الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن العدو "فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ" ﴿البقرة 36﴾ عدو اسم، فأوقعهما الشيطان في الخطيئة: بأنْ وسوس لهما حتى أكلا من الشجرة، فتسبب في إخراجهما من الجنة ونعيمها. وقال الله لهم: اهبطوا إلى الأرض، يعادي بعضكم بعضًا أي آدم وحواء والشيطان ولكم في الأرض استقرار وإقامة، وانتفاع بما فيها إلى وقت انتهاء آجالكم، و "مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ" ﴿البقرة 98﴾ من عادى الله وملائكته، ورسله من الملائكة أو البشر، وبخاصة المَلَكان جبريلُ وميكالُ، لأن اليهود زعموا أن جبريل عدوهم، وميكال وليُّهم، فأعلمهم الله أنه من عادى واحدًا منهما فقد عادى الآخر، وعادى الله أيضًا، فإن الله عدو للجاحدين ما أنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، و "يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ" ﴿البقرة 168﴾ يا أيها الناس كلوا من رزق الله الذي أباحه لكم في الأرض، وهو الطاهر غير النجس، النافع غير الضار، ولا تتبعوا طرق الشيطان في التحليل والتحريم، والبدع والمعاصي. إنه عدو لكم ظاهر العداوة، و "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ" ﴿البقرة 208﴾ يا أيها الذين آمنوا بالله ربًا وبمحمد نبيًا ورسولا وبالإسلام دينًا، ادخلوا في جميع شرائع الإسلام، عاملين بجميع أحكامه، ولا تتركوا منها شيئًا، ولا تتبعوا طرق الشيطان فيما يدعوكم إليه من المعاصي. إنه لكم عدو ظاهر العداوة فاحذروه، و "فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ" ﴿النساء 92﴾ عدو صفة، ولا يحق لمؤمن الاعتداء على أخيه المؤمن وقتله بغير حق، إلا أن يقع منه ذلك على وجه الخطأ الذي لا عمد فيه، ومن وقع منه ذلك الخطأ فعليه عتق رقبة مؤمنة، وتسليم دية مقدرة إلى أوليائه، إلا أن يتصدقوا بها عليه ويعفوا عنه. فإن كان المقتول من قوم كفار أعداء للمؤمنين، وهو مؤمن بالله تعالى، وبما أنزل من الحق على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فعلى قاتله عتق رقبة مؤمنة، وإن كان من قوم بينكم وبينهم عهد وميثاق، فعلى قاتله دية تسلم إلى أوليائه وعتق رقبة مؤمنة، فمن لم يجد القدرة على عتق رقبة مؤمنة، فعليه صيام شهرين متتابعين، ليتوب الله تعالى عليه. وكان الله تعالى عليما بحقيقة شأن عباده، حكيمًا فيما شرعه لهم.
و يبرر بعض المعتقدين بعدم نبوة آدم عليه السلام بانه اخطأ وغير معصوم لاقتراب ادم وحواء من الشجرة "وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ" (البقرة 35) وانه عصى الله "وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى" (طه 121) نتيجة اغواء الشيطان "فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا" (البقرة 36) اي عن الجنة "وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ" (البقرة 35). وقد فند بعض علماء اتباع اهل البيت هذا الرأي بان العصمة متفواته بين الانبياء واكملها عصمة النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم. والدليل على ان جنة آدم ارضية يؤكد مفسرون أنه كيف تسنى لإبليس أن يغوي آدم في الجنة السماوية مع أن دخولها محرم على إبليس؟ حيث يمكن أن تكون هذه الجنة أرضية ولم يمنع من دخولها، ولعل ضمير الجمع في قوله تعالى "فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ" (البقرة 36) يشير إلى ذلك. و يبرر بعض المعتقدين بعدم نبوة آدم عليه السلام بانه اخطأ وغير معصوم لاقتراب ادم وحواء من الشجرة "وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ" (البقرة 35). واخرين قالوا وعندما نلاحظ الآيات الحاكية عن نهي آدم عن الأكل من الشجرة لا نجد ما يشير إلى كونه نهياً مولويّاً حتّى يوجب عصيانه العذاب الاخروي الذي وعد الله به العاصين. فمنذ ادم وحواء عليهما السلام لا يوجد تمييز بين الذكر والانثى فعاقبهما الله بدون تمييز لاكلهما من الشجرة كما في الاية الشريفة “فازلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع الى حين” (البقرة 36). صاحب القلم النظيف الذي يكتب ما يمليه ضميره، والقلم المأجور يكتب ما يملى عليه لقاء مبلغ او منصب وهذا من زلل الشيطان فيخرج الكاتب عن طريق الصواب "فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ" (البقرة 36).
