلا رحمة ولاحساب، لها عبقٌ على تراب الدنيا، فالدم عندما يراق لأجل الكرامة، لا ليسكنَ في التراب لتمحو آثاره السنين،إنما يُراق ليسكن الخلد! ويتَشرّفَ الخلود بالدم الخالد على مر العصور، لذا تجد ساحة الخلد لا تفتأ تتلقى القوارير تلو القوارير من دماء الابرياء وبراءة الطفولة! في مشاهد قد طفح بها كأس الذاكرة فلم يَعد يسع المزيد،! دماء، أشلاء، انقاض، ركام، نار ، دخان، صراخ، نداءات ام أو أب او زوجة أو طفل تتلاشى مع الريح، مهلًا أيها الليل، لحظاتك عسيرة تتحالف فيها الأوجاع والمواقف، والذكرى والدهشة، والشهقة واليأس، ثمة أكوام من البراءة معجونة بأنين الأمهات تشكل لوحة على ركام منازلها، تذوب لها افئدة البشر وليس وحوشها، حيث لم تسلم البراءة بل تفوقت بنوعها وعددها، فحُملتْ جثامينها جملة نحو السماء، وآخرون يشهدون ذات المشهد بلحظ عيون الطفولة المدماة كأنهم ينتظرون، فهم شاهدون على مايجري من أهوال رغم حالة الذعر وارتجاف الفرائص، لكنهم يلتمسون مع بعضهم فرحًا ممزوج بقوة ولو بعضًا منه، غير أنّ الفرح عزَّ عليهم واختطِف بصوت القذائف التي لم نسمع لها مثيل من قبل، فذاك طفل صغير يفرُ هاربًا، يحسب أن تنّين العدو يلاحقه ليضربه بالنار، وكله يصرخ، أمي ابي أخي لاترحلون وقد تشتتت أشلاءهم على الجدران، ولم ينتهِ المشهد بعد!! فقد حلّ الليل، فلا قمر يضيء ولا كهرباء تنير والقذائف في سباق لحصدِ أكبر عدد من الأرواح، والكلّ يتوقع دوره وسط ذعر الصغار والكبار، ويبقى الدويّ سيد الليل والنهار، ولكن قسَمًا ورغم الفجائع، بأنّ الفجر الساطع لا ينبلج مع الامان الّا من دياجير الظلام المرعب، فإنّ مع الصبر الظفر وإن مع الصبر نصرا.
https://telegram.me/buratha