عبد محمد حسين الصافي ||
في العام ٢٠٠٠ وفي الثلاثين من أيلول تحديداً، كان جيش الإحتلال يسرح ويمرح في غزة، يتجول في شوارعها، يتفحص عيون شبابها لعله يكتشف رفضاً أو تذمراً أو إحتجاجاً، يفتش في حقائب التلاميذ بحثاً عن حجارةٍ مخبأة في طيات كتبهم. ومن بعيد لمحت عينا جندي صهيوني طفلاً فلسطينياً يهم برمي حجارة بإتجاهه، صرخ الجندي الصهيوني عليه طالباً منه أن يضع الحجارة في جيبه، ويكور يديه على رأسه ويقدم عليه، ذُعر الطفل الغزاوي وإرتبك ولجأ الى أبيه، حينها أطلق الجندي الصهيوني طلقة تخويف بأتجاهما، مكرراً طلبه أن يأتياه الإثنان معاً هذه المرة، لفّهما الذعر فحاولا الإحتماء بستارٍ بسيط، ليتركا للجندي الإسرائيلي أن يمارس هوايته معهما في التصويب على مقربة شديدة منهما، ومع كل صرخة يطلقها الأب وإبنه، تتصاعد ضحكات الجنود المستمتعين جداً بهذا المشهد الكوميدي بالنسبة لوحوش الإحتلال، التراجيدي في نظر الضمير الأنساني، حتى اذا فرغ الجنود من قهقهاتهم، وانتفت الحاجة للكوميديا عندهم، عاد الجندي للتصويب هذه المرة بجدية، ليطبق فرضتها على شعيرتها وعلى رأس الطفل، ليخر صريعاً حاضناً أبيه من الخلف، وليعود الجنود لقهقهاتهم ولكن بصوتٍ عالٍ هذه المرة.
تلك هي قصة إستشهاد الطفل الغزاوي محمد الدرة ذي الثانية عشرة سنةً والخامس الإبتدائي.
دارت السنين دورتها، ورفاق محمد الدرة وزملاؤه في المدرسة قد كبروا، وتمكنوا بفضل رجلٍ جاءهم من كرمان يسعى، إستبدل حجارتهم بصاروخ ومسيرة ومدفع، وخاطبهم إنكم لستم وحدكم هنا. لم يكتفوا بطرد جنود الإحتلال خارج غزتهم، بل لاحقوهم، وأهانوهم، وأوقعوا فيهم قتلاً وتدميراً وأسرا..
فارس كرمان لم يورطهم كما يحلو للمنافقين أن يصفوه، بل جعلهم قادرين على الإنتقام ثأراً لدماء زميلهم محمد الدرة، وهو مما لايدركه الجبان..
https://telegram.me/buratha