جاء في تفسير التبيان للشيخ الطوسي: قوله تعالى: "فَإِن كانَ مِن قَومٍ عَدُوٍّ لَكُم وَ هُوَ مُؤمِنٌ فَتَحرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ" (النساء 92) يعني إن کان هذا القتيل ألذي قتله المؤمن من خطأ من قوم هم أعداء لكم مشركون و هو مؤمن، فعلي قاتله تحرير رقبة مؤمنة. و اختلفوا في معناه، فقال قوم: إذا کان القتيل في عداد قوم أعداء و هو مؤمن بين أظهرهم لم يهاجر، فمن قتله فلا دية له. و عليه تحرير رقبة مؤمنة، لأن الدية ميراث، و أهله كفار لا يرثونه. هذا قول ابراهيم، و إبن عباس، و السدي، و قتادة، و إبن زيد، و إبن عياض. و قال آخرون: بل عني به أهل الحرب من يقدم دار الإسلام فيسلم ثم يرجع إلي دار الحرب إذا مر بهم جيش من أهل الإسلام فهرب قومه و أقام ذلك المسلم فيهم فقتله المسلمون، و هم يحسبونه كافراً. ذكر ذلك عن إبن عباس في رواية أخري.
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى "مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ" ﴿البقرة 98﴾ وعن الآية السابقة قوله تعالى: "قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك" (البقرة 97) الخ، السياق يدل على أن الآية نزلت جوابا عما قالته اليهود وأنهم تابوا واستنكفوا عن الايمان بما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعللوه بأنهم عدو لجبريل النازل بالوحي إليه. والشاهد على ذلك أن الله سبحانه يجيبهم في القرآن وفي جبريل معا في الآيتين وما ورد من شأن النزول يؤيد ذلك فأجاب عن قولهم: إنا لا نؤمن بالقرآن لعداوتنا لجبريل النازل به اولا: أن جبريل إنما نزل به على قلبك بإذن الله لا من عند نفسه فعداوتهم لجبريل لا ينبغي أن يوجب إعراضهم عن كلام نازل بإذن الله، وثانيا: أن القرآن مصدق لما في ايديهم من الكتاب الحق ولا معنى للايمان بأمر والكفر بما يصدقه. وثالثا. أن القرآن هدى للمؤمنين به، ورابعا أنه بشرى وكيف يصح لعاقل أن ينحرف عن الهداية ويغمض عن البشرى ولو كان الآتي بذلك عدوا له. وأجاب عن قولهم: إنا عدو جبريل أن جبريل ملك من الملائكة لا شأن له إلا إمتثال ما أمره به الله سبحانه كميكال وسائر الملائكة وهم عباد مكرمون لا يعصون الله فيما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وكذلك رسل الله لا شأن لهم إلا بالله ومن الله سبحانه فبغضهم وإستعدائهم بغض وإستعداء لله ومن كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو لهم، وإلى هذين الجوابين تشير الايتان. وقوله تعالى: "فإنه نزله على قلبك" (البقرة 97)، فيه إلتفات من التكلم إلى الخطاب وكان الظاهر أن يقال على قلبي، لكن بدل من الخطاب للدلالة على أن القرآن كما لا شأن في إنزاله لجبريل وإنما هو مأمور مطيع كذلك لا شأن في تلقيه وتبليغه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن قلبه وعاء للوحي لا يملك منه شيئا وهو مأمور بالتبليغ. قوله تعالى: "عدو للكافرين" (البقرة 98)، فيه وضع الظاهر موضع المضمر والنكتة فيه الدلالة على علة الحكم كانه قيل: فإن الله عدو لهم لانهم كافرون والله عدو للكافرين. ان المراد من اتباع خطوات الشيطان ليس اتباعه في جميع ما يدعو إليه من الباطل بل اتباعه فيما يدعو إليه من امر الدين بأن يزين شيئا من طرق الباطل بزينة الحق ويسمي ما ليس من الدين باسم الدين فيأخذ به الانسان من غير علم، وعلامة ذلك عدم ذكر الله ورسوله إياه في ضمن التعاليم الدينية. وخصوصيات سياق الكلام وقيوده تدل على ذلك ايضا: فإن الخطوات إنما تكون في طريق مسلوك، وإذا كان سالكه هو المؤمن، وطريقه إنما هو طريق الايمان فهو طريق شيطاني في الايمان، وإذا كان الواجب على المؤمن هو الدخول في السلم فالطريق الذي يسلكه من غير سلم من خطوات الشيطان، واتباعه اتباع خطوات الشيطان. فالآية نظيرة قوله تعالى: "يا ايها الناس كلوا مما في الارض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين * إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" (البقرة 168-169)، وقد مر الكلام في الآية، وقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فانه يأمر بالفحشاء والمنكر" (النور 21)، وقوله تعالى: "كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين" (الانعام 142)، والفرق بين هذه الآية وبين تلك أن الدعوة في هذه موجهة إلى الجماعة لمكان قوله تعالى: كافة بخلاف تلك الآيات فهي عامة، فهذه الآية في معنى قوله تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" (ال عمران 103)، و قوله تعالى: "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" (الانعام 153)، ويستفاد من الآية أن الاسلام متكفل لجميع ما يحتاج إليه الناس من الاحكام والمعارف التي فيه صلاح الناس.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: يبدو أن تعميم فرضية تنازع البقاء على عالم الإنسان انما هو ضرب من الفكر الاستعماري الذي يؤكده بعض علماء الاجتماع في الدول الرأسمالية لتسويغ حروب حكوماتهم الدموية البغيضة وإطفاء الطابع العلمي على سلوكياتهم وجعل الحرب والنزاع ناموسا طبيعيا لتطور المجتمعات الإنسانية وتقدمها، أما الأشخاص الذين وقعوا دون وعي تحت تأثير أفكار هؤلاء اللاإنسانية وراحوا يطبقون هذه الآية عليها فهم بعيدون عن تعاليم القرآن، لأن القرآن يقول بكل صراحة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ" ﴿البقرة 208﴾. ومن العجب أن بعض المفسرين المسلمين مثل صاحب المنار وكذلك (المرائي) في تفسيره وقعوا تحت تأثير هذه الفرضية إلى الحد الذي اعتبروها أحد السنن الإلهية، ففسروا بها الآية محل البحث وتصوروا أن هذه الفرضية من إبداعات القرآن لا من ابتكارات واكتشافات دارون، ولكن كما قلنا أن الآية المذكورة ليست ناظرة إلى هذه الفرضية، ولا أن هذه الفرضية لها أساس علمي متين، بل أن الأصل الحاكم على الروابط بين البشر هو التعاون على البقاء لاتنازع البقاء. فقد وردت في آيات كثيرة الإشارة إلى عداوة الشيطان لبني آدم، وأطلقت عليه مرارا وتكرارا عبارة عدو مبين لذا يجب الحذر الدائم من هذا العدو. لاحظ الآيات 161 و 208 من سورة البقرة، والآية (142) من سورة الأنعام، والآية (22) من سورة الأعراف، والآية (5) سورة يوسف، والآية (60) سورة يس، والآية (62) من سورة الزخرف.
https://telegram.me/buratha